سليمى أسحاق : أكثر من 30 حالة ولادة  وسط المغتصبات

الدعم السريع إرتكب 98 % من حالات الانتهاك الجنسي

 

أم سلمى العشا

 

 

 

في أحدث تقرير سنوي للأمين العام حول المرأة والسلام والأمن تضاعفت نسبة النساء اللاتي قتلن في النزاعات المسلحة العام الماضي مقارنة بأعوام سابقة، حيث شكلن 40 في المائة من جميع الوفيات في الحرب، بينما زادت حالات العنف الجنسي المرتبط بالصراع التي تحققت منها الأمم المتحدة بنسبة 50 في المائة. يحدث ذلك على خلفية تجاهل صارخ متزايد للقانون الدولي المصمم لحماية النساء والأطفال أثناء الحرب.

وفي السودان تتفاقم أوضاع النساء جراء الحرب التي تتسع رقعتها يوما بعد يوم. وفيما تكافح المرأة في سائر أرجاء المعمورة لمناهضة كل أشكال العنف الجنسي، تحاول نساء السودان اللواذ بالملجأ الآمن ودار الرعاية، التي تقيها شرور التشرد والاغتصاب والشتات.

وتشارك سليمى إسحق محمد شريف، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، بوزارة التنمية الاجتماعية السودانية خلال مقابلة مع “أفق جديد” بعض معلوماتها حول أوضاع النساء وتعرضهن للانتهاكات والعنف الجنسي، محددةً بعض أشكال العنف المتصل بالنزاع، موضحة أن آخر إحصائيات للاعتداء الجنسي سجلت كانت 331 حالة في كل السودان، وتعتبر أقل من 2% من العدد الحقيقي، كما تقول، إذ سنكتشف بعد انتهاء الحرب “أن ما نعرفه من معلومات 1% فقط من الأشياء”. كما تشير سليمى إلى وجود أكثر من 30 حالة حمل ناتج عن الاغتصاب، وتعرض 48 حالة للاسترقاق الجنسي.

وكشفت سليمى عن وجود حالات كثيرة لم يتم تضمينها داخل المنظومة الصحية، وأفادت بازدياد وفيات الأمهات، كمحصلة طبيعية لغياب الخدمات.

لسنا في عجلة

تمضي سليمى بالقول إن هناك حالات حمل ناتج عن الاغتصاب، مقدرة وجود أكثر من  30 حالة ولادة نتيجة الاغتصاب، وفقاً لاحصاءات دخول المنظومة الصحية، كما أنّ هنالك حالات لم تضمّن في المنظومة الصحية، ولم تتوفر لهم مساعدة طبية، إضافة للإجهاض خارج نطاق المنظومة.

وتعرضت كثير من النساء للاسترقاق الجنسي إبّان الحرب، كما تقول شريف، وهنالك أكثر من 48 حالة في مناطق مختلفة، بحسبها، فيما الكثير من النساء يقبعن خلف أسوار الاحتجاز، مأسورات. وتستطرد: “أنا شخصيا لست مستعجلة لمعرفة المعلومة والأعداد، لصعوبة تحديدها بسبب ظرف الحرب، وإن شاء الله ستنتهي ونستطيع معرفة كل الحقائق”. واسترسلت: “بعد نهاية الحرب سنكتشف أن ما نعرفه يمثل 1% فقط من المعلومات”.

وتعدد سليمى بعض أشكال العنف ضد المرأة مشيرةً إلى وفيات الأمهات لغياب الخدمات والظروف التي تعيش فيها النساء، وظروف الحمل النفسية والاقتصادية، التي توثر على الحمل نفسه، بخلاف زواج الفتيات الصغيرات والمغتصبات، إذ أنه يعتبر عبئا على النظام الصحي نتيجة عدم الولادة الطبيعية، لذلك تجرى لهنّ عمليات قيصرية، فضلا عن مشاكل النظام الصحي التي تعاني من قصور بائن بعد اجتياح الجزيرة.

وتعد وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل هي الآلية الحكومية للتصدي للعنف المبني على النوع الاجتماعي في السودان، وتتبع الوحدة الاتحادية لوزارة التنمية الاجتماعية، ولها فروع في معظم ولايات السودان.

وتقول سليمى أنهم لا يملكون سجلاً للفتيات اللائي انتحرن بسبب الاغتصاب، لكنها تقول إنّ النساء عندما تظهر عليهن بوادر الحمل يرددن عبارة “يا ريتني متّ”، فضلاً عما اعتدن على سماعه في المجتمع: “الاغتصاب أفضل منه الموت”.

وفي وجهة توعوية من حديثها تنبه سليمى، الخبيرة في علاج الصدمة النفسية للأفراد والمجتمعات المتأثرة بالحروب والنزاعات إلى حياة البني آدمين مهمة للغاية، وأنّ تعرض النساء للاغتصاب لا ينتقص من هويتهنّ، “الاغتصاب أزمة وصدمة كبيرة وسيئة، لكن حياة النساء أغلى”، فالاغتصاب، بكل تأكيد، ليس اسوأ من الموت.

كل هذه الأثمان الباهظة؟

تؤكد المسؤولة الحكومية خلال حديثها إلى “أفق جديد” أنّ النساء السودانيات دفعن ثمناً فادحاً في هذه الحرب، لكنهن لا يملكن رفاهية الحزن حتى، ولا الوقت اللازم في ظل الضغوط المعيشية، والأعباء التي تنوء بها أكتافهن، ومحاولاتهن الدائبة لإعادة ترتيب الحياة بشكل قابل للتعايش.

وتعمل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في الوقت الحالي على دعم جهود الوحدات الولائية لتقديم خدمات مباشرة للنساء. فيما تضع الوحدة الاتحادية المعايير والسياسات والقوانين ومعايير التدخلات، باعتبارها آلية تنسيق بين الدولة والمنظمات التي تعمل على العنف المبني على النوع الاجتماعي والأجهزة الحكومية والخدمات الصحية والعدلية والشرطية.

وبالنسبة للمفقودات تقر سليمى بغياب الرصد والمعلومات داخل وحدتها، خصوصاً في ظل تحفط الأسر حول الكشف عن المسألة، مشيرة إلى أنّ أعدادهن تختلف من مكان إلى آخر، لكنها تؤكد أن “هنالك مبادرات ومنظمات لديها رصد”.

وناشدت سليمى الدولة تعزيز آليات الحماية لجعل من الأسر أكثر وعياً ومقاومة للوصمة المجتمعية.

وحول التهمة التي تتردد بانحياز منظومتها، وتعقبها  جنايات الدعم السريع وغض الطرف عن مزاعم استغلال جنسي للفتيات من قبل الجيش، ووجود تقارير عالمية ومحلية تدعم هذا الاتجاه قالت سليمى: “وحدة مكافحة العنف ضد المرأة تتهم قوات الدعم السريع لأنها ارتكبت أكثر من 98% من الانتهاكات”. وتشير محدّثتنا إلى أن استخدام العنف الجنسي كسلاح في هذه الحرب يحدث بطريقة ممنهجة ومرتبة، ويستخدم في إطار التطهير العرقي والتهجير القسري، والإتجار بالفتيات، والاختطاف والزواج والحمل القسري.

وتنبه سليمى إلى ظاهرة أخرى متعلقة بالانتهاكات مشيرةً إلى حالة التفاخر بعرض فديوهات زواج أو اغتصاب، مذكرة في السياق بأنّ بقاء هذه المواد الإعلامية في الفضاء الإسفيري هو أمر مؤذ، بل من أنواع الأسلحة الصعبة التي تطيل أمد الحرب وتكسر المجتمعات.

الحرب الأوسع نطاقاً ضد النساء

وتمضي إسحاق في الترافع عن منهج وأسلوب عملها بالقول إن استخدام العنف الجنسي كوسيلة حربية يترك آثاراً بعيدة المدى، معتبرة أن التقارير التي ترسل إلى الأمم المتحدة وكل الشركاء تتضمن أنواع الانتهاكات ومرتكبيها، بما فيها الانتهاكات الأكثر انتشارا وأعداد حالات الاغتصاب في المناطق المغلقة للدعم السريع، وكيف يتم استخدامها كوسيلة حرب. وتشير في وجهة من التبرير إلى أنّ هذه المناطق لا توجد بها قوات نظيرة أحيانا حتى يتم اتهامها، “كما إن الحرب تتيح أجواء العنف وامتلاك السلاح لأشخاص خارج القوات النظامية أو القوات المتحاربة”.

وتجزم سليمى بأنّ معظم انتهاكات العنف الجنسي المتصل بالنزاع ترتكبها قوات الدعم السريع، هذا أمر متفق عليه من كل الفاعلين الدوليين والإقليميين، بالذات مسألة ارتكابه كسلاح، وأي حوادث أخرى يتم التحقيق فيها حتى يتم التوصل للحقيقة، داعية إلى إنهاء تاريخ الإفلات من العقاب، مذكرة بأنّ الدعم السريع لديه فرصة للإفلات من العقاب لأنه جزء من منهجية الافلات من العقاب.

وفي محاولة لاستخلاص المزيد من البيانات والحجة من لسان سليمى قمنا بإعادة وضع السؤال بصيغة أخرى على طاولتها. قلنا لها إن وحدتها محض هيئة حكومية، ربما لا يعنيها كثيراً أن تكون صادقة في كتابة التقارير بما يدعم النساء، إلا بالقدر الذي ينصف مخدمها فردت بالقول: ليس هناك ما يحول بين المهنية ووحدة مكافحة العنف ضد المرأة، معتبرة أنّ مهنية الوحدة في ظل الحرب أضحت محل تساؤل بينما خطهم ثابت ولم يتغير منذ البداية، “فقط الأجندة السياسية هي التي تغيرت”.

وتبدي سليمى قدراً من الأسى حين تتذكر أنّ معظم النساء الناجيات أوضاعهن صعبة، حتى الغضب والحزن تجاه ما حدث لهم مسألة صعبة هي الأخرى، في ظل وجودهن داخل أسر ممتدة، كما أنّهن أكثر إيلاما بسبب ما سمتها “حمولة التفريغ النفسي”، معتبرة أنّ أغلب أحداث العنف الجنسي تعتبر ممنهجة ومرتبة.

لماذا الصمت؟

لا تخفي خبيرة آليات الاستجابة ومنع العنف المبني على النوع الاجتماعي استغرابها حول “حجم التعاطف الدولي القليل جداً والمتواضع” مع ما يجري في البلاد، رغم بعض الإدانات المبذولة هنا وهناك، عازية الأمر لحضور ما تسميها بالأجندة السياسية، مضيفة بالقول: “لولا وجود أجندة سياسية لكانت الاتهامات واضحة”، مشيرةً إلى أنّ الحرب أغلبها بها أجندة سياسية تغلب على مسألة البعد الإنساني.

وفي اعتقاد سليمى أنّ المبادرات النسوية إذا خرجت عن الإطار السياسي ستكون مبادرات نسوية حقيقية. وتشير إلى أنّ هنالك منسوبين للحقل أنكروا العنف الجنسي المتصل بالنزاع في الحرب تماما، كما تقول، و”قدموا سرديات مخزية ومخجلة في تاريخنا كنساء”.

وفي وجهة مغايرة تقول المسؤولة الحكومية التي تولت إدارة الوحدة في أعقاب تشكيل الحكومة الانتقالية في 2019، إنّ هناك كمية من المبادرات النسوية المشرفة الشجاعة. طالبنا سليمى بتسمية بعض الجهات فقالت: “لن أتحدث عنها ولا أرغب في الكشف عنها الآن، لأنه يمثل خطراً عليها، لكن كلها مبادرات نسوية شابة”، منوهة في الأثناء إلى عمل غرف الطوارئ والمبادرات الشعبية ذات الأثر الكبير، التي تساعد على عودة المجتمع لطبيعته.

ولا تنسى سليمى، التي ظلت في منصبها حتى بعد إعادة تشكيل الحكومة بناءً على اتفاق سلام جوبا، أن تبدي بعض الاستياء مما تسميه ضعف المجتمع المدني الذي -بحسبها- استبان من خلال الحرب الجارية أنّه مسيّس، معربة عن أملها في تشكل مجتمع مدني أقوى ومختلف؛ يهتم بالقضايا والوعي في حقبة ما بعد الحرب.

مناطق صديقة للشكوى

تشير سليمى إلى عدم حصولهم على إحصائيات كاملة بشأن بلاغات الاغتصاب، بالمناطق الآمنة في أم درمان، مؤكدة أنّ الأرقام تختلف من مكان لآخر، منوهة في السياق لإيلاء ثقافة التبليغ قدرها. وتسترسل المسؤولة الحكومية في الوزارة التي تتبع لحصة حركة العدل والمساواة، إحدى فصائل اتفاق جوبا للسلام وأحد أضلاع القوات المشتركة المقاتلة إلى جانب الجيش، قائلة: “تحدثنا مع وزارة التنمية الاجتماعية والتقينا بوزير الداخلية وقمنا بعمل مكاتب لتلقي الشكاوى بوحدة حماية الأسرة والطفل، باعتبارها مناطق أسهل للنساء”.

بالنسبة لشريف فإنّ جريمة الاغتصاب لا تنتهي إلا بتقديم شكوى والتبليغ عنها، لكن الناس لا تلجأ للتبليغ، لكن رسالتهم التوعية ستظل تصاغ على النحو التالي كما تقول: “إذا زادات بلاغات النساء في أي نوع من جرائم العنف المبني على العنف الاجتماعي تنخفض الجرائم، من الأفضل توعية الناس، هنالك جرائم كثيرة ارتكبت ضد النساء غير معروفة، وينظر إليها من مدخل العادات والتقاليد، لكنها جريمة في الأساس، كما إن التبليغ يحتاج إلى دور كبير وتوعية، وصنع مؤسسات الحماية التي تشجع على التبليغ”.

وبحسب سليمى فإن الواقع نفسه ينطبق على مشكلات الأطفال، إذ أنّ الكثير منها يظل ضمن خانة المسكوت عنه.

وتختم محدثتها إفاداتها لـ”أفق جديد” بالقول: الالتزام بحظر العتف الحنسي خطوة كويسة جدا، لكن ماذا عن الدعم السريع الذي ينكر جملة وتفصيلا الجرائم التي يرتكبها، ويقوم بتوثيقها صوت وصورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى