الحرب.. وتصفية الخصومات السياسية
وائل محجوب* قامت النيابة العامة بتحريك إجراءات قانونية تجاه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك ومجموعة من قيادات تنسيقية القوى المدنية “تقدم سابقًا صمود حاليا”، تقدم المحامي منتصر عبد الله لتولي الدفاع عن المتهمين، استنادًا على مبادئ النظام القضائي والعدلي، وأسس المحاكمة العادلة، التي تحدد وتلزم بأن يكون للمتهم محامي يدافع عنه، ما لم يسقط هذا الحق بطلبه الترافع عن نفسه، وبدون ذلك لا تستقيم العدالة والمساواة أمام القانون.
* وما حدث هو أن ذلك القانوني والناشط الحقوقي، ذهب لتقديم نفسه كمحامي للمتهمين وتقديم طلبات قانونية، ولم يخرج بعدها حيث تم القبض عليه هو نفسه، وفتحت بلاغات في مواجهته تصل عقوبة بعضها للإعدام، وتعرض للسجن لسبعة أشهر.
* وقال بيان صادر عن التحالف الديمقراطي للمحامين يوم ٢١ أبريل الجاري إن الأستاذ منتصر “تعرض لظروف اعتقال أمنية قاسية، إذ تعرض لأنواع مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، كما تعرض لانتهاكات في حقوقه القانونية بغرض تقديم أدلة ضد نفسه، وتم إجباره على التنازل كتابة لدى الخلية الأمنية ببورتسودان عن الحصانة المهنية، إذ لا يجوز وفق القانون مباشرة الإجراءات الجنائية بحق المحامي دون إذن النقابة وهو إجراء لم يحدث في هذه الدعوى الكيدية”.
* إن هذه القضية تسلط الضوء على ما يواجه طيف واسع من الناشطين المدنيين، حيث يتم استغلال أجواء الحرب في تصفية الخصومات السياسية، وتقويض أسس القانون والعدالة، ليس في ردهات المحاكم والنيابات فحسب، إنما في معتقلات منتشرة في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش، وورد ذكرها في تقارير تصدرها جهات حقوقية وقانونية داخلية وإقليمية ودولية، تناولت الانتهاكات الجسيمة التي تقع بحق المعتقلين فيها، دون أن تحرك الجهات العدلية والقانونية ساكنًا، لمعرفة مصيرهم وفرض قواعد القانون في المناطق التي تمت استعادة السيطرة عليها.
* غالبية الذين يتم اعتقالهم، والزج بهم في هذه المعتقلات التي تفتقد لأي صفة قانونية، لم يتم تحريك اجراءات قانونية في مواجهتهم، بينما أطلقت أيدي مجموعات عسكرية وأمنية غالبيتها ذات صلة بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، لتمارس الضبط والتوقيف غير القانوني، والتهمة الجاهزة التي تلصق بالموقوفين سواء أكانوا من غرف الطوارئ، أو من المهنيين المنتمين سياسيًا بغض النظر عن أحزابهم، هي التعاون مع قوات الدعم السريع، وبذلك ترك المجال مفتوحًا أمام هذه المجموعات لتصفية حساباتها ضد كل من له صلة بالثورة وقواها، وبالعمل السياسي المناوئ لعهد الإنقاذ.
* استغلال أجواء الحرب سنة قديمة درج عليها المنتمون لعهد الإنقاذ بمؤسساتها السياسية والأمنية، وقد تصاعدت وتيرتها خلال هذه الحرب، بعدما تمت حملات متواصلة للكراهية وشيطنة القوى المدنية، وهو المسوغ لكل ما يجري من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بحق المدنيين تحت ستار هذه الحرب ومعاركها الدامية، حيث يقبع بالمعتقلات دون إجراءات قانونية، ودون تقييد بلاغات بحقهم العشرات من المنتمين سياسيًا والناشطين، وتشير العديد من التقارير المنشورة لخطورة أوضاعهم، حيث يتعرضون للتعذيب والتنكيل المستمر.
* إن أوضاع هؤلاء المعتقلين وحياتهم في خطر شديد، ويواجهون ظروفًا بالغة التعقيد في ظل سيادة مناخ الإرهاب والتخويف، التي حرمتهم من أبسط حقوقهم ومعرفة ما يتعرضون له بواسطة أهلهم وذويهم الذين منعوا حتى من مقابلتهم، وفي تقديمهم لمحاكم عادلة في حالة تقييد إجراءات قانونية بحقهم، وفي ظل حالة الصمت العام حول ما يتعرضون له من انتهاكات.
* تسعى مجموعات تنتمي للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني تحت دخان هذه الحرب ونيرانها، وفي ظل حالة الطوارئ وسيادة حالة الأحكام العرفية، لإعادة عقارب الساعة للوراء، واستعادة دولة البطش والاستبداد التي لفظها الشعب وأصدر حكمه عليها، وذلك ما تؤكده ممارسات أجهزتهما الأمنية الشعبية وكتائبهما العلنية والسرية، وما تنطق به ألسنة كوادرها التي ما فتئت تتوعد الخصوم وتطلق التهديدات بحقهم.