#بلا قناع 

Without is a mask

حاتم أيوب أبوالحسن

عدنا على عجالة الوعد حسب المقال السابق في حديثنا المستمر عن قضايا التأسيس الجديد ما بعد الحرب في السودان ولو بعد مائة عام حسب التأويل لابد أن تختلف وصفة التأسيس عن الطريقة القديمة الباهتة لدولة الحروب والجبايات الاقطاعية المستمرة لما يقارب القرن
بوضعها المركزي المطلق الذي صادر التعبير والفعل لصالحها حتى نظام الحكم فيها ظل مبهما طيلة تلك السنين العجاف.

النظام المركب يطغى على كل المسميات لأنظمة الحكم في العالم هو مطبق في السودان

إن كان النظام المركزي – الاتحادي الولايات الذي اعتمد في عهد النظام البائد الذي يقاتل الآن من أجل عودته للسلطة مجددا بعد أن حكم السودان أكثر من ربع قرن بقبضة بيوت الأشباح أضفى عليه المشروع الحضاري زاد فيه الاستبداد والوحشية والفساد وعذاب السودانيين أكثر من الماضي.

دلع نظام حكمه باسم (الحكم الاتحادي – الولايات) بالشورى المختلط الذي خلط فيها الحابل بالنابل. سلع المجتمع احتكر الاقتصاد ونزع الدين وامتلكه كمحور أساسي لمشروعه المظلم

حيث أقصى الجميع واحتفظ بالسلطة، ثم استعان نظام الإخوان في مستويات حكمه الدنيا بالبسطاء واستغلالهم من أبناء حلفائه في الإدارات الأهلية والطرق الصوفية وكبار التجار في تلك الأقاليم البعيدة التي قسمها على النحو الإثني والقبلي ليتماشى مع المشروع الحضاري الذي سمم الوطن بالتناحر العرقي بدلا أن كان ثقافيا متعاليا بسيطا وتم تحويل وكلاء السلطة المركزية بعناصر الجماعة بلا رحمة.

سطو على السلطة في القرن الماضي واستباحوا كل شيء وجعلوا السودان ساحة شدة ومتاع خاص بالجماعة عبر بناء مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة وإساءة سلطة الحكم، واستمر

إرسال ممثليها لتولي إدارة الكابلات وفرض الضرائب العوائد والاتاوات وجمعها في الخزينة المركزية لأن تتصرف فيه السلطة واعتماد التمكين والفساد دون مراعاة مكان وانسان. المستويات الأخرى للحكم ومعظم تلك الولايات خارج الخطة التنموية للدولة فقط تستخدم الثروات وحشد المكونات للقتال.

زاد من وتيرة الجماعات وبروز تيارات نضالية ومتمردة على الدولة واستمر إشعال الحروب حتى حرب 15/ أبريل الآن هي الأزمة السياسية الطويلة الناتجة عن سوء التأسيس، لذلك فشلت كل المسميات لنظام الحكم أن كان المركزي القومي، الولايات، المحافظات، المحليات، هي ألقاب تمنح فخرية براقة تفتقد وتفتقر لصلاحيات التنفيذ. وهو سبب عدم تطوير الأرض والإنسان في السودان الكبير حتى يستطيع الجميع فيه أن يروا ويحسوا الوطن بمعيار رضا واحد موحد وتعكس روح الدولة بينهم هو المفقودة منذ عقود، فإن النظام الذي اتبع للحكم في السودان طيلة تلك الفترات الطويلة منذ الاستقلال الرمزي هو شبيه بسلطة الجباية الاقطاعية.

وهو المسبب الأساسي للحروب وساهم في تطويرها بتعدد المتمردين على تلك الأنظمة بأسماء التهميش وغياب التنمية كسر فيها مجاديف التطور والوعي وكان هو السبب الأساسي لحالة السودان المخلوط الأزمة الذي شهد سابقة انفصال بذات الأسباب بالإضافة للإتهاض ورفض الثقافات وفرض الدين برواية الحاكم، فإن السيطرة المحكمة في تفاصيل الشعوب وتوجيهها وعدم إتاحة الفرصة والنفي بالآخر وجعله في الدرجة الثانية، بذلك تم ميلاد وخلود الاستبداد المركزي يبدل جلابيبه الأسامي والهياكل دون متغيرات فعلية في الأهداف.

تفاقمت الأزمة السياسية في السودان وأصبحت تتمحور في السلطة من أجل الموارد والاستحواذ دون الاهتمام بسيادة الدولة وشعبها ولا الدساتير التي توضع قسريا دون مشورة أصحاب المصلحة من السودانيين، واستمرار الانفراد بالسلطة والصراع حولها هو ضمن الأسباب الجوهرية للحروب بما فيها الحرب في 15 ابريل المستمرة حتى كتابة هذا المقال.

بعد انتهاء هذه الحرب وان طالت لا يمكن ولا يعقل ولا يسمح الشعب المتعدد المتنوع الممتد بأن تتألف دولة نسخة من الدولة القديمة تحمل في طياتها كل تلك الخرافات والأساطير والبدع

هو ما جعلنا نتحدث عن معاير تأسيس الدولة الجديدة بعد الحرب! حتى لا تتكرر الوصفات ويتوقع أصحاب المصلحة المكبوتين في اللجوء والنزوح وتحت هدير الطائرات التي تقصفهم والمدافع التي تدونهم والكتائب التي تنتهكهم وثرواتهم التي تشفشف والصفقات التي تدار عن مستقبلهم وتطلعاتهم والآمال بأن تنهي الحرب فداء للسلطة ويعود الماضي الأليم

هو المستحيل دون أن يضمن السودانيين ما هي معاير تأسيس الدولة الجديدة بعد أن دمرتها الحركة الإسلامية وقسمت نصفه الآخر في سابقة عقدية أليمة تتنافى مع الدنيا الجديدة

لذلك قضايا التأسيس ونظام الحكم في السودان أهم من الحرب الدائرة التي ستنتهي يوما ما حتيىلا تشتعل مرة أخرى لأن الخاسر الوحيد هو شعب السودان المكلوم لأهميته والضرورة القصوى هي المبادئ في التأسيس. وتكون هي الصيغة التي يرتضيها كل السودانيين لأنها الضامن الأوحد للوطن الواحد الموحد. فإن النظام الفيدرالي الحر والاتحاد بين أجزاء السودان الممتد هي التي تصنع الدولة هو السبيل الأوحد مع اعتماد التنمية الشاملة كأساس للبناء الجديد. فصل السلطات والصلاحيات الدستورية والقانونية واعتماد الصرامة في التنفيذ والخوض في السياسات الخارجية، قضايا الأمن والدفاع الذي يشمل مهام القوات المسلحة المتعددة وبناء عقيدتها وبناء الأجهزة الأمنية والشرطية حتى تتماشى مع الاتحاد الجديد.

وضع المعايير بوضوح لمن هم يعتلون السلطة وعبر الشعب عن قضايا الثروات والموارد، والابتعاد عن التمثيل الرمزي المجازي والتضليل للأشخاص باي مسميات وسيادة المبادئ الدستورية وحكم القانون الذي يكفل المواطنة ويكون المعيار الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات حتى يستطيع السودانيون يوما ما في وطنهم اختيار رئيس الشعب المنتخب

وممثلي فيدراليات الشعب المنتخبة واعضاء الاتحاد الفيدرالي القومي المنتخب ويرتضون بأن تكون هي اعلى السلطات في وطنهم الجديد تكاملا مع السلطات الثلاثة الأخرى، ثم اختيار الآلية الديمقراطية التي تناسب ذلك التمثيل الحر الشفاف من بين أبناء الشعب حينها يرقصون فوق المآسي والجراحات الماضية بتأسيس الوطن وإعلان الميلاد الجديد ويغنون مجددا حرية سلام وعدالة والوحدة خيار الشعب / على صدر المدنية بعدها اختيار أي المسميات والمشاريع

أو الأفكار إذا كانت علمانية ديمقراطية، تنموية مدنية البحر والنهر والصحراء (كما يحلو لهم وباختيارهم). يبقي هو السودان الوطن الواحد الأوحد الحر المستقل في جوهر التأسيس لا ينتمي سوى لشعبه المقدام. سواسية كالمشط أمام القانون وحماية الدستور الذي يرتكز على مبادئ التأسيس هو المرجع الاخير الضامن لذلك التأسيس الجديد وإقامة السلام والعدالة والحرية مهما تمسكت الجماعات أو الأفراد برغبة اختطاف السلطة التي هي ملك للشعب وسيدها، لن ينالوها، ستكذبهم الألفية الجديدة قبل وعي الشعوب.

بلا قناع

ولا كدمول

نعود

(تحياتي)

كاتب ومحلل سياسي

سوداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى