من تحت ركام الحرب… هل تنهض نيالا مجددا؟
نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، تحاول الإفلات من قبضة الانفلات الأمني وانتشار السلاح بعد عامين من الحرب ويزيد.
انتشرت الشرطة في الأسواق والمستشفيات والشوارع الرئيسية للحفاظ على النظام.
رغم تحسن الأوضاع الأمنية، يظل هناك مخاوف من الغارات الجوية وحملات الاعتقال.
الجهود المبذولة تشمل مكافحة الجريمة وتنظيم الأسواق. يطالب السكان بمزيد من الانضباط الأمني واستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء.
استفاهمات:-
كيف ستنجح الإدارة المدنية التي كونتها قوات الدعم السريع في إعادة سبل الحياة لنيالا.
هل يشهد الوضع الأمني في المدينة تحسنا مع انتشار الشرطة؟
إلى أي مدى يمكن أن تنجح المبادرات الطوعية في إعادة تأهيل المرافق الخدمية المدمرة.
وقائع :
بلغ سعر برميل المياه في المدينة 7 آلاف جنيه.
يعاني حوالي 10 آلاف نازح جديد بالمدينة من أوضاع إنسانية سيئة وفق الإدارة المدنية بجنوب دارفور.
تقرير : من تحت ركام الحرب… هل تنهض نيالا مجددًا؟
انتشار شرطي في المدينة للحد من الفوضى والجريمة وانتشار السلاح
لجنة مكافحة الظواهر السلبية هل تكبح جماع العصابات الإجرامية والعناصر المتفلتة للدعم السريع
مخاوف السكان متزايدة جراء الغارات الجوية على المدينة ومن حملات الاعتقال
لأجل إعادة الحياة… نيالا تقاوم انقطاع الكهرباء وانعدام المياه
نيالا – أفق جديد
تحاول مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، الإفلات مجددًا من قبضة الانفلات الأمني وانتشار السلاح، وذلك عن طريق فرض النظام.
وبدا ملاحظًا الانتشار المكثف لعناصر الشرطة بزيهم الرسمي في الأسواق والمستشفيات والشوارع الرئيسة، لحفظ النظام في المدينة التي مزقتها الحرب لعامين ويزيد.
وضاعف من معاناة سكان نيالا خلال الآونة الأخيرة انتشار السلاح والفوضى والجريمة في المدينة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ أكتوبر 2023.
مدينة عصابات
أنشأت قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى لسيطرتها على نيالا إدارة مدنية حتى تدير شؤون الحياة فيها وتوفر الخدمات الأساسية للسكان.
إلا أن الفوضى عمت وسادت الجريمة وأسهم في ذلك انتشار السلاح بصورة كبيرة؛ لتنزلق نيالا في أتون عالم فوضوى وتحولت إلى مدينة عصابات في وقتٍ قصير,
وكادت المدينة أن تقع في مستنقع من الانتهاكات والجرائم المتواصلة، لكن انتباهة أخيرة في نهاية شهر أبريل الماضي حدت من الجرائم وأعادت الأمان.
وشهدت أسواق المدينة الكبيرة “السوق الشعبي وموقف الجنينة والسوق الكبير” استقرارًا أمنيًا، وحركة طبيعية للناس وللتبادل التجاري بين الأسواق والمحلات.
وذلك بعد أن فرضت القوات الشرطية سيطرتها على جميع الأسواق والمستشفيات، وتمركزت في نقاط التفتيش والارتكازات.
مخاوف جديدة
تباينت آراء المواطنين بشأن الأوضاع الأمنية في مدينة نيالا، يتحدث البعض عن استقرارها، بينما يرى آخرون أنها في طور التحسن ولابد من العمل على تحسينها أكثر.
إلا أن الأمر الذي يثير مخاوف المواطنين هو تنامي حملة اعتقالات في عدة مناطق بمحليتي نيالا شمال وجنوب بعد كل قصف جوي لقوات الجيش على المدينة.
كما حدث في 3 مايو الماضي، حينما تعرض مطار نيالا الدولي لقصف بطائرتين مسيرتين؛ أدى إلى تدمير طائرة شحن تابعة لقوات الدعم السريع.
وهي الحادثة التي وثقها مختبر الأبحاث الإنسانية التابعة لمدرسة الصحة العامة في جامعة بيبل الأمريكية في الولاية المتحدة الأمريكية، بحسب المختبر من خلال صور الأقمار الاصطناعية.
تحسن مستمر
يرى التاجر في السوق الشعبي، أحمد محمد، أن الأمن في نيالا بات أفضل في الوقت الحالي وهو في تحسن مستمر؛ مقارنة مع الأشهر الماضية.
وقال: إن “ما تحتاجه نيالا في هذه المرحلة هو انضباط الأجهزة الشرطية وعدم التساهل مع مرتكبي الجريمة، سواء أكانوا من فئة المستنفرين التابعين للدعم السريع أو المجرمين الآخرين”.
بدورها اعتبرت ربة المنزل مريم هارون، أن الأوضاع الأمنية في تحسن مستمر، رغم إقرارها بوجود بعض القصور تأثرًا بوضع الحرب وانتشار السلاح.
وأضافت، أن “نسبة الجرائم انخفضت في المدينة بالمقارنة مع الشهور الماضية التي أعقبت سيطرة قوات الدعم السريع على قيادة الفرقة السادسة عشرة مشاة للجيش”.
من جانبه يؤكد التاجر بالسوق الشعبي الرشيد آدم، أن دور لجنة مكافحة الظواهر السالبة، والشرطة في مكافحة مروجي المخدرات أسهم في خفض الجريمة.
وقال إن عناصر الدعم السريع يتاجرون في المخدرات مما تسبب في ضياع العديد من الشباب، ودفعهم لارتكاب الجرائم جراء انتشار السلاح بصورة مرعبة في المدينة.
وأضاف: “المخاوف حاليًا من عمليات الخطف والنهب، والاغتيالات، والقتل”.
تقول الموظفة آمال يعقوب إن الحالة الأمنية في نيالا لا يُمكن فصلها عن الوضع في مختلف مدن البلاد التي تعيش تدهورًا أمنيًا مريعًا.
بينما يقول صاحب محل “إنترنت” فضل عدم ذكر اسمه إن قوات الشرطة تؤدي دورها بالرغم من وجود تجاوزات من قبل منسوبي قوات الدعم السريع.
خطوة نحو التعافى
عمل تجار وأصحاب أعمال ومبادرات شبابية على ترميم السوق الكبير وإزالة حطام الحرب، وبدأوا في ممارسة أعمالهم التجارية.
قال محمد سني تاجر الوقود في “سوق قادرة”، الذي تمت إزالته بأمر من لجنة أمن ولاية جنوب دارفور منذ 16 أبريل الماضي، بحجة إنه أصبح مهددًا أمنيًا للولاية، قال إنه بدأ مزاولة عمله شرق قيادة الفرقة السادسة عشرة مشاة.
وأضاف: “يجب أن ينهض السوق الكبير، يجب أن ننهض من جديد”.
مشاهد الدمار
في الطريق إلى موقف شبكة المواصلات – سابقًا “سوداني” – الذي كان يعج بالسيارات والركشات تصطف ستات الشاي والقهاوي، وأصحاب المطاعم، بينما العربات والركشات تُسير ببطء، وتشاهد آثار الدمار الذي طال مبنى شركة سوداني في مدينة نيالا.
من الخارج بدأت جدران مليئة بثقوب الرصاص، وقصف الطائرات والأسلحة الثقيلة الذي خلّف فجوات شاهدة على الاستهداف المباشر الذي كان كافيًا أحيانًا لاختراق طبقات الإسمنت، بينما تناثرت شظايا الزجاج المحطم في بوابة الشركة.
ولم يكن الدمار مقتصرًا على شركة سوداني للخدمات المحدودة، بل امتدت الفوضى إلى الدكاكين جنوب الشركة التي لم تسلم جدرانها من الرصاص، وآثار القذائف المدفعية واضحة، وأغلب أبواب الدكاكين مفتوحة.
تتراكم المعدات والأدوات المحطمة في كل مكان، كراسي ونوافذ وأبواب محطمة موزعة في كل الأنحاء، كأنها توثق لحظات الفوضى التي سادت السوق الكبير قبل أن يغادره جميع من كان فيه.
جهود لإعادة الحياة ولكن
تتواصل الجهود الخدمية والشبابية في مدينة نيالا بهدف خدمة الأهالي وإعادة إحياء المدينة بعد عامين من الدمار والمعاناة جراء الحرب.
وبشأن الوضع الخدمي والتطوعي قال محمد أبكر: “قامت مبادرة شبابية بإزالة الأنقاض وتنظيف الشوارع والطرقات الرئيسية والسوق الكبير”.
وأضاف: “هذه المبادرة الشبابية تعد من أهم المبادرات على مستوى المدينة، حيث تتم الآن بشكل تطوعي بحت”، مستعبدًا أن تكون هذه المبادرات بدعم من قوات الدعم السريع.
وبخلاف ذلك، تبدو وعود الإدارة المدينة التابعة لـ”الدعم السريع” بعودة كافة سُبل الحياة للمدينة صعبة المنال إن لم تكن مستحيلًا، بينما ترنو عيون سكان نيالا نحو تغيير منشود وعدوا به، لكنهم يقولون إن شيئًا من ذلك لا يحدث.
فلا زالت البنية التحتية للمدينة مدمرة بشكلٍ شبه كامل، فلا كهرباء ولا ماء، وقد بلغ سعر برميل المياه 7 آلاف جنيه.
وبخلاف ذلك تشهد مدينة نيالا مشاكل معقدة في القطاع الصحي والخدمي، كما تعاني من الغارات الجوية التابعة للجيش السوداني.