الحرب ودائرتها الجهنمية..!

وائل محجوب

وائل محجوب

  • شهر واحد وتدخل الحرب الطاحنة عامها الثالث، بلا أفق يلوح لإنهاء الصراع الذي تشعب وتعقدت مجرياته، ودخلته عناصر محلية وخارجية، تطيل أمد الحرب، ونشأت تحالفات جديدة مثلما تم في نيروبي مؤخرًا، بتحالف الدعم السريع مع الحركة الشعبية شمال السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، والجبهة الثورية “بقيادة الطاهر حجر والهادي إدريس وسليمان صندل”، بجانب قوى سياسية ومدنية داعمة لهم.
  • وفي المقابل توسعت دائرة التعبئة الشعبية الداعمة للقوات المسلحة في شمال وشرق ووسط السودان، واتخذت التعبئة طابعًا قبليًا وتسابقًا محمومًا للتسليح، وهو تحول كبير في طبيعة الحرب، التي بدأت قبل عامين، حينما كانت القوات المسلحة تحارب بمساندة كتائب الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، ومجموعات محدودة من المقاومة الشعبية، وكان الدعم السريع يقاتل بإسناد من قوات تحرير كردفان وتمازج والمستنفرين من مجموعات قبلية مساندة له.
  • لقد تعدلت موازين القوى على الأرض، وبعدما بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها لعام ويزيد على كامل ولايتي الخرطوم والجزيرة وتمددت حتى ولاية سنار، استعادت القوات المسلحة زمام المبادرة وقامت باسترداد ولاية الجزيرة كاملة و”جبل موية” وسنجة عاصمة ولاية سنار، وتقاتل حاليًا لاسترداد آخر مواقع ولاية الخرطوم، وتستعد لجولات جديدة من القتال، إذ تنحو استراتيجيتها لحصار وقتال الدعم السريع في ولايات دارفور وكردفان.  
  • ومنذ اندلاع هذه الحرب تم توصيفها بأنها حرب ضد بقاء الدولة ومؤسساتها، وتم الحشد والتعبئة على هذا الأساس، ولكنها منذ يومها الأول ظلت تمضي ضد كل ما يمت للدولة بصلة، حيث غرقت الساحة في مليشيات حزبية تنتمي تنظيميًا وعقائديًا للحركة الإسلامية، وتبعتها مليشيات قبلية، في مختلف أنحاء السودان، مساندة للقوات المسلحة.
  • هذا الاتجاه لا يهدد أساس الدولة وحسب، إنما يقود وبشكل لا فكاك منه لتعزيز “قبلنة” الصراع وتحويله لحرب أهلية طاحنة، ولن يكون بمقدور أي جهة السيطرة عليها ولا التحكم في مسارها، لا سيما في ظل التحشيد القبلي، الذي ظلت تقوم به قوات الدعم السريع كذلك منذ بدء الحرب، في المناطق الخاضعة لسيطرتها ونفوذها في دارفور وكردفان.
  • وكنتيجة لهذه الوضعية تعزز الانقسام بين أهل السودان، جراء موجات الاستقطاب العنيفة، ووجد العنصريون على ضفتي الصراع الأجواء المناسبة لبث سمومهم، وتقويض إمكانيات العيش المستقبلي بين السودانيين، والنفخ في نيران الفتن، وتعميق خطابات الكراهية وتفكيك وحدة الوطن، وصار المدنيون هدفًا رئيسيًا للعمليات العسكرية في مناطق الصراع وفق التوصيف العرقي والقبلي أعلاه.
  • وكنتيجة لكل هذه المعطيات يبدو وقف الحرب والوصول لاتفاق بإنهائها وفتح المجال لحلول سياسية حلمًا بعيد المنال، لا سيما في ظل التحالفات الأخيرة، التي أضفت أجندتها على مجريات الصراع، وستضفي المزيد من التعقيدات، مع نذر تصاعد القتال وتمدده إلى مناطق جديدة بالنظر إلى خريطة هيمنة الحلفاء الجدد للدعم السريع في جنوب كردفان والنيل الأزرق وشمال دارفور، مما يعني أن المناطق المتاخمة لهذه الولايات وتلك التي لا زالت خارج أيدي هذه القوات ستصبح ساحة المواجهات القادمة، كما ستكون مناطق أخرى في مرمى تهديد الطيران الحربي والمسيرات.
  • في هذا الوقت العصيب يحتاج أهل السودان لوحدة تعصم بلادهم من التشرذم، ولاسترداد الحكمة والرشد الذي يكبح نزعات الانتقام، والبحث عن السلام والعمل لأجله بشكل جدي وجماعي قبل أن تستحيل البلاد إلى دمار وخراب كامل، ويستعصي على بنيها العيش المشترك.

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى