غرف الطوارئ إعصار المفازة

طاهر المعتصم

من على الشرفة
طاهر المعتصم

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما – أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ))، وفي أيام المسغبة، كما أوصانا التراس السوداني، وغنانا الراحل خلف الله حمد ومن بعده سيد خليفة لهما الرحمة:
يا رعد الخريف الفي سماك دمدم
بابك ما أنقفل نارك تجيب اللم
ما بتعزم تقول غير استريح حرّم
أبواتك جبير بيحلو للعوجات
مطمورتك تكيل للخالة والعمات
في الجود والكرم إيديك دوام بارزات
يا أب قلباً حديد في الحوبه ما بتنفات
عندما أغلقت جائحة كورونا في أبريل 2020 البلاد كما فعلت بالعالم، شمر شباب ديسمبر الأذرع، توصيلًا للطعام إلى المستشفيات والمرضى المنومين والطواقم العاملة، وللمحابيس في السجون وحراسهم، وفي التوعية ووجوب غسل الأيدي، وفي مساعدة الحكومة الانتقالية في توزيع السلال الغذائية في الأحياء الطرفية.
عندما اندلعت حرب الخرطوم في 15 أبريل 2023، استوعبوا الصدمة الأولى، وبما توفر لهم من خبرات إبان كوفيد -19، انطلقوا بداية في نقل المرضى، ومساعدة الطواقم الطبية في الوصول إلى المشافي، والتطوع في الإسعافات الأولية، واستجلاب الدواء، المجتمع السوداني وهو يهجر دياره قسرًا، وثق فيهم لإعانة من تبقى منه، للفترة من أبريل إلى أكتوبر 2023، كانت بعض الأسر وبعض ملاك الصيدليات وبعض أصحاب المتاجر الغذائية، تقوم بالاتصال بأبنائهم في غرف الطوارئ، لأخذ ما تبقى من أطعمة أو أدوية، وتوزيعها للعالقين، حتى انتشر اللصوص (الشفشافة) ولم يتركوا شيئًا لم ينهبوه.
بعد أكتوبر 2023 نضب المعين، وظهرت بعض المنظمات الوطنية، ولم تجد ذراعًا على الأرض يعول عليه غير غرف الطوارئ، ثم أتت المنظمات الدولية عقب ذلك، وبدأت شبكات الإغاثة والعون تنطلق، تسابق الجوع والموت والاغتصاب، عونًا ومساعدة للذين انقطعت بهم السبل ولم يجدوا ما يدفعوه لينزحوا داخل السودان أو يلجأوا خارجه.
في الإطعام ابتكروا وسيلة واستدعوا من التراث العربي وسيلة، ابتكروا ما أطلق عليه (المطبخ المشترك) وهو مكان يسمح فيه للسكان في الحي للالتقاء لحوالي أربع ساعات، في ظل منع التجول أو الخشية من الخروج من المنازل، مساحة آمنة يصنع فيها الطعام، ويتوفر تعليم بديل للأطفال، ودعم نفسي للأسر، ومعالجة لضحايا الانتهاكات، وإن استدعى الأمر إجلاء الناجيات وأسرهم من الاغتصاب، أول مطبخ مشترك كان في أم بدة بأم درمان، ثم تلاه مطبخ الجريف غرب المشترك، بلغت أعدادها في الخرطوم 751، وفي الجزيرة 214، أما دارفور الكبرى 636، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
أما ما استدعي من التراث فهي فكرة (التكايا)، وقد انتشرت في عموم البلاد، يتم صناعة نوع من أنواع الطعام حسب رغبة الموجودين في الحي والمتوفر من المواد، ومؤكد عزيزي القارئ قد شاهدت صورًا لأواني الطعام تتراص في صفوف طويلة دون تجمهر من المواطنين، في انتظار أن تملأ طعامًا ويعود بها صاحبها إلى المنزل لإطعام أهل بيته.
في العاشر من مايو الجاري، يتسلم بعض ممثلو شبكة غرف الاستجابة للطوارئ السودانية، التي تضم في عضويتها أكثر من 20 ألف عضو منسق، جائزة الاتحاد الأوربي لحقوق الإنسان للعام 2025، وهي جائزة مستحقة للأعمال الجليلة في الأوقات الصعبة التي قاموا وما يزال يقوم بها هؤلاء الشباب، ويمتد التقدير لداعميهم من السودانيين ومن المنظمات الإنسانية، ومؤكد إنه تاريخ يكتب للأجيال القادمة عن الشجاعة والإقدام لعمل الخير.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى