الخرطوم.. تعديل مسار ومسرح الحرب!

وائل محجوب

وائل محجوب
• نجحت القوات المسلحة أخيرًا في بسط سيطرتها الميدانية في العاصمة الخرطوم، بعدما أحدثت اختراقًا نجحت من خلاله عبر عملية زحف عسكري في ربط جيشي أمدرمان والكدرو ببعضهما، والتقدم معا للالتحام مع قواتها المرابطة في سلاح الإشارة، ومن ثم التقدم تجاه القيادة العامة واستعادة قياداتها العليا، التي ظلت تحت الحصار منذ اندلاع الحرب، وهو نصر عسكري ومعنوي هو الأكبر منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م.
• ويمكن القول إن هذه العمليات النوعية تعني إنهاء سيطرة الدعم السريع على ولاية الخرطوم، وعزل قواتها المتبقية في شرق النيل وبعض مناطق الخرطوم عن بعضها البعض، وهي تستعد لاستكمال السيطرة من خلال قوات درع السودان المتقدمة تجاه شرق النيل، وعبر إسناد قوات المدرعات للسيطرة على مخارج الخرطوم ممثلة في طريق النيل الأبيض ومنطقة جبل أوليا التي تمثل مخرجًا عبر جسرها الواصل بأمدرمان وتأمينها، لقطع الطريق أمام أي محاولات للخروج عبرها لأفراد الدعم السريع، أو أي محاولات للدفع بقوات جديدة للخرطوم، مع تقدم قواتها في أمدرمان لتأمين الجهات المقابلة لها.
• وكان واضحًا منذ استرداد جبل مويه وسنجة والجزيرة، أن معركة فاصلة ستدور في الخرطوم، بما تمثله كعاصمة للبلاد من ثقل معنوي ورمزية كبيرة، وباعتبارها معقل قيادة القوات المسلحة التاريخي، وكافة القوات النظامية، ولتحويل مسار الحرب بشكل استراتيجي بتحرير وسط وشمال السودان وتأمين الشرق، توطئة لنقل المعارك إلى مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور، وهي معارك ستستهدف كسر العظم والمحاصرة التامة وقطع خطوط الإمداد، حيث ستشهد تصعيدًا سيكون الأعنف خلال الفترة القادمة.
• وبالنسبة للدعم السريع، لم يعد ثمة مناص من سحب قواته المتبقية في بعض مناطق الجزيرة والخرطوم نحو دارفور، واعتبار الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور هي هدفه الرئيسي، وذلك لإحكام السيطرة على كامل إقليم دارفور بولاياته الخمس، ومن ثم يتسنى له إعلان حكومته الموازية، وامتلاك كروت تفاوضية سياسية مستقبلية.
• وما ينتظر قوات الدعم السريع هي مواجهات ضخمة، بواسطة الجيش والقوات المشتركة، وستشهد دارفور عملية تصعيد مختلفة، يتم خلالها الدفع بالمزيد من المليشيات القبلية المناوئة للدعم السريع، التي تم إعداد مجموعات منها وفق ما تسرب للإعلام أكثر من مرة.
• بيد أن الهزائم والتراجع العسكري على مستوى الميدان ليس وحده ما يواجه الدعم السريع، فقد اصطدم مشروع تشكيل الحكومة الموازية مع داعمي الفكرة في الجبهة الثورية وشخصيات سياسية بعقبات كبيرة، على رأسها موقف القوى السياسية الأساسية في تحالف “تقدم” مثل أحزاب الأمة والبعث العربي، الحركة الشعبية التيار الديمقراطي، والمؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي، علاوة على مواقف بعض القوى المدنية المعلنة مثل نقابة الصحفيين وغيرها من الكيانات، التي أصدرت بيانات أعلنت فيها رفضها لفكرة تشكيل الحكومة، واعتبرتها مهددًا لوحدة البلاد، مما يضعف الفكرة ويحيلها في نهاية المطاف إذا تم تبنيها، لحكومة بتمثيل من اقليم واحد، وهو ما يهزم الهدف الأساسي لها.
• الحرب لم تنتهِ، ولكنها ستتخذ مسارات أعنف وأخطر، بما ستحمله من اصطفاف جهوي وقبلي، واستقطاب سياسي حاد تقوم به مجموعات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية المساندة للجيش، وكلها مخاطر تهدد وحدة البلاد، لا سيما مع تنامي دعوات قبلية وعنصرية تهدف للترويج لتفكيك البلاد، وفصل أجزائها عن بعضها البعض.
• إنّ حماية وحدة البلاد في ظل هذه المهددات، تحتاج لجهود جبارة ولخطاب سياسي وإعلامي مفقود حاليًا، يعيد الحياة لقيم أساسية، كادت الحرب بلغتها وتصعيدها أن تطمرها، وعلى رأسها الدفاع عن قيم العدالة وحماية حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق المواطنة، والتمسك الصارم بوحدة البلاد وسلامة أراضيها ومواجهة كل ما يتهددها، والرفض القاطع للانتهاكات وجرائم الحرب، وهو الخطاب المطلوب والقادر على إعادة ترميم واستعادة القومية، ويرسم طريقًا مغايرًا لطريق الحرب والدمار في تجميع إرادة أهل السودان، لحماية بلادهم من مخاطر التفكيك والتجزئة.

Exit mobile version