حرب بلا نهاية.. المسيرات تطيل أمد المعاناة في السودان

 

يشهد الصراع الدائر في السودان منذ أكثر من عامين تحولاً جذرياً، حيث انتقل من مواجهات تقليدية إلى حرب تكنولوجية معقدة تلعب فيها الطائرات المسيرة دوراً حاسماً. هذا التطور لم يغير فقط من طبيعة المعارك بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بل أعاد تشكيل المعادلات العسكرية والسياسية، ملقياً بظلال قاتمة على مستقبل البلاد.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في استخدام هذه التقنية، حيث لم تعد المسيرات مجرد أدوات استطلاع، بل تحولت إلى أسلحة هجومية فتاكة. فبعد تكبدها خسائر ميدانية، لجأت قوات الدعم السريع إلى استراتيجية حرب الاستنزاف، مستهدفةً البنية التحتية الحيوية بضربات عبر مسيرات يُعتقد أنها تشمل طرازات صينية. في المقابل، عزز الجيش السوداني ترسانته بمسيرات متطورة، أبرزها “مهاجر-6” الإيرانية، مع تقارير عن تلقيه تدريبات على استخدام المسيرات الانتحارية، مما حول سماء السودان إلى ساحة قتال تكنولوجي.

هذه الديناميكية العسكرية لم تكن لتتصاعد لولا التدخلات الإقليمية التي حولت الصراع إلى حرب بالوكالة. فبينما تشير التقارير إلى استمرار الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، يتلقى الجيش دعماً من إيران وروسيا. هذا التورط الخارجي لا يقتصر على تأجيج القتال، بل يهدد بتوسيع نطاقه إقليمياً، خاصة مع تبادل الاتهامات حول استخدام قواعد في دول الجوار لشن هجمات، مما يزيد من تعقيد المشهد ويفاقم التوترات.

لكن الوجه الأكثر مأساوية لهذه الحرب التكنولوجية يكمن في تكلفتها الإنسانية الباهظة. فاستهداف المسيرات للمنشآت الحيوية كسد مروي ومحطات الكهرباء، بالإضافة إلى المستشفيات والمناطق السكنية، أدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية عن الملايين، وسقوط مئات الضحايا المدنيين، وتفاقم أزمة نزوح كارثية طالت أكثر من 13 مليون شخص. كما أدى القصف المستمر إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية والتعليمية، مما ينذر بعواقب وخيمة طويلة الأمد.

في المحصلة، أدت حرب المسيرات في السودان إلى خلق حالة من الجمود العسكري يصعب معها تحقيق نصر حاسم لأي طرف، مما يهدد بإطالة أمد الصراع لسنوات. وفي الوقت نفسه، تتفاقم الكارثة الإنسانية وتزداد صعوبة تنظيم انتشار هذه التقنيات الفتاكة دولياً. لقد تحول السودان، للأسف، إلى مختبر مفتوح لأحدث وأخطر أدوات الحرب الحديثة، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى