أفق جديد
تضاربت الإرقام، أقل التقديرات 3 آلاف قتيل وأعلاها 5 آلاف، ذلك ما أفصحت به جهات ذات شخصيات إعتبارية ، غير أن للمواطنين رأي آخر وبحسب تقديراتهم إن الأرقام تفوق ذلك بكثير. هي الجزيرة تلك البقعة الخضراء من أرض السودان والتي كانت تلقّب بـ”أرض المحنة” عاشت قسوة لم يألفها إنسانها المجبول على الطيبة، فالجزيرة الآن هي “أرض الموت” أو قل “أرض تموت ” بلا وازع ولاحتى رقيب والانتهاكات بلا كابح.
نشر صندوق الأمم المتحدة للسكان المتخصص في صحة الأم والطفل، سلسلة من شهادات “مروّعة” لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال في السودان الذي يشهد حرباً منذ ما يناهز العامين، وفيما أشار الصندوق الأممي في بيان إلى مقتل ما لا يقل عن 124 مدنياً وفرار نحو 135 ألفاً من ولاية الجزيرة، بينهم 3200 امرأة حامل، وذلك بعد الهجوم الكبير الذي شنته قوات الدعم السريع على الولاية منذ 20 أكتوبر/ تشرين الأول.
يقول الناطق الرسمي باسم “مؤتمر الجزيرة” -وهو كيان مدني تأسس عقب الحرب- إن عدد القتلى منذ اجتياح الدعم السريع للولاية بلغ 3 آلاف قتيل وعدد القرى في مجمل الولاية التي تم تهجيرها بشكل كلي حوالى 2500 قرية أما التي هجِّرت بشكل جزئي تبلغ 3835 قرية، وهناك أكثر من ألفي كمبو غير مسجلة في البيانات رسمياً.
وأورد الصندوق الأممي، نقلاً عن أرقام وزارة الصحة في ولاية الجزيرة، معلومات “أولية” من 27 امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 6 و60 عاماً تعرضنّ للاغتصاب أو الاعتداء، مشيراً إلى أن هذه الحالات تشكل “جزءاً صغيراً من اعتداءات جنسية عنيفة تحصل على نطاق واسع”.
وتجنّب الصندوق الإشارة إلى مصدر تلك الهجمات، بيد أن كل المعلومات التي يتم تداولها من ولاية الجزيرة تؤكد تورط الدعم السريع الذي يسيطر على المنطقة في تلك الهجمات بعد أن صعّد من هجماته الانتقامية أخيراً. ويؤكد الأمين العام ما أورده صندوق السكان، ويقول لـ”أفق جديد” نعم، حدثت اعتداءات جنسية واغتصابات غير أنه يتحفّظ على المناطق والقرى التي حدثت فيها تلك الحالات.
ونقل الصندوق الأممي في بيانه عن ماريا، وهي أم لولدين، قولها “لقد اضطهدونا (المسلحون) وضربونا وصوبوا أسلحتهم نحونا وفتشوا بناتنا”. وروت فتيات أن إخوانهن وأعمامهن وآباءهن وفروا لهن سكاكين، وأضفن “قالوا لنا إن علينا قتل أنفسنا إذا هدَّدَنا المقاتلون بالاغتصاب”.
وقالت ناجيات في شهادات أخرى “إن نساء رمين أنفسهنَّ في النهر حتى لا يتعرضن لهجوم من رجال مسلحين”، بينما “فرت أخريات واختبأن لأن عائلاتهن هددنهن بالقتل بداعي غسل العار”.
وقالت فاطمة، وهي أم لـ6 أولاد لا تعرف ماذا حدث لزوجها “لقد ضربونا مثل الكلاب، فغادرنا. لم يكن معنا شيء ولا حتى خبز. سرنا 7 أيام تحت أشعة الشمس الحارقة من دون أن نأكل شيئاً. وماتت بعض النسوة في الطريق”.
وكانت أمينة (27 عاماً) ضمن مجموعة من 21 امرأة حاملاً في المرحلة الأخيرة جمعهن طبيب محلي في إحدى القرى لمساعدتهن على الولادة قبل الفرار، وتعيّن إخضاعها لعملية قيصرية، وقالت “كانت عمليات إطلاق النار مرعبة جداً لدرجة أنني استجمعت قوايّ لمغادرة القرية”.
وأوضحت أنه “بعد 6 ساعات فقط” من الخضوع للعملية القيصرية، ورغم “الجروح التي كانت لا تزال حديثة ومؤلمة”، واصلت طريقها مع مولودها الجديد سيراً على الأقدام، ثم في “عربة يجرها حمار” لأيام عدة، وقد وقعت أفظع هذه الانتهاكات في مناطق مثل مدينة الهلالية وأزرق والسريحة ومن قبل في ود النورة في ولاية الجزيرة.
فظائع صادمة
وكانت الأمم المتحدة قد أعربت -أمس الثلاثاء- عن قلقها حيال الهجمات التي أودت بحياة مدنيين مؤخراً في ولاية الجزيرة، و”معلومات عن فظائع صادمة يتعلّق آخرها بمجازر مروّعة وعنف جنسي” وفي هجمات الدعم السريع على المنطقة. وحذر مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف راميش راجاسينغهام أمام مجلس الأمن، من تفاقم الحرب في السودان، وقال إنه بعد أكثر من 18 شهراً على اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتي “لا يوجد أي مؤشر على التهدئة”.
وتقول ميليشيا الدعم السريع إنها تهاجم القرى لأن بها مسلحين، وهو ما نفاه بشكل قاطع عدد من المواطنين وعضّده الناطق الرسمي باسم مؤتمر الجزيرة هيثم الشريف. وقال الشريف لـ”أفق جديد” هذا غير صحيح، هي دعاية رخيصة قصدت منها الميليشيا تبرير جرائمها في حق المواطنين العزّل، وأردف أن كل القرى التي تم تهجيرها وارتكاب جرائم في حق مواطنيها ليس بها أي مظهر من المظاهر العسكرية، غير أنه استدرك قائلاً “نعم، هناك بعض المواطنين حاولوا الدفاع عن أموالهم وأعراضهم بأسلحة بدائية وأسلحة حماية شخصية”.