انتهى المسار القضائي فمن يطوي صفحة المعاناة الإنسانية في السودان؟
أفق جديد
في تطور قضائي لافت، رفضت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، النظر في الدعوى التي رفعتها حكومة السودان ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، متهمة إياها بالتورط في دعم أعمال قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية خلال الحرب المستعرة في البلاد. قرار المحكمة، الصادر في الخامس من مايو 2025، استند بشكل أساسي إلى عدم اختصاصها القضائي بنظر القضية، مما يغلق الباب أمام المسار القضائي المحدد.
لماذا أُغلِق ملف القضية في لاهاي؟
يكمن السبب الجوهري وراء قرار المحكمة في تحفظ دولة الإمارات على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. فعلى الرغم من أن كلا البلدين، السودان والإمارات، من الموقعين على الاتفاقية، إلا أن هذا التحفظ الإماراتي يعني أنها لا تقبل بالولاية القضائية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالنزاعات الناشئة عن تفسير أو تطبيق الاتفاقية. وبناءً على ذلك، وجدت المحكمة أنها تفتقر إلى الأساس القانوني اللازم لمتابعة القضية أو فرض أي تدابير ضد أبو ظبي كما طلبت الخرطوم.
ما طبيعة الاتهامات التي واجهتها أبوظبي، وكيف كان ردها؟
اتهمت حكومة السودان، التي تتخذ من بورتسودان مقراً مؤقتاً لها، دولة الإمارات بتقديم دعم عسكري ولوجستي لقوات الدعم السريع، المنافس الرئيسي للجيش السوداني في الحرب الأهلية، معتبرة أن هذا الدعم يساهم في ارتكاب فظائع قد تصل إلى حد الإبادة الجماعية. في المقابل، نفت الإمارات هذه الاتهامات بشدة ووصفتها بأنها “لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية”. ورحبت أبوظبي بقرار المحكمة، معتبرة إياه تأكيداً على عدم صحة الادعاءات ومحاولة من جانب الجيش السوداني لصرف الانتباه عن مسؤوليته في الصراع، مؤكدة على أن مصلحتها الوحيدة تكمن في تحقيق سلام دائم في السودان.
ما التبعات القانونية والسياسية لهذا الحكم؟
من الناحية القانونية، يعني قرار عدم الاختصاص أن الدعوى التي رفعها السودان أمام محكمة العدل الدولية تعتبر كأن لم تكن، ولا تترتب عليها أي آثار أو التزامات قانونية تجاه الإمارات في إطار هذه المحكمة. أما سياسياً، فينظر إلى القرار على أنه يعزز الموقف الدبلوماسي للإمارات في مواجهة هذه الاتهامات المحددة على الساحة الدولية، حيث لم يتم النظر في جوهر الادعاءات لعدم وجود ولاية قضائية.
هل يطوي قرار المحكمة صفحة المعاناة الإنسانية في السودان؟
من المهم التأكيد على أن قرار محكمة العدل الدولية، بتركيزه على الجانب الإجرائي والقانوني للاختصاص، لا يغير من الواقع المأساوي على الأرض في السودان. تستمر الحرب الأهلية في حصد الأرواح وتدمير البنية التحتية، وتتفاقم الكارثة الإنسانية يوماً بعد يوم، حيث يواجه نصف سكان البلاد، حوالي 25 مليون شخص، جوعاً شديداً، مع إعلان المجاعة في بعض المناطق وتوقع امتدادها، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وتبقى الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع متعثرة حتى الآن.
هل يمكن فصل المسار القضائي عن الواقع الإنساني المتدهور؟
يأتي قرار محكمة العدل الدولية برفض دعوى السودان ضد الإمارات ليسلط الضوء على التعقيدات القانونية والدبلوماسية التي تحيط بالنزاعات الدولية، وخصوصاً عندما تتشابك مع حروب أهلية مدمرة. فبينما يمثل القرار نهاية لمسار قضائي محدد، إلا أنه لا يضع حداً للجدل المستمر حول التدخلات الخارجية في الصراع السوداني، ولا يقدم إجابات شافية حول مسؤولية الأطراف الإقليمية والدولية.
تبقى الحقيقة الأكثر إلحاحاً هي أن الملايين من السودانيين يعانون يومياً من تبعات حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تتبادل الأطراف المتحاربة وداعموها الاتهامات في أروقة المحاكم والمنابر الدولية. وفي ظل غياب آليات قضائية دولية فعالة للتعامل مع مثل هذه النزاعات المعقدة، تظل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية قائمة على عاتق جميع الأطراف المعنية لوقف نزيف الدم وإنهاء المعاناة، فيما يظل السؤال الأهم شاخصاً: هل سيشكل هذا القرار دافعاً للمجتمع الدولي للبحث عن حلول أكثر فاعلية لإنهاء الصراع، أم سيزيد من تعقيد المشهد السوداني المأزوم؟