استيلاء الفلول على نقابة المحامين السودانيين محاولة لعودة الإسلاميين للسلطة عبر البوابات المهنية
سمير شيخ إدريس
(1)
لم يخف الإسلاميون منذ اشتعال فتيل الحزب رغبتهم وسعيهم المحموم في العودة للسلطة، حيث يعدون الحرب الدائرة هي طوق النجاة الذي سيعبر بهم نحو مرافئ الحكم، فبدأ الظهور العلني لقيادات التنظيم السياسية عبر الواجهات الإعلامية والمنابر الجماهيرية في بعض المناطق بما أتاحته لهم السلطة من مساحات، وما قاموا بممارسته خلال ذلك من إذكاء نيران الحرب وتصويرها للجماهير كعادتهم بالقدسية والكرامة، وتصوير أنفسهم بالمنقذ للأرض والعرض بالشكل الذي مهد الطريق لإعادة تنظيم صفوفهم سياسيًا وتنظيميًا، ثم عمدوا عبر خروج كتائبهم العسكرية المسلحة المشاركة في الحرب عبر تحالفها مع فلول المؤسسة العسكرية، وما تمخض عن ذلك من سيطرتهم الواسعة على أرض المعركة وما استتبع ذلك خلال ما فاض عبر الأثير والأسافير من إظهار السيطرة العسكرية للتنظيم، وتصريح قادتهم بالخطب السياسية والوعيد لكل من سيخالف مسار الواقع الذي يخطون مساره ليفضي بعودتهم للسلطة من خلال سيطرتهم المدعاة، وإلى جانب ذلك الظهور المحموم من الناحية السياسية والعسكرية بدأت تخرج من شقوق الأرض بقية أذرعهم التي شيعتها الثورة نحو مزابل النسيان عبر النشاط الشعبي والتنظيمي في المدن، وعبر الكيانات المهنية وفرض السيطرة عليها بإعادة منسوبيهم في الكيانات النقابية على ركام الأجسام النقابية التي تكونت بعد الثورة ومارست أنشطتها لسنوات متعددة، ولعل أبرز هذه الكيانات هو ظهور منسوبي نقابة المحامين المحلولة في الأشهر الفائتة وممارسة عضويتها علانية لكافة أنشطة النقابة دون سند شرعي أو قانوني، في تحد سافر للقرارات القضائية التي صدرت لمصلحة لجنة التسيير في مارس 2023 إبان النزاع بينهما، التي أفضت لإبطال كافة المحاولات التي قاموا بها من أجل استعادة النقابة.
(2)
تم تكليف لجنة تسيير نقابة المحامين السودانيين في مطلع 2020 بموجب قرار لجنة إزالة التمكين، الذي أسند لها مهمة تصريف أعمال النقابة وتمثيلها لدي لجنة قبول المحامين والجهات الأخرى، ومراجعة قانون المحاماة والنظام الأساسي ومن ثم الدعوة للجمعية العمومية، وعقد الانتخابات التي تتطلب أعمالًا أخرى ألقيت على عاتقها، أهمها تنقيح السجل الذي شابه التخريب من قبل النقابة المحلولة عبر دوراتها المختلفة في تسيير النقابة. وقد باشرت لجنة التسيير أعمالها لفترة من الزمن بموجب شرعية قانونية لم ينازعها أحد حتى انقلاب البرهان في أكتوبر 2021، الذي أصدر بعد انقلابه أمرًا بحل لجنة إزالة التمكين وحل كافة النقابات والاتحادات ولجان التسيير النقابية، غير أن القرار لم يكن له أي أثر على الواقع العملي، حيث ظلت لجنة تسيير نقابة المحامين تمارس أعمالها رغم أنف هذا القرار الذي أثار حفيظة النقابة المحلولة وشجعها في ذلك الانقلاب الذي حد من موجة المد الثوري، وأتاح مساحات واسعة لاستعادة الفلول لنشاطهم ومحاولة تمددهم من جديد على الساحة، لذلك تقدمت النقابة المحلولة ومثيلها من الكيانات المهنية أواخر 2022 بطعون لدى لجنة استئناف قرارات لجنة التمكين ضد قرار تشكيل لجنة تسيير نقابة المحامين التي قبلت الطعن، وألغت قرار تشكيل لجنة التسيير التي تقدمت بطعن ضد هذا القرار لدى المحكمة العليا، وأثناء نظر الطعن قيدت نقابة المؤتمر الوطني المحلولة تنفيذًا قضائيًا لتطبيق قرار حل لجنة التسيير الذي تم رفضه أولًا ثم قبوله ثانيًا من سلطة التنفيذ القضائية العليا التي أمرت بتسليم النقابة لمنسوبي المؤتمر الوطني، ومرة أخرى لاحقت لجنة التسيير هذا الأمر بالطعن فيه إلى أن صدر فيه الأمر بقفل التنفيذ وإلغاء أي قرار يفضي لتسليم نقابة المحامين للفلول في مارس 2023 .
(3)
الجدير بالملاحظة أنه أثناء سير هذه الإجراءات صدر مرسوم من مجلس السيادة في فبراير 2023 بتجميد نشاط جميع النقابات والاتحادات المهنية، وأمر مسجل عام تنظيمات العمل بتكوين لجان تسييرية للنقابات، ويعد هذا القرار القضائي بوقف التنفيذ هو آخر القرارات الصادرة في النزاع الذي دار بين لجنة التسيير والفلول، وهو الأمر الذي يمنح الشرعية للجنة التسيير بمتابعة نشاطها دون إجراء مناهض أو أي تحركات من منسوبي النقابلة المحلولة حتى قيام الحرب وما بعدها بقليل، إلى أن قررت نقابة الفلول الخروج من العدم وممارسة سلطاتها المنزوعة وموقوفة بموجب القانون عنوة، متخذة من ستار الحرب وما تجده من غطاء من السلطة وتمدد كياناتهم العسكرية بما أوجدته من مساحات على أرض المشهد شجع الإسلاميين ليبعثوا رفاة تنظيمهم من قبره للعودة بهم للسلطة بقوة الأمر الواقع وتحت سطوة البنادق في تحد سافر للقوانين والإرادة الجماهيرية، دون سند شرعي سوى التغول وممارسة البلطجة النقابية قامت بالاستيلاء على مهام لجنة التسيير باستعادة المحلول عثمان الشريف وتسميته نقيبًا، وبتعيين أحد رموزها السابقين المدعو زين العابدين في منصب النقيب المكلف، وقاما بعقد الاجتماعات والدعوة لتسجيل المحامين الجدد وعقد احتفال تدشين ومنح التراخيص وتعيين وكلاء لنقيب المحامين في الولايات المختلفة، ومخاطبة وكلاء لجنة التسيير بتسليمهم ما بأيدهم من عهدة لمن قامت بتعيينهم.
(4)
عادت نقابة الفلول عبر ما قامت به من أنشطة بسيطة بوجهها ذاته الكالح وأدوارها السابقة دون أي حديث عن معاناة المحامين في الحرب والانتهاكات الحادثة للجماهير جراء النزاع المسلح، لتكون كعادتها واجهة وبوق للسلطة يكرس لتثبيت النظام السياسي الذي ينتمي له منسوبيها، والتسويق لعودته للسلطة مثلما دأبت دائمًا على ممارسة هذا الدور عبر تاريخها قبل قيام الثورة التي أطاحت بآخر دورات سيطرتهم التي شملتها الشرعية الثورية والقانونية بالحل ضمن نقابات المؤتمر الوطني الأخرى، وبذا أصبح في حكم المعلوم أن كافة الأنشطة التي تقوم بها النقابة ليس لها سند قانوني على الوجه الذي ذكر وإنما هو استيلاء واضح على أحد مكتسبات الجماهير النقابية بالقوة والهيمنة، واستغلال تعقيدات الواقع المأزوم الذي تمر به البلاد ومنسوبي الكيانات النقابية والمهنية، وهي بذلك تتحدى إرادة الجماهير والمبادئ الثورية والقانونية المنادي بها من ثورة ديسمبر في دحر كل ما يتعلق بالحزب الحاكم المحلول وأذرع مؤسساته، والمؤسف في الأمر أن هذا الكيان اللقيط وجد تعاونًا من بعض الأجهزة الرسمية والعدلية على المستوى المحلي وحتى الإقليمي، حيث حضر فعالية تدشين المحامين الجدد في القاهرة الشهر الماضي نقيب المحامين المصريين واتحاد المحامين العرب وكبار القضاة والشخصيات العامة، وأثنوا جميعًا على الخطوة التي تستبطن اعترافًا ضمنيًا من قبلهم بهذا الكيان، ومنحه شرعية لتقوية جذره في الوجود وتشجيعه على مواصلة انتهاكه القانوني دون أدنى تساؤل عن مدى شرعية هذا الجسم الهلامي، فإذا أخذنا في الاعتبار كونه آخر جسم نقابي سوداني تعامل مع هذه الجهات فإن الواقع كان يجب أن يشير لنفي هذا الاحتمال باعتبار أن دورة الانتخابات الاخيرة امتدت من 2017 حتى 2021 وأصبحت في حكم المنتهي،
(5)
هذه الخطوة لا تمس لجنة تسيير نقابة المحامين وحدها بل هي خطوة استباقية للاستيلاء على الكيانات النقابية ومحاولة بعث الواقع النقابي المسيطر عليه من الفلول قبل الثورة، وهي محاولة تدريجية للعودة وإن نجحت سوف يعقبها تحركات أخرى من الفلول في النقابات والاتحادات المهنية الأخرى، في خطوة تدخل ضمان نطاق مشروع حلم الإسلاميين للعودة للسلطة عبر العمل من خلال كافت الجبهات سواء عسكرية أو سياسية أو مهنية، لينتهي جميعه بالوصول بهم نحو استعادة الحكم، وهو الأمر الذي يستوجب مقاومته من قبل منسوبي الكيانات النقابية التي كافحت بعد الثورة من أجل تأسيس أجسامها النقابية والمهنية، وتعدى الكثير منها المراحل الأولية وأسس واجهاته المهنية وفقًا للقانون وتعبيرًا عن إرادة عضويته، وليس جديرًا بعد ذلك ترك هذا الجهد الجبار لتستولي عليه أذرع الفلول دون سند شرعي، تحت ذراع القوة والواقع المأزوم الذي خلفه نزاعهم المسلح، الذي ينبئ بالمستقبل الذي ينتظر البلاد إذا ما دانت لهم مفاتيح السلطة .