مستقبل المجتمعات السودانية في ظل الحرب وغياب المشروع الشامل

 

حاتم أيوب أبو الحسن
حاتم أيوب أبو الحس
بلا قناع

يبدو المستقبل غامضًا ومليئًا بالتحديات في ظل تعدد السلطات الناتج عن الحرب الطويلة التي مزّقت وجدان السودانيين وأشعلت بينهم الكراهية والعنف. إن تنوع الأفكار والعقائد المسيطرة على المجتمعات السودانية، سواء في مناطق مثل البركل، كاودا، جبل مرة، جبال تلاشي، أو جبال توتيل، يعكس اختلافات عميقة أدت إلى تباعد الرؤى وغياب التفاهم بين المكونات، نتيجة لعدم وجود مشروع سياسي شامل يتيح لقاءً حقيقيًا بين المجتمعات.

ورغم هذا الواقع القاسي، فقد شهد التاريخ لحظات نادرة من التقاء السودانيين حول تطلعات مشتركة، كما حدث خلال انتفاضة سبتمبر 2013 وثورة ديسمبر 2018، حيث رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة، ما منح بارقة أمل في إمكانية بناء مشروع سياسي شامل يعيد تشكيل الدولة السودانية. إلا أن الحرب التي اندلعت مجددًا واستمرت لتحقيق مصالح سياسية ضيقة، قادتها قوى مثل الحركة الإسلامية وحلفاؤها، زادت من حدة الانقسامات وأشعلت خطاب الكراهية والتفرقة.

ضمن استراتيجيتها، اعتمدت هذه القوى خطابًا يستهدف تفكيك المجتمعات واستغلالها كأدوات في الصراع، مع العمل في الوقت ذاته ضد القوى المدنية التي تسعى إلى توحيد السودانيين وإنتاج مشروع سياسي جامع. هذه القوى المدنية، التي قادت الثورة من أجل التغيير، تعرضت لمحاولات إضعاف مستمرة بهدف إعادة إنتاج السيطرة على السودان بما يخدم مصالح النظام القديم، متجاهلين تطلعات السودانيين نحو وطن موحد يرفض الانقسامات والصراعات.

إن الأزمات الحالية تشير إلى وجود خطط سياسية ممنهجة تهدف إلى تشتيت أي مشروع سياسي قبل أن يتبلور، مما يهدد مستقبل البلاد ويدفعها نحو المجهول. ويجري ذلك عبر استغلال البسطاء في الولايات الخاضعة للسيطرة وتحريكهم ضد القوى المدنية التي تنادي بالحلول السلمية. في المقابل، تستمر الحرب بعنف لا يخدم سوى القوى الطامعة بالسلطة، ما يفاقم الجراح التاريخية ويعطل بناء الدولة الموحدة والمشروع الوطني الشامل.

في ظل هذا الوضع، فإن أي حديث عن تفاوض حاليًا، دون وجود مشروع واضح لتأسيس وجدان مجتمعي مشترك قائم على شعارات الحرية والسلام والعدالة، يبدو مجرد تكتيك سياسي لا يحمل بعدًا استراتيجيًا. فالقوى المرتبطة بالنظام السابق تسعى للعودة إلى السلطة دون الالتزام بأي مشروع وطني حقيقي لبناء الدولة والحفاظ على المجتمع بتنوعه. وكما أثبتت التجارب السابقة، فإن التسويات السياسية القائمة على تقاسم النفوذ لم تحقق سوى مزيد من التقسيم وإنتاج الحروب وترسيخ ثقافة الصراع من أجل المكاسب السياسية، مع إهمال جذور الأزمة السياسية الحقيقية.

لذلك، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات السودانية اليوم هو التوصل إلى مشروع سياسي شامل مشترك، ينقذ السودان من مستقبله المجهول، بعيدًا عن التكتيكات السياسية المغلفة بالعنف الممنهج وتصفية الخصوم. إن استمرار غياب المشروع السياسي القادر على تأسيس وطن جامع يشكل التهديد الأكبر للمجتمع والاقتصاد، مما يستدعي ضرورة التفكير الجاد في حلول جذرية توقف دوامة الأزمات المتكررة وتضع السودان على مسار الاستقرار والتنمية.

حاتم أيوب أبو الحسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى