ملايين السودانيين بين حلم العودة والتحديات الخطيرة في ظل استمرار الحرب
عمر سيد أحمد
يشهد السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى دمار واسع النطاق، وانهيار الاقتصاد، ونزوح ملايين الأشخاص داخل البلاد وخارجها. ومع استعادة الجيش السيطرة على بعض المناطق، بدأت دعوات مكثفة لعودة النازحين واللاجئين، لكن استمرار الصراع وغياب الحلول السياسية يجعل هذه العودة محفوفة بالمخاطر.
العودة في ظل انعدام الأمن والاستقرار
مع ما يُبث في الإعلام عن تحرير الجيش لمدن ومواقع كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بما فيها مدن العاصمة، تعالت الدعوات لعودة النازحين واللاجئين في الخارج. إلا أن غياب الأمن والاستقرار يجعل العودة مغامرة قد تهدد حياتهم، مما يستدعي ضرورة تقييم التحديات الأمنية، الاقتصادية، والصحية التي قد تواجه العائدين.
الصعوبات الاقتصادية: انهيار الاقتصاد وانعدام فرص العمل
تواجه العودة صعوبات اقتصادية كبيرة، خاصة في العاصمة الخرطوم، حيث فقد نحو 70% من الموظفين والعمال وظائفهم خلال السنة الأولى من الحرب. كما توقف أكثر من 400 مصنع عن الإنتاج بسبب الدمار والنهب وانقطاع سلاسل الإمداد. وبحسب إحصاءات تجمع الحرفيين والعمال السودانيين، تعطلت 70% من الوحدات الإنتاجية في القطاع الصناعي، وتوقفت أكثر من 270 مجمعًا للورش و3200 ورشة حرفية عن العمل.
كما يعاني القطاع الخاص من انهيار شبه كامل، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 90% من الشركات توقفت عن العمل، مما يعني عدم توفر فرص العمل للعائدين. إضافة إلى ذلك، يواجه العائدون ارتفاعًا حادًا في أسعار السلع الأساسية نتيجة تدمير سلاسل الإمداد، مما يجعل تأمين الغذاء والاحتياجات اليومية بالغ الصعوبة. ووفقًا للتنسيقية المهنية والنقابية السودانية، فقد نحو 3 ملايين سوداني وظائفهم، وانقطعت أجور ملايين العمال منذ اندلاع الحرب، مما أثّر على نحو 20 مليون شخص من أفراد أسرهم.
المخاطر والتحديات الأمنية: استمرار العنف والفوضى
تظل الأوضاع الأمنية أحد أكبر العوائق أمام عودة النازحين، حيث لا تزال المعارك مستمرة في عدة مناطق، مما يجعلها غير آمنة للسكان العائدين. كما أدى انتشار الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية إلى تصاعد جرائم القتل، والنهب، والاعتداءات.
بالإضافة إلى ذلك، تمثل الألغام الأرضية والمخلفات الحربية خطرًا مباشرًا على حياة المدنيين. كما يواجه العائدون اتهامات بالتعاون مع أطراف النزاع، مما يجعلهم عرضة للاعتقال التعسفي، والاستجوابات العنيفة، وحتى التصفية الميدانية.
ويواجه المدنيون اتهامات بالتعاون مع أطراف النزاع، مما يجعلهم عرضة لممارسات انتقامية تشمل الاحتجاز التعسفي، والاستجوابات العنيفة، وحتى التصفية الميدانية، مما يزيد من المخاطر الأمنية على العائدين. ومع استمرار مليشيات إسلامية في السيطرة على الأجهزة ، تتصاعد المخاوف من تعرض العائدين للاعتقال أو الانتقام بناءً على شبهات غير مؤكدة بالتعاون مع قوات الدعم السريع كما نشرت بعض حالات التصفيات خارج القانون. وفي المقابل، فإن المدنيين في المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع يتعرضون لاتهامات بالتخابر مع الجيش، حيث وثّقت تقارير عدة حالات استجواب عنيف وعمليات تصفية بلا محاكمة، وبعضها تم تصويره ونشره.
ومن بين المخاطر الأمنية الأخرى:
* الاستغلال والإتجار بالبشر
* العنف الجنسي ضد النساء والفتيات
* التمييز المجتمعي ضد العائدين باعتبارهم منافسين على الموارد الشحيحة
التحديات الصحية والبيئية: مخاطر الأوبئة والمجاعة
فاقمت الحرب الأوضاع الصحية والبيئية، حيث انتشرت الأمراض المعدية مثل الملاريا، الكوليرا، والتيفوئيد نتيجة نقص المياه النظيفة والصرف الصحي. كما تزايدت حالات سوء التغذية بسبب نقص الغذاء وارتفاع أسعاره، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل.
تعاني البلاد أيضًا من نقص حاد في الأدوية والخدمات الطبية نتيجة تدمير ونهب المستودعات الطبية، مما أدى إلى انهيار النظام الصحي في معظم المناطق.
بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الجثث المتحللة المنتشرة في الشوارع خطرًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا، حيث تؤدي إلى:
* تلوث المياه والتربة وزيادة خطر الإصابة بالكوليرا والتيفوئيد
* انتشار العدوى البكتيرية والفيروسية بسبب التعرض للجثث المتحللة
* تكاثر الحشرات الناقلة للأمراض مثل الملاريا، حمى الضنك، واللشمانيا
* انتشار القوارض التي تتغذى على الجثث مما يزيد من خطر الطاعون وأمراض أخرى
* تهديد الكلاب الضالة والجائعة للسكان بسبب تغذيها على الجثث، مما يزيد خطر السعار (داء الكلب)
* أزمات نفسية حادة بين السكان نتيجة رؤية الجثث المتحللة والروائح الكريهة
ما الذي يجب فعله لضمان عودة آمنة؟
لضمان عودة آمنة للنازحين واللاجئين، لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة تشمل:
- تحقيق وقف إطلاق النار وتحسين الأوضاع الأمنية
* تفكيك الميليشيات المسلحة
* إزالة الألغام
* نشر قوات لحفظ السلام لحماية المدنيين
- إعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية
* ترميم المستشفيات والمدارس والمرافق الحيوية
* تأمين مياه الشرب النظيفة والكهرباء
- تعزيز جهود الإغاثة الإنسانية
* توفير الغذاء، الدواء، والمأوى للنازحين والعائدين
* مكافحة الأوبئة والتأكد من توفر الأدوية والخدمات الطبية
- ضمان الحماية القانونية للعائدين
* منع أي انتهاكات ضدهم
* تسهيل حصولهم على وثائقهم الرسمية وحقوقهم الأساسية
- وقف التدخلات الخارجية
* منع تزويد أطراف الصراع بالسلاح والتمويل
* ممارسة ضغوط دولية لإنهاء الحرب
خاتمة
في ظل الأوضاع الراهنة، لا تزال عودة النازحين واللاجئين إلى السودان محفوفة بالمخاطر. وحتى يتحقق الاستقرار، يجب أن تظل الأولوية توفير الظروف الآمنة والملائمة قبل التفكير في أي عودة جماعية. وإلى حين تحقيق ذلك، تبقى مسؤولية المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية تقديم الدعم اللازم للمتضررين، والعمل على إيجاد حلول مستدامة لضمان عودة آمنة وكريمة تسهم في إعادة بناء السودان على أسس أكثر استقرارًا وعدالة.