مخيمات النزوح.. حياة بلا خصوصية
كريمة – نجاة إدريس
لم تستطع نهلة (30 عاما)، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية، أن تتأقلم مع البيئة الجديدة التي نزحت إليها بعد نشوب الحرب منتصف أبريل/ نيسان 2023 وقدومها مع آخرين إلى دار إيواء بمحلية الدبة بالولاية الشمالية؛ إذ هي تفتقد بشدة بيتها ذا الطوابق المتعددة الكامن بمنطقة “الحلفايا” بمدينة بحري شمالي العاصمة الخرطوم.
مركز الإيواء هذا رغم وجود الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وموقع جيد بوسط المدينة إلا أنه يفتقر إلى الخصوصية.
الفتاة الشابة؛ التي ترتدي “النقاب” منذ عدة سنوات تظل على حالها هذه بزيها الساتر ذاك الذي يُغطي كامل جسدها منذ الفجر وحتى آخر الليل ما يجعلها في حالة سيئة مُفتقدة للراحة التي تنشدها النساء.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم.”
عدم تأقلم
قالت “نهلة” في حديثها لـ”أفق جديد”، إنها كانت تعيش حالة جيدة فهي من عائلة ميسورة؛ وأسرتها تنعم بمنزل عامر وجميل، إضافة لكونها كانت تمتلك مشغلًا كبيرًا للثياب النسائية يدر عليها أرباحًا مُقدّرة إلا أنهم، وبعد نشوب الحرب بعدة أيام، وقبل مغادرتهم المنزل داهمتهم عناصر مسلحة وملثمة من قوات “الدعم السريع” وأجبرتها على تحويل كامل حسابها ببنك الخرطوم عبر تطبيق “بنكك” لأحد الأشخاص.
وأشارت إلى أنها تركت بعض أموالها ومصوغات ذهبية في المنزل في عُهدة شقيقها، والذهاب مع آخرين من أفراد أسرتها الممتدة إلى الولاية الشمالية، وأن الظروف أجبرتها للمكوث في مدرسة خُصصت لإيواء النازحين .
ونوهت “نهلة” إلى أن شقيقها لم يتمكن من تحويل أي مبالغ لها بعد سرقة هاتفها وتحويل أموالها تحت تهديد السلاح، ما اضطرها للمكوث بالمدرسة مع أقربائها وعدم قدرتها إيجار منزل منفصل.
وأكدت أن الظروف جعلتها لا تتقبل الوضع الراهن بجانب خوفها الشديد على أخيها الذي تركوه بالمنزل مع عناصر “الدعم السريع”، الذي يعيش معهم تحت سقف واحد.
ونبهت إلى أن قلقها على أخيها وعلى ممتلكاتهم؛ وعدم إحساسها بالراحة جعلتها تفقد ثُلثي وزنها منذ خروجها من منزلها عقب نشوب الحرب، إضافة لإصابتها مؤخرا بانهيار عصبي حاد وفقدانها للوعي أكثر من مرة عندما تعذر رجوعها وأسرتها لمنزلهم حيث تم إرجاعهم إلى دار الإيواء بعد قرارهم بالعودة العكسية للمنزل من منتصف الطريق.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ظروف قاسية
على النقيض من حالة “نهلة” كانت حالة “مروة محمد” (45 عاما)، الوافدة من منطقة “أبو آدم” جنوبي الخرطوم. وقالت الفتاة التي تعيش في مدرسة “خولة بنت الأزور” بمدينة كريمة بالولاية الشمالية، إنها ومنذ نحو عام ونصف، تعيش في مركز الإيواء الذي فضّلته على مسقط رأسها في منطقة “البسابير”.
وأشارت مروة في حديثها لـ”أفق جديد”، إلى أنها تعيش وأخريات حياة طيبة كأنهم أسرة واحدة فهن يتقاسمن اللقمة فيما بينهن الأمر الذي جعلها لا تفكر في الخروج من هذه الدور إلى أي مأوى آخر .
وأوضحت أنها لم تفكر في الإيجار أصلا نسبة لظروف زوجها الصحية فهو يُعاني من تراكم “المياه الزرقاء ” في العيون منذ 3 ثلاث سنوات التي أفقدته بصره بصورة نهائية كما أنها أم لـ3 أطفال.
وأكدت أن ظروفها أجبرتها على المكوث بدار الإيواء؛ خاصة وأن الأموال الشحيحة التي ترسل إليهم من بعض أطراف العائلة غير كافية للاحتياجات الأساسية للأسرة ناهيك عن إيجاد مبلغ الإيجار.
أوضاع حرجة
وفي ذات السياق قالت مناسك محمد (24عاما) لـ”أفق جديد”، إن أسرتها تُعاني أوضاعًا حرجة بسبب مرضها وإصابتها بالفشل الكلوي.
وأشارت أنها تغسل مرتين أسبوعيا بمستشفى كريمة التعليمي، وأن أي غسلة يومي (الأحد والأربعاء) تُكلّف أسرتها مبلغ 60 ألف جنيه سوداني هي ثمن الأدوية والمحاليل التي تتناولها أثناء الغسلة الواحدة.
ونبهت إلى أن أسرتها تُعاني مُعاناة مضاعفة بسبب ظروف الحرب التي يعانيها كل السودانيين بسبب غلاء المعيشة في الولايات الآمنة وصعوبة توفير لقمة العيش، إضافة لمعاناتهم الكبيرة لتوفير ثمن الأدوية باهظة الثمن والتي هي فوق احتمالهم.
وأضافت، “بسبب كل تلك الظروف، دار الإيواء أصبحت خيارنا الوحيد.
دعم عيني ومادي
وكشف أحمد السنجك، وهو أحد مسؤولي اللجان الخدمية بمحلية مروي بالولاية الشمالية، عن شروعهم في تسجيل جميع النازحين إلى المدينة، وإدخالهم إلى النظام الخاص بصرف الاستحقاقات المالية والعينية والتي تقدمها المنظمات الإنسانية.
وأشار السنجك في حديثه لـ”أفق جديد”، إلى صرف مبالغ مالية ومواد عينية للنازحين، وفقا للأوراق الثبوتية.
لكن المواطن “محمد أحمد”، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية، انتقد البطء الشديد في إيصال المساعدات إلى النازحين.
وأشار أحمد في حديثه لـ”أفق جديد”، أن أسرته الوافدة إلى الولاية الشمالية من الخرطوم، بعد رحلة نزوح متواترة في عدد من الولايات منذ شهر أغسطس الماضي، لكنها لم تحصل على أي مبالغ مالية.
يقول أستاذ علم النفس، أحمد سالم، إن هناك فئات تتأقلم بسرعة على حياة دور الإيواء، وغالبًا ما يتعايشون مع الوضع الراهن؛ لأنهم يرون أن وضعهم الحالي أفضل من البقاء في العراء تحت لهيب أشعة الشمس.
وأوضح أن بعض النازحين يعيشون أوضاعًا نفسية سيئة ينتج عنها إصابة بالاكتئاب الحاد، وأن التأقلم يختلف من شخص لآخر حسب تكوين الشخصية والحساسية في تقبل الصدمات.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلفّت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 14 مليون نازح ولاجئ، وفقًا للأمم المتحدة.