اتجاهات المسرح السوداني 

السر السيد

 نستطيع القول إن العرض المسرحي السوداني مثل غيره من العروض في البلدان الأخرى له بدايات تطورت بعد ذلك بفعل مجمل شروط ذاتية وموضوعية، ونرى أنه قد حقق بعضاً من قفزاته النوعية بعد العام 1967 تاريخ بداية النهضة المسرحية في السودان وبدايات تأسيسها وتبلورها. فقد عرفت الحركة المسرحية من 1967م وحتى الآن خاصة بعد إنشاء المعهد العالي للموسيقى والمسرح – حاليا كلية الموسيقى والدراما، جامعة السودان – عرفت تيارات ومدارس واتجاهات مسرحية كالمسرح الملحمي ومسرح الشارع ومسرح المقهورين وغيرها من تيارات واتجاهات المسرح. كما عملت على مقاربة الأسئلة التي أفرزتها مسيرة المسرح كأسئلة التجريب وأسئلة التأصيل، فقد أخذت من كل هذه المنابع في سياق تطورها الذي لم يكن على وتيرة واحدة فقد كان بين مد وجزر، لكن حركتنا المسرحية وبرغم كل هذا لم تخل من بروز بعض الاتجاهات والتيارات وإن كانت جنينية ولعل أهمها الاتجاه الذى دعا إلى قيام مسرح سوداني وطرح شعار (مسرح لعموم أهل السودان)، ذلك الشعار الذى أطلقه د. يوسف عيدابي في سبعينيات القرن الماضي، وهنا يقول بروفيسور سعد يوسف في كتابه أوراق في قضايا الدراما السودانية: (جرّب هذا الاتجاه مواضيع مأخوذة من التراث السوداني وحاول استخدام لغة جديدة تختلف عن عامية أمدرمان).

سعى هذا التيار سعياً حثيثاً لتجاوز المعمار الغربي للمسرح وذلك بالاستناد على عناصر الفرجة الشعبية التي تذخر بها ثقافات السودانيين، والمثال الذي يمكن ذكره هنا هو مسرحية (حصان البياحة) التي كتبها د. يوسف عيدابي وأخرجها محمد شريف علي التي أثارت العديد من الاستفهامات في ذلك الوقت، إلا أن مؤشرات كثيرة تقول إن هذا الاتجاه لم يستطع أن يبلور نفسه كاتجاه له مقوماته وإن كان لا يزال يتبدى في بعض العروض، كما في مسرحية (حمدان الغرقان)، التي كتبها وأخرجها عبدالرحمن مهدي قبل سنوات،

أما الاتجاه الثاني الذي بدأت ملامحه تظهر في أكثر من عرض فيتمثل في التجارب التي قدمها المخرج استيفن أوشيلا ضمن جماعة كوتو والمخرج جاستن جون والمخرج جمعة بن، تلك التجارب التي أضافت للعرض المسرحي أساليب جديدة تمثلت في التوظيف الكبير للغة الجسد عن طريق الحركة أو الإيماءة أو الرقص في محاولة للخروج على شكل المسرح الغربي، مما يعني أن هذا الاتجاه قد نسج على منوال شعار مسرح لعموم السودان.

أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه (التجريبي) الذي يمكن اعتباره امتدادا لحركة التجريب في المسرح في العالم ومن ملاحظاتنا حوله إنه لم يكن مشغولا بسؤال ضرورة البحث عن شكل مسرحي سوداني وإنما كان مشغولا بسؤال ضرورة صناعة عرض مسرحي جديد ومختلف ينطلق من الحساسية الجديدة التي باتت تسم العرض المسرحي، متجاوزة للخصوصية المتطرفة، فصناع هذا العرض، وفي مقدمتهم سيد صوصل ونبيل الألفي وربيع يوسف وهدى مأمون والفقيد العزيز ياسر عبداللطيف وغيرهم تقول عروضهم: إن كل ما من شأنه أن يصنع عرضا مسرحيا جيدا، من تقنيات وأساليب يجب النظر إليه من خلال موقعه في العرض المعين لا البحث في من أين أتى.

أما الاتجاه الرابع فهو الاتجاه الذي يراهن في صناعة العرض على صيغة (الارتجال) مما يعني إمكانية اعتباره امتدادا لتيار الكوميديا وتحديدا لمدرسة الأستاذ الفاضل سعيد رائد صيغة الارتجال كطريقة لصناعة العرض، فالفاضل سعيد كما حكى هو وفي أكثر من مناسبة يبني نصه وعرضه عن طريق الارتجال، لا استنادا إلى نص مكتوب سلفا.. من مرتكزات هذا الاتجاه رهانه على الممثل وموضوعات الحياة اليومية وإنه عرض مفتوح يقبل الحذف والإضافة متى ما كان هذا ضروريا وأنه لا ينشغل بمعمارية المسرح.. أشير إلى أن هذا الاتجاه هو الغالب في الحركة المسرحية السودانية ومن رموزه الفاضل سعيد طبعا ومحمد نعيم سعد وعماد الدين إبراهيم وجمال حسن سعيد ومجدي النور.

 أخيرا أقول: إن الحديث عن اتجاهات في المسرح السوداني لا يعدو أن يكون حديثاً عن مبادرات لم تتبلور بعد بالشكل الكافي لتصبح اتجاهات لها مرتكزاتها النظرية الواضحة وتجاربها العملية الوافرة وإنما يأتي فقط من باب الرصد والاكتشاف للتنوع في الحركة المسرحية فيما يتصل برؤى المسرحيين السودانيين لطبيعة العرض والنص وموقعهما في العملية المسرحية وموقعهما من الجمهور، وموقع الجمهور منهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى