“زمزم”.. قصور العدالة الوطنية والدولية!

 

وائل محجوب

* جسد هجوم الدعم السريع على معسكر “زمزم” للنازحين الأسبوع الماضي، وما شهده من انتهاكات جسيمة بحق من تبقوا من نازحي المعسكر، بعد فرار الآلاف منه، ما يمكن أن تقود الناس إليه أهوال الحرب، وتفشي ثقافة الإفلات من العقاب، وما يمكن أن يصيب البشر جراءها من أهوال، طالما ظل من يرتكبون الجرائم طلقاء ويحظون بالحماية والحصانة على أفعالهم.

* نازحو معسكر “زمزم” هم الأثر الباقي من جرائم الحرب البشعة التي وقعت خلال حرب دارفور بعد اندلاعها في العام ٢٠٠٣م، وهم من استطاعوا النجاة من حملات الإبادة والتطهير العرقي التي وقعت على نطاق واسع في مختلف مناطق دارفور، على أيدي الجيش ومليشيا حرس الحدود وقتها، التي تحولت أعداد كبيرة من جنودها وضباطها للدعم السريع، الذي ورث مهامها وفاقها في الجرائم.

* قادت حرب دارفور إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بناء على قرار مجلس الأمن الدولي “١٥٦٤”، الذي اعتبر ما يحدث بدارفور مهددًا للسلم والأمن الإقليميين، وبعد توثيق اللجنة للفظائع التي شهدتها الحرب، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 1593 في 31 مارس 2005م، مانحًا المحكمة الجنائية الدولية تفويضًا بشأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية المرتكبة في دارفور، وأحال للمحكمة تقرير اللجنة للتحقيق فيما ورد فيه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وملاحقة المتهمين بارتكابها.

* أصدرت المحكمة مذكرات قبض وملاحقة دولية تجاه الرئيس المخلوع عمر البشير و٥١ من قيادات الجيش ومليشيات حرس الحدود، باعتبارهم ضالعين في هذه الجرائم التي تمت وفق توجيهاتهم وإشرافهم، استنادًا لمبدأ التسلسل القيادي الهرمي وللسلطات التي تتمتع بها القيادة العسكرية على الجنود، وما يزال الرئيس المخلوع عمر البشير ومن تضمنتهم القائمة من متهمين طلقاء، ولم تطلهم أيدي العدالة الوطنية ولا الدولية على جرائمهم بحق أهل دارفور، ولم يمثل أمام المحكمة سوى محمد علي كوشيب وهو أحد قادة الجنجويد، ولا تزال محاكمته جارية حتى الآن.

* لقد أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا بتشكيل “بعثة الأمم المتحدة المستقلة الدولية لتقصي الحقائق بشأن السودان” للتحقيق في الانتهاكات التي شهدتها الحرب منذ اندلاعها في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، التي شهدت أنماطًا غير مسبوقة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من قبل طرفي الحرب والقوات المساندة لهما.

* ووثقت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في تقريريها الصادرين في سبتمبر وأكتوبر 2024م، الجرائم الدولية المرتكبة في جميع أنحاء البلاد، ودعت مجلس الأمن إلى توسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كامل السودان، وقد أشار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن مكتبه سيقدم طلبات مذكرات توقيف بناء على التحقيقات في الجرائم المرتكبة منذ أبريل 2023م في غرب دارفور، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

* وقعت أحداث معسكر “زمزم” بعد عشرين عامًا على إحالة جرائم دارفور للمحكمة الجنائية الدولية، وهي ستبقى شاهدًا على قصور العدالة الوطنية والدولية عن محاسبة المتورطين في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وذلك العجز واحد من أسباب عدة لاستمرار الجرائم بحق المدنيين، في معسكر “زمزم”، وفي مجمل معارك الحرب الحالية.

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى