البرهان ومأزق الشرعية 

 

بينما يتخبط السودان في أتون حرب أهلية شاملة، وينهار فيه ما تبقى من مؤسسات الدولة، كشفت صحيفة إسرائيلية عن زيارة سرية أجراها مبعوث لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى تل أبيب. زيارة لا يمكن فصلها عن سياق سياسي مضطرب، يعيد فيها العسكريون تدوير تحالفاتهم الخارجية في محاولة لشراء وقت إضافي على حساب المصلحة الوطنية،وعلى حساب الدماء الفلسطينية 

منذ إعلان السودان عن انخراطه في مسار التطبيع في أواخر 2020، لم يكن لهذا التوجه غطاء شعبي أو مؤسسي. فالدولة بلا برلمان، ولا حكومة منتخبة، ولا عقد سياسي يتيح اتخاذ قرارات مصيرية من هذا النوع. وما يجري في هذا الملف منذ لقاء عنتبي وحتى زيارة المبعوث الأخيرة، يتم خلف الكواليس، في غياب تام للرأي العام، وكأنما تُدار الدولة كضيعة خاصة لا كوطن يملك مواطنوه حق التقرير في شؤونه السيادية.

تُروج بعض الدوائر المرتبطة بالسلطة لفكرة أن العلاقات مع إسرائيل قد تفتح أبواب الدعم الاقتصادي والسياسي، وتعيد السودان إلى الحضن الدولي. غير أن الوقائع لا تؤيد ذلك. فبعد ثلاث سنوات من بدء مسار التطبيع، لم يتحقق شيء من تلك الوعود. لا استثمارات، ولا شراكات، ولا رفع فعلي للعقوبات. ما تحقق فقط هو تعاون أمني واستخباراتي يخدم إسرائيل أولًا، ولا يضيف شيئًا ذا بال للداخل السوداني الذي يئن تحت القصف واللجوء وانسداد الأفق.

المفارقة الأكبر أن ملف التطبيع يُدار الآن من قبل سلطة غير منتخبة، في ظل حرب أهلية، وبدافع من حاجة العسكر إلى ترميم صورتهم الخارجية، لا من منطلق استراتيجي مدروس. إسرائيل، من جهتها، لا ترى في السودان شريكًا تنمويًا أو حليفًا ديمقراطيًا، بل بوابة أمنية مطلة على البحر الأحمر، وساحة نفوذ في وجه خصومها الإقليميين. لذلك فإن أي علاقات تُبنى في هذا السياق، ستبقى مشروطة ومرهونة بالمصالح الإسرائيلية، لا باحتياجات السودانيين.

السودان الذي احتضن قمة “اللاءات الثلاث” عام 1967، لا يُطلب منه اليوم تغيير موقفه من القضية الفلسطينية فحسب، بل التخلي عن مبدأ السيادة الشعبية في اتخاذ قراراته. فهل يمكن اعتبار اتفاقات تُبرم في السر، وتحت ظلال الحرب، تمثيلًا حقيقيًا لإرادة شعبية حرة؟ وهل يُعقل أن تتحول القضية الفلسطينية، برمزيتها الأخلاقية في الوعي السوداني، إلى ورقة مقايضة يستخدمها العسكريون لتثبيت سلطتهم المهتزة؟

الحقيقة أن مستقبل السياسة الخارجية للسودان—بما في ذلك علاقاته مع إسرائيل—ينبغي أن يكون بندًا من بنود الحوار الوطني، لا ثمرة من ثمار الانقلابات. فما لم تُستعاد الإرادة المدنية، وتُؤسس سياسة خارجية تعبّر عن تطلعات السودانيين، فإن كل خطوات التطبيع ستكون محض مناورات قصيرة الأجل، تُضاف إلى سلسلة من الإخفاقات التي دفعت بالبلاد إلى شفير الانهيار.

وتفتح العديد من الأسئلة بشأن الموقف الأخلاقي لهذه الحرب ولقيادتها  وللفاعلين فيها إلى أي درك يردونه لنا .. وأهم هذه الأسئلة  ماهو موقف جماعة الإسلام السياسي الذين صدعونا بالحديث عن عمالة القوى المدنية

Exit mobile version