الفنان محمد شريف علي

السر السيد

السر السيد
تأتي هذه المقالة احتفالًا ببلوغ فناننا الكبير محمد شريف علي 77 عامًا، حيث ولد في يوم 24 يناير من العام 1948، في حي ودنوباوي في العاصمة الوطنية أمدرمان. احتفل به، لأنه كان وظلّ واحدًا من أميز صنّاع التنوير و”تاريخ الضحك” في السودان، عبر فنون المسرح والدراما ممثلًا ومخرجًا وناقدًا وكاتبًا للمسرح ودراما الراديو والتلفزيون، وذلك منذ العام 1963 عندما كان طالبًا في مدرسة وادي سيدنا الثانوية. بالطبع كانت له تجارب قبل ذلك في تمثيل الاسكتشات ضمن فرقة الكشافة في ودنوباوي التي من طلائعها الفنانيَن الفاضل سعيد وإبراهيم حجازي.
في هذه الفترة وهو لا يزال طالبًا كتب نصًا دراميًا بعنوان: (رسالة إلى شهيد)، متأثرًا بثورة أكتوبر 1964، بثته الإذاعة السودانية، ثم كتب تمثيلية بعنوان: (بين العاطفة والواجب)، تدور أحداثها حول ضابط شرطة يقرر تقديم بلاغ للشرطة عن شقيقه المجرم، ليُعرف بعد ذلك ويكتب فقرات درامية لبرنامج ركن الأسرة في الإذاعة السودانية، ويُتبعه بكتابة ثلاثين فقرة درامية في شكل مسابقة عن الأمثال السودانية. هذا العمر المديد الذي يبدأ من العام 1963 وحتى مسرحية (رئيس نزيه جدًا) في العام 2008، التي من تأليف أشرف بشير وإخراج أبوبكر الشيخ.. وصولًا إلى كتابه المختلف والغني بالمعلومات (مسرح للوطن.. حكايات وذكريات.. من تاريخ المسرح السوداني 1900-1980)، الصادر عن الهيئة العربية للمسرح في العام 2019.
خلال هذه المسيرة الإبداعية الطويلة يصبح محمد شريف موظفًا في المسرح القومي، ويلتحق ضمن الدفعة الأولى في “معهد الموسيقى والمسرح” آنذاك، وتتبلور تجربته كاتبًا وممثلًا ومخرجًا وناقدًا فذًا ومداومًا على صفحات الصحف خاصة في مجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح.
ثمة صعوبة ما في الإحاطة بهذه التجربة العريضة المتنوعة، والمتسمة بالمجايلة الخلّاقة، ولكن لا بأس من التعرض لها بشكل عام، فعلى سبيل المثال فقد شارك فناننا في عدد 38 عرضًا مسرحيًا غير بداياته الأولى ممثلًا ومخرجًا وكاتبًا ومعدًّا ومنفّذًا، وكتب ومثّل في العديد من التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية والمسلسلات التلفزيونية، إضافة إلى المئات من المقالات النقدية، فقد كتب وأخرج للمسرح مسرحيات (الناس العملو قروش، وأحلام المكوجية، والجن الكلكي، وسجين رقم 13، ومرتو صعبة جدًا)، التي هي آخر ما كتب، وكتب مسرحية (انتصار الأبيض) التي أخرجها الأستاذ الريّح عبد القادر، وأعد وأخرج مسرحية (في انتظار البترول)، للكاتب فتح الرحمن الشايقي، وأخرج مسرحية (حصان البياحة) للدكتور يوسف عيدابي، و(كشك ناصية) لحمدنا الله عبدالقادر، و(تحت سقف واحد) للمؤلف حبيب مدثر و(بيت الجماعة “الفجوة”) للمؤلف عادل إبراهيم محمدخير، و(الشهيد) للشاعر شمس الدين حسن خليفة، و(رمِي الصاجات) لبدر الدين هاشم وغيرها. وعمل منفذًا في مسرحيتي (على عينك يا تاجر) للمؤلف بدرالدين هاشم وإخراج الفكي عبدالرحمن، و(ما من بلدنا) للأستاذ الفاضل سعيد، كما شارك في التمثيل في العديد من المسرحيات التي ليست من تأليفه وإخراجه التي تعتبر من عيون المسرح السوداني والعربي، نذكر منها مسرحيات (الزوبعة) للكاتب المصري محمود دياب ومن إعداد كاتبنا الكبير يوسف خليل وإخراج عوض محمد عوض، و(هذا لا يكون وتلك النظرة) للدكتور خالد المبارك والمخرج مكي سنادة، و(حفل سمر من أجل 5 حزيران) للسوري سعدالله ونوس ومن إخراج علي عبد القيوم وغيرها.
أما في التلفزيون فقد كتب تمثيليات (ودارت الأيام، وحصاد الزمن، والورثة، وبيت البكا) وغيرها، وفي الإذاعة لعل أشهر ما كتبه هي سلسلة (يوميات سائق تاكسي).
لا ينضب هذا المعين الوافر، فنجده في التلفزيون، إضافة للعديد من التمثيليات قد شارك ممثلًا في مسلسلات (المال الحب) للمؤلف عمر الحميدي والمخرج فاروق سليمان، و(الدهباية) للمؤلف علي البدوي المبارك ومعالجة درامية تلفزيونية لكاتب الدراما التلفزيونية الرائد عبدالرازق جلال، و(الغول)، لمصطفى أحمد الخليفة والمخرج محمد نعيم سعد وغيرها. ونجده في السينما ممثلًا في أفلام (تاجوج)، و(الرحيل لا)، و(بركة الشيخ)، و(البؤساء).
يضاف لكل هذا العطاء ما قدمه ضمن التجربة المسرحية في جامعة الأحفاد للبنات التي يعد هو من أهم مؤسسيها على صعيدي التدريس والكتابة، جاعلًا من المسرح شريكًا أصيلًا في العمل على تمكين حقوق النساء وكل ما يتصل بالتنمية المجتمعية بمفهومها الشامل.
يتوفر محمد شريف علي على حساسية عالية في التعامل مع ما يمكن تسميته بـ(المزاج الجماهيري العام)، فهو سيد في المؤانسة والنهل من قاموس الحياة اليومية، ولعل هذا ما جعل أعماله تجد كل هذا القبول، ويكفي أن نشير هنا إلى سلسلة (يوميات سائق تاكسي) التي ظلت حاضرة لأكثر من عشرين عامًا مع كل رمضان، فتحية لمخرجتها الممثلة القديرة زكية محمد عبدالله وللممثلين فيها.
هذا الالتحام بالمزاج الجماهيري وأسئلة المواطن الحرجة جعل أعماله تمثل شهادة ناصعة للتحولات الاجتماعية، كما في مسرحية (الناس العملو قروش) التي تشير إلى تراجع قيمة المُعلم وموقعه وصعود الطبقات الطفيلية وتسيّدها للمشهد خاصة في فترة الثمانينيات، أو في تمثيلية (ودارت الأيام) التي تصور كيف أن المال وإن كان حرامًا يستطيع أن يهزم الحب وأن يدمر أسرةً في إشارة إلى تحولات باهظة الثمن في قيم المجتمع.
لا يفوتني أن أشير إلى ريادة محمد شريف علي في البحث عن اجتراح جديد للعرض المسرحي يتوسل الموروث السوداني بتنوعه علي مستويات الفُرْجات الشعبية واللغة، وذلك عندما أخرج مسرحية (حصان البياحة) بطريقة لم تكن مألوفة في ذلك في ذلك الوقت، معبرًا على طريقته عن أسلوب التأليف الذي لم يكن مألوفًا كذلك. وبسبب هذا الاجتراح المغامر أثار العرض كل تلك الضجة. ولا يفوتني أن أذكر هنا أن المسرحية كانت بمثابة ميلاد الممثل القدير عيسى تيراب والممثلة القديرة فايزة عمسيب. كذلك لا يفوتني أن أشير إلى تأسيسه، (مسرح أمبدة الأهلي)، الذي شهد عروضًا كثيرة ووسع من الدائرة الجغرافية لدُور العرض المسرحية، وهو فعل لم يسبقه عليه إلا الرائد المسرحي صاحب الوعي المغاير الأستاذ ميسرة السراج، عندما أسس دارًا للمسرح في حي العرضة بأمدرمان.
إشارة هنا مكانها:
هذه المقالة استندت كثيرًا على كتابي الموسوم بـ(محمد شريف علي أو بلاغة الضحك)، الصادر عن المسرح الوطني – مسرح البقعة في مارس 2010.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى