كلمة العدد
فلترق كل الدماء
كثيرًا ما طرق هتافهم ذاك آذاننا، في ندوة ما أو لقاء أو حتى مواكب زحفهم الأخضر تلك، لم نعره اهتمامًا، أو نتأمله جيدًا لأننا كنا نظن أنه لا يعنينا في شيء، لأننا لسنا أعداء الدين وقطعًا لسنا أعداء الوطن، فدينهم الإسلام وهو ديننا، ووطننا السودان، وكنا نظنهم أبناءه، غير إن الذي يجري في هذه البلاد منذ أن اندلعت حرب الخامس عشر من أبريل، جعل هذا الهتاف يمشي بيننا واقعًا، فمنسوبو هذا التنظيم لا يهمهم أبدًا الدم السائل ولا الدمار الماثل، كل الذي في ذهنهم الآن كسب الحرب وإعلان الانتصار وإعمال روح الانتقام من خصومهم السياسيين، لا شيء يلهيهم عن ذلك ولا يردعهم فليمت من أبناء هذا الوطن من يمت جوعًا ومرضًا، أو برصاصة طائشة، وليفنى عسكر القوات المسلحة، فهم مجرد أرقام لا أرواح عندهم.
الواضح لكل متابع أن لا نهاية ولا نصر في هذه الحرب متخذين تطورات الـ 48 ساعة الماضية مثالًا، انتصرت القوات المسلحة والقوات المشتركة في منطقة الزرق أقصى الغرب، قتل من قتل وأسر من أسر، إذ لا يحدثك أحد عن الضحايا ولكنهم يغنون للنصر، ولم تمضِ ساعات حتى نقلت الأخبار عن انتصار قوات الدعم السريع في محيط مدينة الفاو في شرق البلاد، وفي المعركة بلا شك قتلى وأسرى وأمهات فقدن الأبناء وزوجات ترملن وأطفال يتموا، ولا عزاء فالهتاف هو “إراقة دم الكل” في سبيل تمكين المشروع.
تتجادل القوى المدنية، ترتفع الأصوات وتخبوا بشأن ما تعتزم الجبهة الثورية إعلانه من حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع وأثره على وحدة البلاد وتماسكها، يناقشون المخاطر ويدفعون بالحجة والمنطق باتجاه إثناء الرفقاء عن اتخاذ الخطوة، ولكن هناك من ينظر إلى الأمر في إطار كم يحقق لهم من نقاط، لا يهم إن أعلنت الجبهة الثورية حكومتها، ولا يهم إن انفصلت البلاد وتمزقت، فهم لم يؤمنوا بالدولة القطرية يومًا، ولا يقدسون غير السلطة، والتسلط، ففي فكرتهم لا مكان لما يعرف بالوطن، فأنشودتهم المحببة “أخي في الهند أو في المغرب أنت مني أنا منك أنتمي”، فالمتأمل في فكر هذه الجماعة المتطرفة الإرهابية يجد لديها مشكلة مع مفهوم «الوطن»، حكمت ثلاثين عامًا بالحديد والنار، كانوا يقتلون المواطنين في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة بالبراميل المتفجرة ويخرجون في المظاهرات احتجاجًا على موت طفل في “الواق الواق” لأنه قتل بيد غير أيدي إخوانهم.
يجوع الناس في شرق السودان، ويموتون بلسعات العقارب في منطقة المناصير وهم يتبرعون بالذهب والمال لإخوتهم في فلسطين والعراق ويمولون حزب عبد الإله بنكيران في المغرب وراشد الغنوشي في تونس ليفوزا بالانتخابات، ويفتحون معسكرات التدريب لعلي محمد محمد الصلابي ويوفرون له السلاح لينازع القذافي في حكم ليبيا.
يبدع قيادات الجماعة الإرهابية هذه في سفك دماء السودانيين تحت شعارات زائفة، ومواقف شائهة، يحشدون البسطاء باسم الدين، وهم كاذبون، والحمقى باسم القبيلة ولا يبالون، والقليل باسم الوطن والوطنية وهم لها منكرون ومتنكرون.
هذه الحرب العبثية لن تتوقف ما لم يوحد السودانيون كلمتهم ويقفون صفًا واحدًا ضد هذه الجماعة ويعرون أفكارها، وأهدافها الخبيثة.. ويكفي 300 ألف مواطن قتلوا في دارفور ومثلهم أو يزيد في حرب جنوب السودان، والآن تتحدث بعض الأوساط أن عدد قتلى حرب أبريل المشؤومة تجاوز المائتي ألف مدني.