فرحة أخويَّة خاصَّة

 

“محمَّد خلف: 

ليت لي ولجمهرةِ الجَوعى، حِكمتَك”

عادل عبد الرَّحمن

 

بقلم: بابكر الوسيلة

منذ أن كنتُ صغيراً، كنتُ أُحِبُّ طريقتَه المهذَّبة في الكلام العاديِّ، ومشاركتَه لنا ألعابَنا المسلِّيةَ في حوش البيت. قليلاً قليلاً في مطالعة الحياة بالعمر، اكتشفتُ المذهل والما ورائيَّ في شخصيَّته الفذَّة العبقريَّة. جذبني، دون أن يشعر (وربَّما دون أن أشعر أنا) إلى عالمهِ المقروء ومحيطهِ المعرفيِّ الأخَّاذ. وحين بدأتُ كتابةَ الشِّعرِ في منتصف الثَّمانينيَّات كان ذلك نتيجةَ نفحةٍ من أثَر عالمه المهول عليَّ. صرتُ أكتب وأنا أكثرُ تلهُّفاً لقراءة الَّذي أمامي من مكتبته العامرة، وإذِ امتدَّت يدي إليها وأمسكتْ واستمسكَتْ بديوان النُّور عثمان أبَّكر المِضيافِ السِّحر “صحو الكلمات المنسيَّة”، بغلافِه الأملسِ ذي اللَّونين الأخضر والأصفر، أدركتُ أنَّ الشِّعرَ يُمكِنُ أن يُكتَبَ بطريقةٍ مختلفة، إلى جانب تلك العموديَّةِ المُستوحِشة؛ كان ذلك فتحاً عظيماً لروحي ولحياةٍ ذهبت بي في اتِّجاهٍ آخَرَ غير الَّذي كنت أظنُّه لنفسي.

والآن، حين يَخرُجُ كتابُه الأوَّلُ إلى حياة الكتب والنَّاس والعالم، بعد كلِّ هذا التَّحصيلِ المتشعِّبِ الَّذي لا يتوقَّف، فإنَّ ذلك يُضيفُ إلى أشجاريَ المتشابكةِ مع ذاكرته أفقاً جديداً يتشابى إلى ما وراء الغابة المعرفيَّة، ويُضيفُ أغنيةً جديدةً إلى الرُّوح الغامض، كما أنَّه يفتحُ درباً في فجاجِ مجتمعِه الَّذي يسعى إلى حياته في النُّور بكلِّ ما وهبه الله من رجاحةِ عقلٍ وسماحةِ روحٍ وانفتاحةِ معرفة؛ فكم عمِلَ بكلِّ مثابرةٍ يتحلَّى بها، على إقامة مؤسَّساتٍ ثقافيَّةٍ حرَّةٍ في الجسدِ السُّودانيِّ الضَّامر، والَّذي يُعاني من سوء تغذيةٍ ديمقراطيَّةٍ على مرِّ تاريخٍ طويلٍ من الهزال.

  سُرُوري بالغُ الرَّقصِ، وعناقي لكَ دائمُ الجداولِ يا محمَّدُ يا أخي الأكبرَ الأعظم، وكم كان سيُضيئُ وجهُ أمِّي أكثرَ لو أنَّها رأت كتابك كثمرةٍ ناضجةٍ تدخل البيتَ من ضمن ثمارِك المتعدِّدة، والَّتي هي ثمرةٌ عظيمة، دون رَيب، من ثمارِ تربيتها وأخذِها بيدك لمدارجِ الدَّرسِ الأوَّل.

أعلمُ أنَّ هناك كتباً ستأتي بعد هذا، فكم يحتاج مجتمعنا إلى مثل فكرك وقلمك، وفوق هذا وذاك، إلى الحقيقيِّ من فاتحي دروب الأمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى