حرب إطلاق الحمير

 

حيدر المكاشفي

تقول الحكاية إن حمارًا كان مربوطًا بحبل بشجرة.. جاء الشيطان وفك حبل الحمار وأطلقه.. دخل الحمار مزرعة الجيران، وبدأ يأكل بنهم حتى قضى على أخضر ويابس  المزرعة.. لما رأت زوجة المزارع صاحب المزرعة الحمار يقضي على مزرعتهم، عادت إلى البيت وحملت بندقية وقتلت الحمار.. سمع صاحب الحمار صوت إطلاق الرصاص فخرج من بيته يستجلي الأمر، فلما رأى حماره مقتولاً وأن من قتله هي زوجة جاره صاحب المزرعة استشاط غضبًا، ودخل بيته وعاد ببندقيته وأطلق النار على زوجة صاحب المزرعة وأرداها قتيلة.. وعندما عاد صاحب المزرعة من مشوار كان قد ذهب إليه ووجد زوجته مقتولة تسبح في دمائها، وأن من قتلها هو جارهم صاحب الحمار، حمل بندقيته وهجم على جاره صاحب الحمار وقتله، وحين رجع ابن صاحب الحمار ووجد أباه مقتولًا، وأن من قتله هو جارهم صاحب المزرعة، حمل بندقيته ولم يكتف بقتل صاحب المزرعة وإنما قتل معه ابنه الأكبر.. وعندما بلغ خبر هذه المقتلة أهل صاحب المزرعة، سارعوا لامتشاق أسلحتهم وهجموا هجمة رجل واحد على دار صاحب الحمار وقتلوا من كانوا في الدار جميعًا وأحرقوا كل ما طالته أيديهم.. وفي هجمة مضادة على غرار لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، حمل أهل صاحب الحمار بنادقهم وكروا على دار صاحب المزرعة وقتلوا من كانوا في الدار جميعًا وأشعلوا فيها النار وأحالوها إلى رماد، وهكذا تطورت هذه المقتلة والمجزرة وظلت دائرتها تتوسع يومًا بعد يوم فشملت كل القرية والقرى المجاورة، ولم يستطع الراوي الإحاطة بالمدى الجغرافي الذي بلغته المقتلة ولا الخسائر في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة من كثرتها.. ولما سُئِلَ الشيطان: ماذا فعلت حتى أشعلت هذه الحرب القذرة العبثية؟ قال الشيطان وهو يطلق قهقهة عالية: لا شيء… فقط أطلقت الحمار، وأضاف متهكمًا إذا أردت أن تخرب بلدًا فأطلق فيها الحمير وما أكثرهم في زماننا وبلدنا هذا..

أليس بربكم تشابه بل تماثل تمامًا هذه الحرب الشيطانية في الحكاية أعلاه حربنا الماثلة الآن، إنها بالفعل كذلك من كل الوجوه، فحربنا اللعينة الشيطانية هذه، بدأت في منطقة جغرافية محدودة ومحصورة في وسط الخرطوم المدينة وليست الولاية، ولكن بسبب الحمير على قول الشيطان ظلت تتوسع وينداح مداها المكاني والجغرافي حتى لم تنجو منها منطقة على امتداد أرض الوطن الشاسعة، وتتعاظم خسائرها في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة يومًا بعد يوم، وتتطور وتتنوع أساليبها حتى بلغنا الآن مرحلة حرب الأجواء والمسيرات، وللأسف ما يزال حبل حمير الحرب على الجرار، فقد دخلت الحرب عامها الثالث ولا تزال حميرها مطلوقة تنهق وتبرطع وتفنجط وترفس و(تبل بس)، والعجب العجاب أن هذا (البل بس) لم يبل ويجغم ويمتك ويفتك إلا بالمواطنين العزل الأبرياء وبالأعيان المدنية والبنى التحتية، فعم الانهيار والخراب والدمار كل شيء وعصف بأي شيء، والقليل الذي نجا منها ما يزال تحت الاستهداف، يحدث كل ذلك في حرب إطلاق الحمير المستعرة في بلادنا للعام الثالث، في الوقت الذي سارعت فيه الهند وباكستان لإعلاء صوت العقل والحكمة واتفقتا على وقف إطلاق النار واحتواء الأزمة التي نشبت بينهما مؤخرًا، كما تم الاتفاق بين الإدارة الأمريكية والحوثيين على وقف إطلاق النار بالتزامن مع مفاوضات أمريكا مع إيران حول الملف النووي، كما توصلت أيضًا الحكومة الكونغولية وحركة M23  لوقف فوري لإطلاق النار بعد محادثات في الدوحة برعاية قطرية، بالإضافة للجهود الأمريكية والقطرية التي قادت للتهدئة بين الكونغو ورواندا، إضافة لذلك فقد توصل الرئيس السوري أحمد الشرع لاتفاق السويداء مع الدروز، وسبقه اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنشط في مناطق الأكراد شمال شرقي سوريا. وتتسابق أيضًا الجهود الدولية للوصول لوقف إطلاق نار بين روسيا وأوكرانيا واتفاق في غزة لتوصيل العون الإنساني ولإنهاء الهجوم الإسرائيلي عليها وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وما يتبعها عقب ذلك من خطوات لازمة لإحلال السلام الدائم.. هذا هو المشهد الدولي والإقليمي الماثل الآن والمتجه بعزم وجدية لإحلال السلام وإخماد بؤر الحروب والاقتتال والتدمير، بينما ما تزال حربنا مشتعلة برًا وجوًا وبحرًا ولا يلوح في الأفق ما يلجم حميرها ويعيدها إلى مرابطها، ولله الأمر من قبل ومن بعد..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى