الفاشر .. غلاء فاحش وتوقف عمل (التكايا)

أفق جديد

مع تدهور الأوضاع الأمنية في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تفاقمت الأوضاع الإنسانية ما أدى إلى غلاء فاحش في الأسعار وتوقف عمل المطابخ الخيرية (التكايا) التي توفر الغذاء لآلاف الجوعى.

بالنسبة إلى الناشط الإنساني، التيجاني أحمد، فإن الحصار والقصف العشوائي على مدينة الفاشر أدى إلى تعقيد الأوضاع الإنسانية، وغلاء الأسعار، وتوقف عمل (التكايا) التي تخدم آلاف المواطنين.

وأوضح أحمد في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الأوضاع الأمنية في الفاشر تدهورت بصورة مريعة، ما أدى إلى حدوث كارثة إنسانية.

وسبق أن أعلن ناشطون توقف تقديم الوجبات بمراكز الإيواء والنزوح بمدينة الفاشر إلى أجل غير مسمى بسبب القصف العشوائي.

وظلت (التكايا تنشط في تقديم الوجبات والماء في مراكز الإيواء والنزوح بالفاشر منذ اندلاع الحرب، وتتلقى التبرعات بانتظام.

وتقول المواطنة، آمنة عبد الله، (36) عامًا، إن المواد الغذائية في مدينة الفاشر تكاد تكون معدومة وارتفعت أسعارها بصورة جنونية في ظل الحصار الطويل على المنطقة.

وأشارت آمنة في حديثها لـ”أفق جديد”، إلى ارتفاع سعر لوح صابونة الغسيل إلى 5 آلاف جنيه والبصلة الواحدة إلى 500 جنيه، بينما بلغ سعر كيلو السكر 12 ألف جنيه.

وأضافت، “الجوع أتعبنا، وأطفالنا الصغار يتألمون بسبب الجوع والمرض، وانعدام الدواء.”

من جهته يقول المواطن، حامد علي (43) عامًا، إن مدينة الفاشر تعيش أزمة مياه مع دخول فصل الصيف ما يؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة.

وأشار حامد في حديثه لـ”أفق جديد”، “أزمة المياه في الفاشر، تزامنت مع غلاء أسعار الجازولين، وهو أمر في غاية الخطورة.”

وظلت قوات “الدعم السريع”، تقصف مدينة الفاشر ومخيمات النازحين في محيط المنطقة، خاصة مخيمات (السلام، أبو شوك، وزمزم) وهي من المناطق التي تعاني انتشار الجوع.

وفي أغسطس 2024 أعلنت لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، المجاعة في مخيم زمزم، وفي أكتوبر من ذات العام أعلنت مرة أخرى امتداد المجاعة إلى مخيمي السلام وأبو شوك.

وفي ظل تصاعد الأزمة أعلنت غرفة طوارئ معسكر أبو شوك (مجموعة تطوعية) في ولاية شمال دارفور، في 20 فبراير/شباط الماضي، مبادرة لحفر الخنادق في مراكز إيواء النازحين للحماية من القصف المتواصل وتقليل حدة الإصابات وسط المواطنين.

وحسب بيان صادر عن الغرفة، فإن مجموعة متطوعين جمعت مبالغ لتنفيذ حفر الخنادق، وتكلفة حفر أول خندق بلغت حوالي 250 ألف جنيه، ونبهت إلى أن المخيم يضم داخله عددًا من مركز الإيواء وساكنيه في حاجة ماسة للحماية من القصف الجوي والمدفعي.

وأشارت غرفة الطوارئ إلى أن النازحين في معسكر (أبو شوك) يعانون ظروفًا إنسانية بالغة التعقيد، وسط انعدام تام للخدمات الأساسية وحالة الجوع والعطش والقصف المستمر الذي أصبح جُزءًا من الحياة اليومية.

وينشط متطوعون في معسكر (أبو شوك) على إقامة حفر في الأرض تكون غالبًا بطول 3 أمتار وعرض مترين وعمق متر ونصف مع مدخل صغير، ثم تُسقف الحفرة بالمواد المحلية المتوفرة من الحطب والقش وبعض قضبان الحديد القديمة، وتُعبأ أكياس بالتراب لدعم السقف من الجوانب وتوفير حماية إضافية.

وسبق أن تعرض معسكر (أبو شوك) إلى قصف نفذته “الدعم السريع” في 2 مارس الماضي أدى إلى سقوط 6 قتلى وعدد من الإصابات،  وكان المعسكر قد تعرّض في 29 يناير الماضي إلى قصف أيضًا تسبب في مقتل 12 شخصًا.

وقالت منسقية النازحين واللاجئين في دارفور (تنظيم أهلي) في بيان بعد يوم من قصف 29 يناير، إن قوات الدعم السريع تتعمد استهداف مخيمات النازحين والأحياء السكنية والبنية التحتية في الفاشر، ووصفت الهجوم على معسكر (أبو شوك) بالوحشي وأسفر عن سقوط 12 قتيلاً وإصابة 11 آخرين بجروح خطيرة، فضلًا عن إحداث دمار واسع طال الممتلكات والبنية التحتية. وأضافت أنه تم استهداف المخيم بأكثر من 88 قذيفة “في جريمة تعكس مستوى غير مسبوق من الوحشية والانحطاط الأخلاقي”.

كما تعرّض معسكر (أبو شوك) لغارة جوية من الطيران التابع للجيش يوم الثالث من يناير الماضي تسبّبت في سقوط قتلى وجرحى من السكان، حسبما أعلنت غرفة طوارئ المعسكر.

وكان باحثون من مختبر الأبحاث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية، نشروا تقريرًا مدعومًا بصور أقمار صناعية في 13 ديسمبر 2024، كشف عن استخدام “الدعم السريع” مدافع ثقيلة تتوافق مع مدفع هاوتزر AH4 عيار 155 ملم صينية الصنع وهي منصوبة شرق مدينة الفاشر وتُستخدم في قصف المدينة ومعسكرات النازحين حولها.

 واعتمد مجلس الأمن في 13 يونيو 2024 بتأييد 14 عضواً وامتناع روسيا عن التصويت قراراً يطالب بأن توقف قوات الدعم السريع حصارها للفاشر، وطالب القرار الذي قدمت مشروعه المملكة المتحدة بأن تكفل جميع أطراف النزاع حماية المدنيين بما في ذلك عن طريق السماح للراغبين في التنقل إلى مناطق أكثر أمناً داخل الفاشر وخارجها بالقيام بذلك، لكن لم يتم تنفيذ القرار.

وقالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، إن القصف الذي يطاول معسكرات النازحين وقراهم يهدف إلى تدمير حياة المدنيين بشكل انتقامي، مستهدفًا حواضن اجتماعية معينة في محاولة لمحوها من الوجود، وهو نهج متطرف يعكس وحشية أطراف النزاع.

وأشارت إلى أنه الماضي كانت مثل هذه الجرائم تُرتكب في الخفاء، لكنها اليوم تُنفّذ علنًا دون أي رادع.

وأوضحت المنسقية في بيان في السادس من فبراير الماضي، أن هذه الممارسات، التي يرتكبها طرفا النزاع، الجيش عبر القصف الجوي والدعم السريع من خلال القصف المدفعي والهجمات المستمرة، تؤكد أن الحرب المدمرة أفرزت واقعًا مأساويًا وأدخلت مفردات جديدة في المشهد السوداني، سيكون لها تأثير سلبي على تماسك المجتمع في المستقبل.

وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.

وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.

وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.

ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم”.

ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، حربًا خلفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

وتتصاعد دعوات أممية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى