تكايا قيد الخذلان
السودان- محمد عبد الباقي
بينما تستهلك حروب أخرى تركيز العالم، فإن السودان -الذي يقترب من الانهيار التام على جميع الجبهات- يناشد الاهتمام. ليس لدى العالم الكثير من الوقت لتجنب الانهيار التام.
وحتى يونيو الماضي كانت 6 تكايا خيرية، تعمل بالحارات 23 و13 و14 بمحلية كرري بأم درمان يعتمد عليها في الحصول على الوجبات الأساسية رقم غير معروف بدقة من السكان والنازحين من مناطق متفرقة من أم درمان والخرطوم.
وحاليا تقدم ثلاثة تكايا بالمنطقة وجبات مخفضة من الرز والعدس تكفي لعدد قليل من الناس الذين أصبحوا أكثر حاجة للمواد الغذائية والوجبات الجاهزة بعد زيادة عدد النازحين وارتفاع أسعار المواد الغذائية ونفاد المدخرات المالية.
تقول سامية يعقوب وهى أم لخمسة أطفال نزحت من منزلها بقرية الفطيماب شمال سوق ليبيا إلى الحارة 23، أنها تعودت على الحصول على ثلاثة وجبات لأطفالها من عدد من التكايا في الحارات المجاورة، ولكن توقف بعضها عن تقديم الطعام جعلها تحصل على وجبة واحدة يومياً.
إما إبراهيم حماد (اسم مستعارة بناءا على رغبته) وهو مهندس كان يعمل بإحدى شركات إنتاج النفط، يقطع المسافة ما بين الحارة 13 والحارة العاشرة يوميأ من أجل الحصول على وجبة طعام من تكية مُقامة هناك.
إبراهيم الذي كان يتقاضى راتباً مجزياً ويمتلك منزلاً مكون من طابقين في حي المهندسين الراقي، ويعيش حياة مستقرة قبل الحرب يقول :” أصبحت أفضل الموت على ما نعانيه من ألم بسبب العوز، والوقوف في طابور توزيع الوجبات المجانية التي لم نتعود على تناولها قبل الحرب”.
إبراهيم واحد من ألاف الموظفين والتجار الذين كانوا ميسورين الحال، ولكنهم فقدوا وظائفهم وأعمالهم التجارية وأصبحت التكايا ملاذهم الأخيرة في الحصول على الطعام، لم يحصل حتى بعد مرور 18 شهراً على الحرب على أي إعانات رغم كثرت السلع التي أرسلتها المنظمات الإغاثية و الخيرين إلى ضحايا الحرب أمثاله، لأنها وجدت طريقها إلى السوق.
ويواجه السكان بأم درمان أزمة حادة في نقص الغذاء في ظل الزيادة المضطردة في الأسعار، وعدم توفر فرص للعمل، وتآكل المرتبات للموظفين بعد تراجع قيمة الجنيه من 380 جنيها للدولار مع بداية الحرب إلى أكثر من 2700 جنيها في نوفمبر الجاري.
وترافق الوضع الإقتصادي المتدهور مع إنتشار الملاريا وحمى الضنك والتايفويد بصورة لافتة.
وقال طبيب –اشترط عدم ذكر اسمه لدواع أمنية- يدير عيادة صغيرة بمحلية كرري أن التردد اليومي للمرضى أرتفع من تسعة أشحاص في الفترة ما بين يناير ويوليو إلى ما يزيد عن 60 حالة في اليوم الواحد في أغسطس وسبتمبر من العام الجاري، أكثرها أمراض مرتبطة بسوء التعذية والتردي البيئي وبالمقابل زادت حالات الوفاة نتيجة لضعف مناعة المرضى بسبب سوء التغذية وفقر الدم.
وتخبر سامية التي أصبح أطفالها يحصلون على وجبة واحدة بعد توقف عمل التكايا أن بعض أقاربها كانوا يدعمونها بمبالغ غير ثابتة شهرياً، ولكن حتى هذا الدعم المتقطع توقف حاليا بسبب تطاول فترة الحرب وتزايد أعداد المحتاجين بين الأهل والأقارب.
وتقول خبيرة تغذية بمستشفى النو بأم درمان أن 6 من كل 10 مرضى يدخلون المستشفى يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن 7 من كل 10 مرضى لم يتناولوا الحليب لستة أشهر على الأقل.