القاهرة: محمد إسماعيل
أقام اتحاد تجمع الفنانين السودانيين في مصر بداره في وسط البلد، أمسية شعرية جمعت بين الشاعر والدرامي يحيى فضل الله والشاعر رفيق دربه قاسم أبو زيد، بمشاركة الفنان الهادي الجبل.
جاءت الليلة تحت عنوان (مؤانسة)، بحضور أهل الثقافة والأدب والفن والدراما والمسرح من المقيمين في قاهرة المعز .
لم تكن مجرد أمسية بل كانت تظاهرة حب وتقدير كبيرين للشاعر والمسرحي والقاص يحيى فضل الله، أتاحها لنا تجمع الفنانين السودانيين بمصر.
عن جماعة السديم المسرحية:
يمكن القول إن فترة الثمانينيات اتسمت بتحولات نوعية في المشهد الثقافي السوداني ذات ملمح (ديمقراطي) منها تأسيس اتحاد الكتاب السودانيين، وجماعة تجاوز، وفرقة السمندل الموسيقية، وجمعية التراث والثقافة العربية، وجماعة السديم المسرحية.
كان قاسم ويحيى من مؤسسي جماعة السديم المسرحية، التي قدمت العديد من النصوص المسرحية مثل (مسافر ليل) لصلاح عبد الصبور و(جندي بين الأموات) لأدونيس و(مأساة يرول) للخاتم عبدالله، وتوغلت أكثر فقدمت قصيدة (السيل) لمحمد طه القدال، كما انفتحت على تجارب المسرح العالمي .
عن يحيى فضل الله:
ممثل مسرحي تخرج في المعهد العالي للموسيقى والمسرح فى فترة الثمانينات، واشتغل كذلك بالتمثيل الإذاعي والتلفزيوني، قدم للشعر السوداني أجمل القصائد، غنى له مصطفى سيد أحمد مجموعة من الأغاني نذكر منها (يا ضلنا) و(أسئلة ليست للإجابة).
أصدر يحيى فضل الله عدة أعمال سردية بينها مجموعة قصصية بعنوان (حكايات وأحاديث لم تثمر)، إلى جانب (التداعيات)، وهي كتابة مزيج ما بين روح الشعر ونفس السرد الذي جعل الشعر والقصة متكاملين في تماهٍ يفضي إلى نتيجة واحدة هي محض إبداع، وتمكن من أدوات الاثنين. كانت أعماله القصصية محل احتفاء كبير من قبل النقاد. يذكر أن يحيى مقيم في كندا منذ التسعينيات.
أما قاسم أبوزيد فشاعر غير عادي، وهذا معروف ومؤكد بالضرورة، اختط لنفسه خطًا شعريًا ابتعد به عن حال السائد والمألوف، قصائده غير مكررة، تكسر إطار العادية والرتابة، فهو صاحب قلم مغموس في حبر التجديد والتجريب. وبرز صوته كشاعر ومخرج درامي شكل علامة في مجال النص الشعري والدراما المسرحية والمرئية من خلال عدد من الأعمال قدمها للجمهور، مثل مسلسل (أقمار الضواحي) بالإضافة إلى عدد من الأغنيات عبر صوت الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد مثل (نشوة ريد) و(علميني الاحتمال) و(سافر محطات الوداع ضجت)..
مقاربة في زمن الحرب:
آراء الحضور حول الليلة
تحدث الدكتور الناقد المسرحي علي سعيد الذي ابتدر مداخلته قائلاً لـ”أفق جديد”:
عبر التاريخ، ظل الشعر قرين الثورة، لا بوصفه خطابًا تعبويًا مباشرًا، بل باعتباره شكلًا من أشكال الوعي الجمالي المقاوم. فحين تعجز السياسة عن التعبير، ويغدو الواقع خانقًا، يلجأ الإنسان إلى الشعر لا ليهرب من العالم، بل ليعيد صياغته. الشعر، في هذا الإطار، لا ينفصل عن الفعل الثوري، بل يشكل طيفًا منه، يفكك القهر بالكلمات، ويكشف البنية العميقة للعنف، ويقترح صورًا بديلة للوجود. إنه أداة لقول (لا) بلغة (نعم) نعم للحياة، والكرامة، والحرية.
في زمن الحرب، يصبح الشعر ضرورة لا ترفًا، لأنه يمنحنا قدرة على المقاومة الرمزية، ويعيد إلينا إحساسنا بالذات الجمعية التي لا تقهر بسهولة. ويضيف: ومن هنا، تكتسب الأمسيات الشعرية والفنية أهمية مضاعفة إذ تتحول من لحظات ترفيه إلى طقوس مقاومة، ومن منصات تعبير فردي إلى فضاءات لبناء الوعي الجمعي. في هذا السياق، جاءت الأمسية التي جمعت بين الشاعرين يحيى فضل الله وقاسم أبو زيد، بوصفها لحظة شعرية كثيفة، تماهى فيها البوح مع العمق، والتجريب مع الانتماء. كلا الشاعرين ينتمي إلى جيل شعري سعى لكسر القوالب المألوفة، فأسس لمسارات جديدة في الكتابة، وأسهم في تطوير الأغنية السودانية عبر النصوص المتجاوزة، المنفتحة على التجربة والناس.
مؤانسة عميقة :
ويقول: الأمسية تميزت بروح المؤانسة العميقة. حيث تبادل الشاعران نصوصًا حملت الكثير من الوجع والحنين والأسئلة، لكنها لم تخل من الأمل. وتخللت الليلة وصلات غنائية قدمها الفنان الهادي الجبل، بأداء دافئ لامس قلوب الحضور خاصة أن معظم الأغنيات جاءت من كلمات الشاعرين، تحديدًا قاسم أبو زيد، مما أضفى على الأداء صدقًا مضاعفًا.. ومزجًا مدهشًا بين الكلمة واللحن، بين الشاعر والمغني، وبين التجربة الفردية والهم الجمعي. إن الحوار الذي دار على هامش القراءات اتسم بمزيج نادر من الثورية والحميمية؛
وكان صريحًا دون ضجيج. وناعمًا دون مهادنة. تحدث الشاعران عن دور الكلمة في مواجهة العنف وعن مسؤولية المثقف في لحظة الانهيار، وعن قسوة المنفى كمنفى للمعنى، لا للمكان فقط. كانت الليلة إعلانا غير صاخب، لكنه عميق ..
ويختتم الناقد المسرحي على سعيد حديثه بالقول:
إن الشعر ما يزال قادرًا على الفعل، وإن الفن حين يصغى له من القلب يمكنه أن يعيد التوازن في أكثر اللحظات اختلالًا.
قصائد ضد الحرب :
المخرج ناصر يوسف تحدث عن دور الشعر والمسرح والفنون أثناء الحرب التي طرأت علي المجتمع السوداني عامة، للموجودين داخل السودان والمقيمين خارجه، حيث ألقت هذه الحرب المفروضة على الشعب السوداني بظلالها الثقيلة والموجعة على أبناء الأمة السودانية مما ترك آثارًا نفسية واقتصادية بالغة التعقيد.
وقال في إفادته لـ “أفق جديد”: كان لابد أن يتصدى لمجابهة هذه المواجع المجتمعية نفر من الفنانين الموسيقيين والدراميين والتشكيليين، وكل الفنانين بتخصصاتهم المختلفة، بالإضافة إلى المثقفين والمفكرين، توجب عليهم أن يتصدوا لمعالجة هذه المشكلات التي أصابت المجتمع السوداني في مقتل، فكان للشعر والموسيقى والغناء دورًا فاعلًا موجبًا تجاه معافاة الناس من معاناتهم.. مؤكدًا على دور المسرحيين، حيث قاموا بتقديم المسرحيات بمراكز إيواء النازحين، وضمت مواضيع العروض المسرحية الكثير من القضايا الملحة والهامة ومن ثم تقديم الدعم النفسي ولفظ مفاهيم الاستعلاء الثقافي ونبذ العنصرية ومحاربة كل المشكلات المجتمعية.
ويرى يوسف أن الليلة الشعرية التى جمعت بين الشاعرين يحيى فضل الله وقاسم أبو زيد جاءت بذات الفعل الإيجابي تجاه إنسان السودان، حيث قدم المخرجان والشاعران قصائد محفزة إيجابيًا كرسائل تمثل ترياقًا ضد الحرب، كما قدم الفنان الملحن والمغني الجميل الهادي الجبل أغنيات ألهبت مشاعر الحضور .
أيضا التقينا بالمخرج السينمائي عبد الرحمن سوركتي وابتدر حديثه قائلًا لـ”أفق جديد”: سر تميز هذا اللقاء يكمن في علاقة هذا الثلاثي الفنية والفكرية، فجميعهم مبدع من طراز خاص، وجميعهم لهم موقف أخلاقي واضح، ويبذلون إنتاجهم الفني لخدمة قضايا المجتمع ومشكلاته الراهنة.
أنشد الشاعران يحيى فضل الله وقاسم أبو زيد مجموعة من نصوصهم المفعمة بالحيوية المليئة بالصور الواقعية الاجتماعية الشعبية الحميمة القريية من رجل الشارع وأحلامه وهمومه، وتغنى الهادي الجبل بالكثير من هذه القصائد موقعة بالحانه وصوته الطروب ..
ويضيف: أم الأمسية حضور جميل شغوف بالشعر وبالموسيقى ينشد الحرية والسلام، وتداخل نفر هميم بالنقاش الجاد والأسئلة القيمة مما زاد الأمسية ألقاََ وبهاء في حضرة من نهوى.
واختتم حديثه موجهًا صوت شكر لاتحاد تجمع الفنانيين السودانيين بمصر على هذه الأمسية الاستثنائية التى جمعت بين يحيى فضل الله وقاسم أبو زيد والفنان الهادي الجبل.