“أمدرمان تُحتضر”


وسيلة حسين
تتعرض مدينة أمدرمان، منذ أكثر من أسبوعين لنكبات مأساوية متتالية، من انقطاع تام لخدمات الكهرباء والمياه ومعاناة المواطنين جراء ذلك، إلى تواصل القصف المدفعي الرهيب الذي طال حتى المستشفيات والمدارس وتجمعات المدنيين، وأودى بحياة الكثيرين، إلى الحريق الهائل في سوق صابرين، ومن ثم تلبد سماء المدينة بدخان سام كثيف نتيجة إحراق مصفاة الجيلي للبترول شمال شرق المدينة.
عودة إلى زمن البداوة
طوال عشرة أيام من انقطاع التيار الكهربائي وخدمات المياه عن الحي، تمضي المواطنة وسيمة الهادي، وتسكن في منطقة كرري، مع جاراتها لجلب المياه على رؤوسن من النيل، حيث يسكنّ على بعد أمتار منه، وتبقى بعضهن لغسل الملابس ونشرها على الضفة. تخبر “أفق جديد” أن معاناتهن تضاعفت، جراء ندرة الخبز وتعطل “الطواحين” وجميع الخدمات في المدينة. “عاد بنا الزمن بعيدًا للوراء. نوقد في الليل “حبوبة ونسيني” لإضاءة غرفة واحدة” تقول لنا ومن ثم تضيف: “تعطلت التكايا في الحي ويجلب الناس المياه بالحمير والتكاتك وعلى الرؤوس، ومع ذلك لا نسلم من التدوين”.
وأدى استهداف سد مروي بطائرات مسيرة إلى انقطاع الإمداد الكهربائي عن محطة “المرخيات” التحويلية، وانقطعت، بالتالي، خدمات المياه في معظم أحياء أمدرمان، التي تحولت إلى ملجأ لكثير من النازحين من أحياء مدينة بحري وشرق الجزيرة، ويقدر سكانها بعد الحرب بنحو 4 ملايين مواطن، ازدادت معاناتهم بسبب خروج محطة مياه المنارة عن الخدمة، ومحدودية وسائل نقل وتوزيع المياه، وتخييم الجوع بعد توقف المخابز، واستطالة طوابير الخبز وسط تردٍ فادح للأوضاع الاقتصادية، وتوقف العمليات الجراحية في مستشفى النو، أكبر المرافق الصحية بالمدينة، علاوة على انهيار الأوضاع الأمنية وتوالي القصف المدفعي.
عاد التيار الكهربائي بعد 10 أيام قضتها المدينة في ظلام دامس واحتضار كامل للحياة، لكن كهرباء السودان قالت (الجمعة) إن مسيرة استهدفت محطة المرخيات أدت إلى اشتعال النيران في المحول.
وتخبر الهادي أنهم فقدوا جارًا وابنته بعد إصابتهم بقذيفة هدمت المنزل وأصابت آخرين.

قصف عشوائي
قالت غرفة طوارئ أمبدة إن 120 مدنيًا سقطوا جراء قصف عشوائي على منطقة دار السلام دون أن تحدد الجهة الفاعلة، بينما حددت “محامو الطوارئ” مقتل 15 مدنيًا في هجوم على عربة تنقل الحليب، وكشفت، في بيان، عن شح كبير في الإمدادات الطبية والاسعافات الأولية.
ويتسبب اشتداد القصف العشوائي المتواصل، بصعوبة بالغة في تأمين الضرورات اليومية ويصيب الحياة في المدينة بشلل تام، حيث يلجأ السكان للاختباء تحت البنايات الأسمنتية والبحث عن ملاذات آمنة.
وتشهد منطقة كرري تدوينًا متبادلًا من طرفي الحرب، ويحصي شهود عيان في الثورات وكرري، تحدثوا لـ”أفق جديد”، نحو 20 قذيفة صاروخية في اليوم الواحد.


دخان وحرائق
غطت سماء المدينة، الخميس، سحابة دخانية سوداء هائلة، نتيجة للحرائق التي اندلعت في مصفاة الخرطوم للبترول في منطقة قري، التي تشهد معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، واتهامات متبادلة بتدمير وحرق المصفاة.
وأكدت تنسيقية لجان مقاومة كرري، أن الأدخنة الناتجة عن المعارك انتشرت بشكل كثيف في سماء أمدرمان والخرطوم بحري، وسط مخاوف بحدوث هلع وأضرار بين السكان.
وحذّر مختصون صحيون من أن الأدخنة محملة بغازات سامة ومواد بترولية ضارة ومتطايرة، تتسبب في ضيق التنفس ومشكلات صحية لمن يعانون أزمات في الجهاز التنفسي والجلد.
“لم تنقض مشكلة المياه، وفرحتنا بعودة الكهرباء حتى تفاجأنا بسحابة مرعبة سوداء تغطي السماء”. تعاود الهادي بالقول لـ”أفق جديد” ومن ثم تضيف: “أصاب ضيق التنفس طفلتي الصغيرة لساعات، لكنها الآن بخير”.
إلى ذلك شب حريق في سوق صابرين، الذي يعد السوق الرئيسي بمدينة أمدرمان، ومقصدًا للمواطنين منذ بداية الحرب، وتمكن رجال الأطفاء من إخماد النيران في 3 محال تجارية اندلع فيها الحريق الناجم عن التماس كهربائي، دون خسائر في الأرواح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى