كلمة العدد
حكومات بلا شرعية ولا مشروعية
عرفت جمبع نظريات العلوم السياسية الشرعية بمستوييها الداخلي والدولي، بانها مفهوم سياسي يعني القبول أو الرضا العام بحكومة دولة معينة. فتكون الحكومة شرعية داخلياً عندما تحظى برضا شعبها، ودولياً حين تنال اعتراف الدول الأخرى، وبالتالي تمثيل دولتها في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية، وهي بلاشك تختلف إختلافا بائنا عن المشروعية والتي تعني سلامة الموقف القانوني والاجرائي فعندما نصف مؤسسة ما بأنها مشروعة، فهذا يعني أن وضعها القانوني صحيح ومستقر وفق القوانين المعمول بها. وعلى ذلك قس (قرارات وإجراءات سياسية وإدارية مشروعة).
وبتطبيق المفهومين على حكومة بورتسودان او تلك التي تعتزم بعض المكونات السياسية إعلانها استنادا على بندقية الدعم السريع، فالحكم بعدم شرعيتهما لاجدال فيه، فالناظر الى حكومة بورتسودان بلاشك هي معدومة الشرعية، فالشعب السوداني قال كلمتهى فيها يوم 25 أكتوبر 2021 م صبيحة الانقلاب عندما خرج دونما ترتيب او تنسيق بالالاف الى الشوارع رافضا الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه حينها محمد حمدان دقلو، مجردا تلك الحكومة من أي شرعية او مشروعية، وبناء على ذلك اتخذت عددا من المؤسسات الدولية والإقليمية مواقف مساندة لشارع السوداني وجمدت عضوية السودان فيها مثل الاتحاد الافريقي وأخرى جمدت تعاملها مع السودان مثل الاتحاد الأوروبي وغيره من المنظمات ووجد الذين قاموا بالانقلاب انفسهم معزولين دوليا ومحاصرين محليا، وهذا ما دفعهم للبحث عن حلول فدخلوا في حوار مع القوى المدنية التي انقلبوا عليها بدأ باتفاق 21 نوفمبر،وانتهاء بالاتفاق الاطاري ولأن العقل المفكر يعلم ان تلك الخطوات كانت ستعيد الشرعية ولن تمنح الانقلاب شرعية،ادار ظهره لاتفاق 21 نوفمبر مما اضطر د. عبد الله حمدوك الى الاستقالة، واغلق الطريق أمام الاتفاق الإطاري بحرب 15 أبريل، وطفق يبحث عن الشرعية في رماد بندقية ذات مشروعية وهي بندقية القوات المسلحة.
إنقسم الشارع حيال الحرب، الى أربعة فئات فئة ناصرت وهللت وكبرت لشلال الدماء، ومشاهد البؤس والدمار وتصرخ كل صباح هل من مزيد، وفئة جاهرت بموقفها الرافض للحرب، والذي يراها حرب جنونية عبثية ويجب ان تتوقف اليوم قبل الغد وفئة ثالثة رأت في بندقية الطرف الآخر طريقا لتحقيق تطلعاتها، وآثرت الفئة الرابعة الصمت، وعدم المجاهرة برأيها والأخيرة هذه هي الغالبة بحكم التاريخ وتعامل الشعوب مع الملمات السياسية، وإن كانت ميولها بالطبيعة هي مع وقف الحرب لتعود الى حياتها التي الفت.
اذا لم تنال بورتسودان رضا الشارع وبالتالي لم تنال المشروعية التي ترغب، وعدم شرعيتها أثر دونما شك في مشروعية البندقية التي عليها تستند اذ ان الحرب جعلت الموقف القانوني والاجرائي للقوات المسلحة منقوصا، اذ نزعت ولايتها على العديد من مناطق السودان وضعفت في أخرى، ومساندة القوات المسلحة لفئة بلا مشروعية يقدح في أساس التفويض الممنوح لها، وجعل فئات ليست بالقليلة من السودانين ينظرون اليها كعدو،ومن ذلك نخلص الى القول بالصوت العالي ان حكومة بورتسودان بلاشرعية ولامشروعية.
أما الحكومة التي تتحدث مجالس السودانين بالقرب عن إعلانها في الخرطوم او بعبارة اكثر دقة في مناطق سيطرة الدعم السريع وبالتالي تحت حماية بندقيته فهي بلاشك ينطبق عليها ما ينطبق على حكومة بورتسودان من عدم الشرعية ومضاف اليه عدم مشروعية بندقية الدعم السريع، فهي حكومة بلاشرعية مستندة على بندقية بلا مشروعية، وبالتالي ان الخطوة لايمكن النظر اليها في البعد المثالي الذي يراد لنا أن نبتلعه وهو منازعة البرهان الشرعية، فشرعية البرهان لا تتعدى ابدا العلم الذي يرفرف في مقدمة عربته،وسارينا امامه لتفتح له الطريق..
لن تحصد هذه السلطة أي شرعية داخلية، لعدم رضا معظم الشعب السوداني عن ممارسات قوات الدعم السريع فهو ما أن دخل منطقة اللا وارتكب فيها من الانتهاكات مالاتطيقه نفس سوية ولاعقل متزن.
وستغيب عنها الشرعية الدولية،لافتقارها الشرعية الداخلية الأكثر أهمية، فضلاً عن المشروعية، وستنضم حكومة الخرطوم المرتقبة الى رصيفتها في بورتسودان كسلطات أمر واقع، تستغلان الوضع المضطرب، في البلاد وتؤدي ممارساتهما إلى تفاقمه، وتعقيد حلوله.
وبهذا، يمكننا القول أن الازمة وصلت إلى منعطف يفترض أن يبدأ حلها بتفاهم سوداني سوداني ومن ثم دولي على تعرية سلطات الأمر الواقع هذه، وتأكيد افتقادهما لأية شرعية، لتقويض الذريعة التي يمكن أن تستخدمها بعض الدول للتدخل العسكري الذي يهدد باحتلال بلادنا كما حدث لبعض البلدان مثل سوريا،وليبيا في ظل ما ينسرب من حديث بشأن طلب حكومة بورتسودان من بعض البلدان التدخل وبلاشك ان حكومة الخرطوم المرتقبة لن تقف مكتوفة الايدي..