آمال العودة تصطدم بنقص الخدمات

 

أفق جديد

بعد غياب امتد لأكثر من عامين، وصل راشد عبد الله، (42) عامًا، إلى منزله في مدينة الصحفيين بمنطقة (الوادي الأخضر) شرق النيل، التي استعادها الجيش السوداني مؤخرًا من قبضة قوات الدعم السريع بعد معارك طاحنة.

مع اندلاع الحرب، غادر عبد الله منزله رفقة عائلته إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، إثر تصاعد المعارك في الخرطوم، واضطر مرة أخرى الذهاب إلى مدينة سنار عقب اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة في ديسمبر 2023.

يقول عبد الله لـ”أفق جديد”: “توجهت مع أسرتي مرة أخرى إلى مدينة عطبرة بعد وصول عناصر الدعم السريع إلى ولاية سنار.”

وأضاف: “وصلت خلال الأيام الماضية إلى منزلي بمربع 20 بمدينة الصحفيين، التي تعرضت لأعمال النهب والسلب والسرقة.”

وتابع، “المنطقة تعاني من انقطاع الكهرباء والمياه والغذاء، لكنني سعيد بالعودة إلى منزلي مرة أخرى.”

ومضى قائلًا: “الأوضاع الأمنية مستقرة تمامًا، لكننا نواجه النقص الحاد في مياه الشرب، كما أن الكهرباء ما زالت مقطوعة عن المنطقة.”

وأوضح أن “المواطنين يحصلون على مياه الشرب عبر التناكر وعربات الكارو التي تجرها الدواب، من مناطق بعيدة.”

وناشد عبد الله حكومة ولاية الخرطوم بضرورة استعادة الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها المياه والكهرباء والمستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير الدواء، خاصة أن المنطقة تعاني من تفشي أمراض الملاريا وحمى الضنك والتايفويد.

ومع توالي انتصارات الجيش السوداني في ولايات سنار والجزيرة والخرطوم والنيل الأبيض، بدأت رحلات عودة النازحين الطوعية من بورتسودان وكسلا والقضارف وعطبرة وشندي ودنقلا وحلفا الجديدة والقاهرة إلى منازلهم، لكن العودة اصطدمت بتردي الخدمات الضرورية.

ورصدت جولة “أفق جديد”، في الأحياء السكنية بمدينة شرق النيل والحاج يوسف، مربع (20) الصحفيين، ومربعات (21) و(15) و(14) و”تلال” و”عد بابكر”، آثار الدمار والتخريب التي طالت شبكات خطوط الكهرباء والمياه ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية.

من جهتها تقول المواطنة آمال الزبير (52) عامًا التي تسكن الحاج يوسف مربع (1)، إن المنطقة تعاني من نقص الخدمات مثل الصحة والمياه والكهرباء.

وأوضحت آمال في حديثها لـ”أفق جديد”، أن السلع الغذائية ليست في متناول الأيدي لغلاء أسعارها، وأن المستشفيات خارج الخدمة بسبب نقص الكوادر الطبية وشح الأدوية.

 وأشارت إلى أن شبكة توصيل الكهرباء تعرضت لتدمير واسع، وأن المدارس ما زالت مغلقة ما يؤدي إلى تأخير عودة المواطنين إلى منازلهم.

من جهتها تقول، سوسن مدثر (35) عامًا التي تسكن منطقة “تلال” بمدينة شرق النيل، إن “المنطقة تعاني نقصًا كبيرًا على مستوى الخدمات الضرورية.”

وأضافت سوسن في حديثها لـ”أفق جديد”: “كل ما نطلبه إعادة الكهرباء والمياه للأحياء السكنية، وتوفير الدواء.”

بالنسبة إلى الناشط في العمل الإنساني بمنطقة شرق النيل، الصافي فخر الدين، فإن الأوضاع الإنسانية غاية في السوء والتدهور، وتحتاج إلى تدخلات عاجلة لتوفير الخدمات الضرورية.

وأوضح فخر الدين في حديثه لـ”أفق جديد”، أن المواطنين يعتمدون على المطابخ الخيرية لتوفير الغذاء والدواء، ولا بد من الدعم الإنساني العاجل من المنظمات لتغطية الاحتياجات اللازمة.

وأضاف: “بدأت العودة الطوعية بنسبة كبيرة، لكن نقص الخدمات يؤثر على تلك العودة، ونطلب من حكومة ولاية الخرطوم التدخل العاجل لمعالجة مشاكل الكهرباء والمياه والدواء.”

وتابع: ” الكهرباء والمياه تنقطع لساعات طويلة، على الرغم من نجاح حكومة الولاية في صيانة معظم محولات الكهرباء، التي تعرضت للتدمير جراء الاشتباكات والقصف المتبادل.”

 وقال المتحدث الرسمي باسم حكومة ولاية الخرطوم، الطيب سعد الدين، إن السلطات تسعى لإعادة الإعمار في الخرطوم وبحري وأم درمان، وإزالة الأنقاض وفتح الشوارع ودفن جثامين الضحايا من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها.

وأوضح سعد الدين في تصريحات إعلامية، أن حكومة الولاية شرعت في إزالة الأنقاض وهياكل المركبات المدنية والقتالية، والتنسيق مع القوات المسلحة لسحبها من الشوارع الداخلية.

وكشف سعد الدين عن خطة بديلة تتمثل في توفير الوقود لمحطة مياه المنارة، وإضافة مولد كهربائي جديد لزيادة الإنتاج، ورفع كفاءة المحطة التي تغطي معظم مدينة أم درمان، وحفر نحو 60 بئرًا جوفية لتوفير المياه خاصة مع بدء ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف.

وفي 7 مايو الجاري، أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بانخفاض عدد النازحين داخليًا في السودان بنسبة 7% عن آخر تحديث قبل أقل من شهرين.

وبلغ عدد النازحين في آخر تحديث صادر عن المنظمة في 13 مارس الماضي 11.301.340 شخصًا يقيمون في 10.285 موقعًا في جميع محليات البلاد البالغة 185 محلية تقع في 18 ولاية.

وقالت منظمة الهجرة، في بيان إن “إجمالي عدد النازحين انخفض بنسبة 7% بسبب حركات العودة، حيث يبلغ عددهم حاليًا 10.538.960 فردًا.”

وأشارت إلى أن 54% من النازحين داخليًا يُعتبرون من فئة الأطفال، حيث تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

وانتظم النازحون في العودة إلى ديارهم التي فرّوا منها هربًا من بطش الدعم السريع، بعد استعادة الجيش سيطرته على ولايات سنار والجزيرة والخرطوم وأجزاء من شمال كردفان.

وبدأ بعض اللاجئين البالغ عددهم 3.9 مليون شخص، في العودة إلى البلاد خاصة من مصر التي أوَت 1.5 مليون سوداني منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023.

وذكرت المنظمة أن ولاية الخرطوم فرّ منها 30% من إجمالي النازحين تليها ولاية جنوب دارفور بنسبة 20% وشمال دارفور بنسبة 18%.

وأوضحت أن عدد النازحين يشمل 8.131.747 شخصًا فرّوا عقب اندلاع النزاع، بينما البقية كانوا نازحين سابقًا وتعرّضوا لنزوح ثانوي بعد نشوب الحرب.

ويعيش معظم النازحين في ظل أوضاع إنسانية غاية في القسوة، نتيجة لضعف الاستجابة لاحتياجاتهم وتدمير سُبل العيش في الريف والحضر، قبل أن يتفاقم الوضع أكثر بعد انقطاع الكهرباء في مناطق واسعة نتيجة لشن الدعم السريع هجمات على معظم محطات الخدمة.

ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

Exit mobile version