معادلات الحرب.. ومتغيراتها السياسية!

وائل محجوب
وائل محجوب
  • الحرب هي أكبر متغير سياسي يمكن أن يحدث للأمم ويعيد تشكيل معادلاتها السياسية الداخلية والخارجية، وهي بطبيعتها تمثل مدخلًا للهيمنة على إرادة الشعوب وتوجيهها، تحت لافتة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وخلال هذه المعركة يتم بناء واقع سياسي واقتصادي واجتماعي جديد، يقوم أول ما يقوم على تقويض ومصادرة الحريات العامة، وقمع الرأي الآخر، وتصنيف المخالفين ورميهم بتهم العمالة والتواطؤ مع العدو، والعمل ضد مصالح الأمة، ومحاصرة ومحاكمة الخصوم شعبيًا وجماهيريًا، من خلال السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام والصحافة، وتوجيهها بشكل منهجي.
  • تكفي نظرة أو مطالعة للتاريخ وتأمل ما تفعله الحرب في أعتى الدول الديمقراطية، لقد استطاع جورج بوش الابن مثلًا بعد الهجوم على برجي التجارة العالمية في سبتمبر ٢٠٠١م، وإعلان الحرب على الإرهاب وشن الحرب على العراق وأفغانستان تحويل دولة مثل أمريكا ظلت تروج لكونها معقل الحريات في العالم، إلى دولة بوليسية بالكامل.
  • وما حدث في أمريكا ليس استثناء، إنما هو الواقع الذي تصنعه الحرب في كل مكان، ما بالك ببلد مثل السودان، بكل تعقيداته القبلية والإثنية والجيوسياسية، ومع مستوى التوحش والهمجية الذي عكسته الحرب، لذلك فإن من يقولون إن الهدف من الحرب هو قطع الطريق على الثورة، يعوزهم الفهم الكامل للصورة، لقد تم قطع الطريق فعليًا بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م على الثورة، وتم إلغاء كافة القرارات الصادرة بحق النظام البائد، أفرادًا ومؤسسات ومنظمات.
  • هذه الحرب مقصدها أكبر من ذلك، وهدفها النهائي هو التصفية الشاملة للثورة ماديًا ومعنويًا، والهيمنة الكاملة على البلاد انفرادًا، وضرب أي قوة قد تشكل خطرًا على هذه الهيمنة سواء أكانت عسكرية أو مدنية، وهذا هو الهدف الحقيقي لقادة الجيش والدعم السريع والمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية من الحرب، والقوى المساندة لكل منهم، وهذه الوحشية والإفراط في قتل المدنيين، هو الواقع الذي في ظله يعاد ترسيم حدود وأفق الدولة القادمة من وراء برك الدم هذي، وتحت غبار نقعها يتم تصفية كل من يشكل خطرًا على أصحاب المشاريع هؤلاء.
  • هذه الحرب أراد كل طرف من أطرافها الرئيسية تحقيق أهداف تخصه، وهم بأكملهم ومجتمعين من قبل قطعوا الطريق على الثورة، ومكنوا الثورة المضادة بغض النظر عن مواقعهم:

– قادة اللجنة الأمنية، الاستئثار بالحكم بشكل كامل ومطلق، وطرد أقوى مجموعة عسكرية تنازعهم السلطة وتتضارب مصالحها معهم، وهي الدعم السريع، وعدم المحاسبة على كافة الجرائم بحق المدنيين مثل فض الاعتصام وقتل المتظاهرين عقب انقلاب أكتوبر.

– قيادة الدعم السريع، سعت للاستئثار أيضًا بالسلطة، حتى تحتفظ بجيشها محصنًا، وبعيدًا عن أي محاولة إدماج أو تفكيك، والحفاظ على المصالح الاقتصادية الضخمة، والإفلات من أي محاسبة على الجرائم، لذلك كانت صيغة الاتفاق الإطاري مناسبة لهم، حيث ستكون الجهة المسؤولة هي السلطة المدنية ممثلة في مجلس الوزراء أسوة بالقوات المسلحة، كما كان سيضمن لهم الإفلات من العقاب.

– المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية، إنهاء الثورة وإعادة تقديم أنفسهم عبرها كحماة للوطن، وتكريس الإفلات من العقاب على جرائم ٣٠ عامًا من حكمهم، وإعادة التموضع داخل السلطة السياسية المستقبلية، بعد ما نجح انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م في إعادة كل المفصولين للخدمتين العسكرية والمدنية، وفك تجميد الأموال والمؤسسات والممتلكات المصادرة عنهم.

– الحركات المسلحة، توسيع نصيبها في مقاعد الحكم، وتثبيت مكاسب اتفاق جوبا، والتحول عبر الحرب لقوة ضاربة، لا يمكن تجاوزها في أي تشكيلات مستقبلية للسلطة.

– بالإضافة للعناصر الأساسية للحرب، هناك قوى سياسية واجتماعية ساندت الثورة المضادة، ومهدت لها طريق الانقلاب من بقايا النظام البائد والمنتفعين منه، وهي تصطف الآن دعمًا للحرب وتتحرك لتشكيل ما بعدها، وهي رصيد لعسكرة الدولة.

  • هذه هي الدوافع التي تقف خلف أطراف الملعب العسكري وحلفائهم، وبهذه الخلفية يمكن فهم التصريحات المنتشرة من القيادات العسكرية حول تعديل أو إلغاء الوثيقة الدستورية، وتعيين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية، والضغوط المتصاعدة لفرض تيارات بعينها في الحكم، وقد بدأت كل هذه التحركات السياسية المحمومة، بعدما تغيرت موازين القوى العسكرية لصالح القوات المسلحة وحلفائها، بعد الانتصارات الأخيرة في سنجة والجزيرة والخرطوم، لتشكيل واقع ما بعد الحرب، رغم أن الحرب لم تنته بعد.
  • سيبدأ الفرز بين هذه القوى في مرحلة تقاسم الغنائم هذي، وبالنظر لما ترتب عن الحرب نفسها والقدرات العسكرية لكل طرف، فإنها ستكون معركة كبيرة ربما تنتهي هي نفسها بصدام بين أطرافها في مرحلة صراع وفرض الإرادة، وكلها ستستميت لتحقيق أهدافها. 
  • لقد أعادت الحرب بكل أهوالها تشكيل الواقع السياسي، وأي محاولة لاستدعاء إرث الثورة في هذا الواقع المعقد، دون اعتراف أولي بأن القوى المدنية قد خسرت معركة الحكم المدني لصالح عسكرة الدولة ولكنها لم تخسر الحرب، وأن الثورة المضادة قد انتصرت في هذه الجولة، وأن هناك جولات قادمة تستلزم وعيًا وتوحدًا، لن يقود إلا للإضرار بالقوى المدنية.
  • قراءة الواقع وتحليله، والعودة لمنصة التأسيس لكافة قوى الثورة وتقييم كل الأخطاء التي قادت لكل ما حدث، واجتراح طريق جديد لمواجهة واقع ما بعد الحرب، هو السبيل الوحيد أمام مختلف القوى المدنية، ولن يتحقق الإ وفق حقائق الواقع، ولا يبنى الإ على إرادة سياسية حقيقية، تنهي حالة الشلل السياسي الراهنة، وتنقل هذه القوى من مواقع الدفاع للهجوم.

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى