أم درمان.. المدينة التي تبيع ظلها للنازحين
يقول أحدهم: كنا ندفع نحو 90 جنيهًا.. وحين عدنا للبيت طلب صاحبه 300 جنيه في الشهر في أم درمان حوالي 5 ملايين نازح والإيجارات تقفز من
90 ألفاً إلى سبعمائة وخمسين ألف جنيه عرضوا عليّ شقة غير مفروشة بـمبلغ 80 ألف جنيه وأخرى مفروشة بمبلغ 400 ألف جنيه أصبح سعر الإيجار في إحدى المناطق 500 ألف جنيه بعدما كانت تُؤجر بالمجان
وسيلة حسين
تتوكأ الحاجة آمنة على عصا معدنية، تجلس لترتاح قليلًا من رحلة البحث المضنية عن بيت جديد للإيجار، تسأل المارة، فيجيب أغلبهم أن البيوت هنا مكتظة، وأن أسعار إيجار المنازل مرتفع. عاد المستأجر، بعد أن تأزمت الأوضاع في السعودية التي ذهب إليها بعد الحرب مباشرة، خيّر الحاجة آمنة وبناتها الثلاث بين زيادة الإيجار إلى 500 ألف جنيه أو إخلاء المنزل فورًا.
“لا أستطيع توفير المبلغ، نصنع أنا وبناتي “الكسرة” والطعمية، نبيعها في المحال القريبة لنسدد قيمة الإيجار ونعيش”. تقول الحاجة آمنة بصوت متهدج مكسور. ومن ثم تضيف في حديثها إلى “أفق جديد”: “نزحنا قبل عام من أمبدة، كانت المنطقة هنا خالية من السكان، ويطلبون أن نحرس بيوتهم بالمجان. تغير الوضع وأصبحت الإيجارات باهظة”.
غيّر تبدل خرائط السيطرة العسكرية الأوضاع في مدينة أمدرمان، فبعد أن كانت البيوت فيها مهجورة لأكثر من عام ونصف العام، اكتظت المدينة بنحو 5 ملايين شخص، أغلبهم من النازحين من مناطق قريبة، تدور فيها معارك بين أطراف الحرب. وفي أعقاب انسحابات الدعم السريع من أغلب ولاية الخرطوم، شهدت المدينة عودة خجولة لمواطنيها الأصليين وارتفاعًا ملحوظًا في أسعار إيجار المنازل.
“تتراوح الأسعار بين 300 ألف جنيه و750 ألف”. يقول عثمان ويعمل وسيطًا لإيجار وبيع العقار في منطقة كرري، مضيفًا في حديث إلى “أفق جديد”: “كلما ذهبنا نحو أطراف أمدرمان تزداد الأسعار ارتفاعًا، نسبة لأن أطراف المدينة مكتظة بالناس والأسواق وآمنة نسبيًا”.
يخبر حافظ أنه ظل يلهث خلف إيجاد بيت بالإيجار في منطقة كرري لثلاثة أسابيع دون جدوى، فهو يعمل بائعًا للخضار في سوق صابرين ويسكن شمال بحري، يقف غلاء إيجار المنازل بينه وبين أن يحصل على منزل قريب من مكان عمله. “عرضوا عليّ شقة من دون أثاث بمبلغ 800 ألف جنيه، وبيتًا آخر مفروشًا بـ400 ألف”. يقول مخبرًا “أفق جديد” ومن ثم يضيف: “تكلفة المواصلات من شمال بحري لمحل عملي كبيرة ولكن البيوت هنا نادرة. سأجد بيتًا في أمدرمان القديمة بمبلغ أقل”.
بدوره يُدافع الحاج فضل عن المُلاك. حوّل منزله الواسع في منطقة ود البخيت إلى مجمع سكني بالإيجار، تقطنه كثير من الأسر. يقول في حديثه إلى “أفق جديد” إن كلفة المعيشة باهظة في زمن الحرب، وهو لا يعمل منذ عامين، ولا دخل له سوى استئجار بيوته. “المستأجرون يتغيرون باستمرار، يأتي أناس ويذهب آخرون”. ويضيف: “ليس هناك عقودات موثقة، أحيانًا لا يكمل المستأجر الشهر ويغادر إلى منطقة أخرى، فهم أغلبهم من النازحين”.
تعيش مدينة أمدرمان، حالة من الهدوء النسبي وانتعاشة اقتصادية وأمنية تشجع كثيرًا من المواطنين على الاستقرار فيها. “لم نعد نسمع دوي المدافع وأصوات الرصاص منذ فترة. أسهم هذا في تدفق المواطنين صوب المدينة، والطلب العالي على البيوت”. يقول سامي حسن، وهو صاحب محل استئجار عقارات بشارع الوادي، عازيًا ارتفاع أسعار إيجار المنازل والعقار في أمدرمان لقوة قانون العرض والطلب. ويضيف في حديثه إلى”أفق جديد”: “طوال عامي الحرب لم أذهب إلى أي مكان، بقيت وسط التدوين والحرب أحرس البيت. فتح سوق العقار بصورة كبيرة بعد استعادة كثير من المناطق في أمدرمان، نضع عمولتنا بما يعادل إيجار شهر أو شهرين، بحسب قدرة المستأجر على الدفع”.
وتشكو إلهام، وهي مستأجرة للبيت نفسه قبل الحرب وبعدها، أنها لا تستطيع دفع ما يطلبه صاحب البيت في الآونة الأخيرة. “كنا ندفع نحو 90 جنيهًا. بعد الحرب ذهبنا إلى منطقة الواحة، سكنا بالمجان لأكثر من 9 أشهر، وحين عدنا للبيت طلب صاحبه 300 جنيه، هذا غير معقول وفوق قدرتنا المالية”. وتضيف في حديثها إلى “أفق جديد”: “الحياة صعبة، الكهرباء والمياه متذبذبة ولا شيء يستحق هذه المبالغ الخرافية”.