مأساة مركز العزل بمستشفى النو…

خيمة تسع الموت والحياة أًحيانًا!

أم درمان- أفق جديد 

بخطوات مترددة، تدخل إلى مركز العزل التابع لمستشفى النو، فتتلقى الصدمة قبل أن يسبقك إليها البكاء. جثة ملقاة عند المدخل، بلا غطاء أو اهتمام، تروي بصمت ما لا تقوله الكلمات: قسوة المرض، وفداحة الإهمال.

المكان، الذي كان يومًا خلوة لتعليم القرآن، تحول إلى ساحة للبؤس؛ خيام مهترئة تتراص بلا نظام، مغطاة بقطع من المشمع لا تحمي من شمس ولا ترد عن أجساد المرضى سموم الجو. وسط هذا الواقع، يعيش المرضى والمرافقون معركة يومية، لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة.

المرضى يحتاجون يوميًا إلى 4 أو 8 محاليل وريدية، قد يصل سعر الواحد منها إلى 12 ألف جنيه، العلاج مكلف، والتحاليل تجرى خارج المركز، والأدوات البسيطة مثل “الفراشة” و”اللصقة” يجبر المرضى على شرائها، كل شيء بثمن، وكل خطوة نحو العلاج محفوفة بالتكاليف.

أما المرافقون، فيحملون المحاليل بأيديهم لغياب الحوامل، ويسعون بحثًا عن ظل لمرافقيهم، فيجدونه أحيانًا تحت شجرة ملتهبة أو فوق قطعة إسفنج جلبوها من منازلهم، الكراسي متهالكة، الأرض مغبرة، والخوف حاضر في الوجوه.

وسط هذا كله، يبذل شباب الطوارئ في مستشفى النو جهدهم المتواضع، يعقمون أيدي الداخلين، يوزعون كمامات وقفازات، ويحاولون بما تيسر لهم احتواء انتشار العدوى في مكان يعج بالازدحام واليأس.

غير بعيد من المركز، يعيش سكان الحارة الثامنة قلقًا مضاعفًا بعد تسجيل خمس حالات إصابة بالكوليرا في منطقتهم، خرجوا في احتجاجات يطالبون فيها بنقل مركز العزل خارج الحي السكني، خوفًا من كارثة صحية وشيكة.

على الجهة الشرقية من المستشفى، يصطف المواطنون في طوابير للحصول على الماء، في مشهد يختلط فيه العطش بالعدوى، بعد تدفق أعداد متزايدة من المصابين بالكوليرا، وبدء ظهور إصابات في صفوف الكوادر الطبية.

مأساة مركز العزل ليست مجرد أرقام أو حالات إصابة، بل صورة حية لانهيار النظام الصحي، هي حكاية إنسان يواجه الموت بأدوات من ورق، وجسد يذبل في خيمة لا تقي حرًا ولا بردًا، في انتظار معجزة تتأخر كل يوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى