بلا قناع

Without is a mask

التسوية السياسية في السودان تبدو مرتقبة ولا مفر منها، إلا أن الحرب لا تزال في فصولها الأولى، كما أشرنا في المقال السابق.

لا شك أن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لتجنب تفكيك السودان وتعدد السلطات. فالحرب الأهلية، رغم تحضيرها منذ البداية كوسيلة لإعادة الإخوان المسلمين إلى السلطة، فشلت في تحقيق أهدافها الكاملة. هذا الفشل يؤكد سماحة الإنسان السوداني، الذي يرفض الانجرار إلى دوامة الحروب رغم الخطابات المحرضة على العنف والكراهية، التي تُبث يوميًا عبر مسرحيات تسعى لجر السودانيين نحو مستنقع الإثنية والقبلية والانقسام الجغرافي.

ضرورة التسوية السياسية

إذا لم تنجح جهود التسوية السياسية في إيقاف الحرب، فإن السودان سيواجه تحديات أكبر. التحركات السياسية الحالية لتكوين حكومة موازية ليست بعيدة عن التحقق إذا استمر الوضع كما هو عليه. القرارات الإدارية الصادرة من بورتسودان، والتي عزلت مناطق سودانية من نظام الشهادة العامة والعملة الوطنية، بجانب الضربات الجوية التي طالت مجتمعات سودانية عانت تاريخيًا من الموت والتشريد، تعزز حجة الداعين إلى إنشاء سلطة موازية، ولو كانت مؤقتة، لإدارة شؤون البلاد التي تعطلت طيلة العامين الماضيين.

إذا تحقق ذلك، فإن السودان قد يواجه نموذج “السلطتين داخل دولة واحدة”، بدلًا من العمل على وقف شامل لإطلاق النار، ومعالجة الأزمات الإنسانية والسياسية، وبناء دولة موحدة. سيزداد التنازع على الشرعية بين الأطراف المختلفة، مما يفتح الباب أمام حرب جديدة بين حكومتين.

تحديات المشهد السوداني

الوضع الحالي يؤكد غياب السيطرة الكاملة لأي طرف. مجموعات مسلحة وسياسية أخرى، تحمل تاريخًا طويلًا في النضال من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة وسيادة القانون وفصل الدين عن الدولة، لم تشارك في الفصل الأول من الحرب. هذه المجموعات تراقب الأحداث دون اتخاذ خطوات فعلية، متمسكة بمناطق نفوذها، وقد لا تنصاع لأي من السلطتين المتنازعتين.

التسابق نحو السلطة، سواء بالسيطرة أو عبر التأسيس الجديد، لا يبشر بخير للسودان الموحد. جميع المؤشرات تدل على استمرار التوهان الذي ظل يلاحق السودان منذ تأسيس الدولة، ما يجعل هذه المرحلة من أصعب الفترات التي مر بها السودان.

بين الثورة والانقسام

السودان شهد ثورة سلمية رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة، إلا أن الانقلاب عليها قاد إلى حروب متعددة المصالح والأيديولوجيات. هذه الحروب قسمت السودان بشكل لم يسبق له مثيل، وأدت إلى بروز حكومتين على أنقاض الدولة وأشلاء السودانيين.

ما لم يحدث اصطفاف جديد وتبني عقيدة موحدة، فإن السودان لن يتجاوز هذه المرحلة. المطلوب اليوم هو نداء لكل السودانيين الأحرار لإنهاء سطوة الإخوان المسلمين، وفتح المجال لإقامة دولة سودانية موحدة عبر الاتحاد الفيدرالي.

الخاتمة

ما زلنا في انتظار تسوية سياسية تعيد للسودان استقراره ووحدته، بعيدًا عن الانقسامات و الحروب التي أنهكت الجميع.

بلا قناع ودون كدمول

حاتم أيوب أبو الحسن

كاتب ومحلل سياسي سوداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى