نحو (أفق)، بعيد..

عبد الغني كرم الله
(كتلو فوق)

كانت عادتي، أن أقرأ مجلة المجلة من الخلف، آخر صفحة فيها، وهي مقال للطيب صالح بعنوان (نحو أفق بعيد)، ثم أرجع للبدء.

ويهمني هنا كلمة (أفق)، ودلالاتها الطبيعية والفكرية والأدبية، وهي تعني الكثير، حسب تأويل من يعالج أمر الأفق.

طبيعيًا، هو أبعد خط، يفصل بين الأرض والسماء، (وهنا يتسع التأويل، الروح والجسد، وأي متناقضات أخرى، يتحملها هذا الأفق الطبيعي)، يشعرني، الأفق البعيد باللإطلاق، باللانهائي، حين يفتر البصر، وتنشط البصيرة، لرؤية ما وراء الأفق (العقل)، أي أصبح العقل الأفق الأخير للفكر، سدرة المنتهى، واشرع الباب للبصيرة، ولو تقدم لاحترق (الأفق/العقل)، فهنا، تتسع الرؤية، وتضيق العبارة.

في مراهقتنا، كان هناك أفق يضحكنا، وهي كلمة يقولها أحد مشجعي المريخ، مهزومًا ومنتصرً، حين نناقشه، أو حتى نكاويه (إنتو ضيقي الأفق) هكذا يصرخ فينا، فنغيظه (خلاص ماشين حاج سعد، وهو ترزي، كي يوسع لنا أفقنا الضيق هذا).

كانت هناك مجلة عراقية رصينة، مجلة (آفاق) عربية، من فرسانها كتاب عظام كثر، حاتم الصقر، وتكتب (الصكر)، كعادة أهل العراق، ودكتور على الوردي، الذي يبسط أعتى الأفكار الفلسفية في ثوب بسيط، يفهمه طالب الثانوي، وتشعر بلذة التفكير معه، وإعمال العقل في السلوكيات العادية، وتتذوق بيت ابن العربي (شربوا بكؤوس تفكرهم صرفًا، من خمر هواك وما مزجوا)، الفكر خمر؟ لكن يشترط (الفكر الحر، المبرأ من الرغبة والرهبة)، آاااه من يدخل حانه؟ لا محال سيكون حرًا من التواءات الفكر الضارة، وما أقل أهل هذه الحانة، حتى قيل، (لقد تمنيت على الزمان محالًا، أن ترى مقلتاي طلعة “حر”)،.

إذًا هذا (أفق) تفكير جديد، وقد تخلص من التواءات المصلحة والطبقة، تفكير إنساني شامل (الناس من جهة التمثيل أكفاء، فالأب آدم، والأم حواء، إن كان في أصلهم شيء يفاخرون به، فالطين والماء).

من مراوغات الأفق، يبدو دائريًا، أفق حول كروية الأرض، ويبدو للعين أفقيًا، كأنه يتحدى الحواس الخمسة، ومحدوديتها، ويحث العقل على تجاوز (آفاقها)، واستنباط الحقيقة من وراء معطياتها (الحواس الخمس، يكفي إنها ترى النجوم كحبة قمحة، وهي أكبر من الأرض بألف ألف مرة).

بل حتى النكات والمزاح مضى إلى عوالم الأفق وصعوبة نطقها لبلدنا ذات الألف لغة، (كتلو فوق)، وهو يعني (خط الأفق).

أتمنى لهذا الأفق أن تطل من خلفه شمس الفكر، وقمر العاطفة، فنحن في منعطف، وصفه عنوان كتاب لدكتور زكي نجيب محمود (مجتمع جديد أو الكارثة).

الآن دخان الحرب حجب كل الآفاق، سوي أفق الفكر، أفق النور، والنور ما بندفن، دفن معاوية نور، عشري صديق، وظلت أنوار أفكارهم إلى الآن، لكن للأسف في السطور وليس الصدور.

قال المسيح (السراج لا يوضع تحت المكيال)، كي ينير للناس طرقهم، وكذا سراج الفكر، كي يضئ كل آفاق الحياة.

الطيب صالح، آفاق جديدة، السيد المسيح،

عبد الغني كرم الله

كاتب وروائي،سوداني له عدة كتابات في مجالات مختلفة و اصدر، مجموعة قصص قصيرة، وروايات، دمهتم بإدب الاطفال واليافعين، كتب في عدة مطبوعات ودوريات عربية واجنبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى