مسرح وراديو وتلفزيون

 

السر السيد

 تميز فن المسرح منذ فجر تاريخه وإلى الآن بأنه كان باستطاعته وعلى الدوام أن يتوفر على تقنيات تمكنه من “المساومة”، وصولًا إلى تطويع أو إعادة إنتاج أو تعديل النصوص الأدبية، ونصوص الراديو والتلفزيون والسينما والمسرح نفسه، بل وفنون الأداء كالرقص والغناء والموسيقى وتحويلها إلى عرض مسرحي أو إدماجها في سياقاته، لذلك وربما وبسبب هذه الخاصية سمي بأبي الفنون.

في هذه المقالة سأتوقف ودونما تفاصيل عند تجربة المسرح السوداني في تفعيله هذه التقنيات وصولًا إلى ما يمكن أن أسميه بـ”المعالجات الدرامية” لنصوص ليست مسرحية، وتحويلها إلى نصوص مسرحية، ولأنها من الكثرة بمكان وأكتفي بإيراد بعض النماذج، والأمر بعد ذاك متروك للنقاد والباحثين لسبر أغوار هذه التجربة.

في دراما الراديو وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد مسرحيات شهيرة مثل: “حكاية تحت الشمس السخنة” لصلاح حسن أحمد، و”وادي أمسدر” لمحمد خوجلي مصطفى، وأخرجهما للمسرح حسبو محمد عبدالله، وقد كانتا في الأصل مسلسلين قدمتهما الإذاعة السودانية، وأخرجهما صلاح الدين الفاضل، ونجد مسرحية “كشك ناصية”، لحمدناالله عبدالقادر وأخرجها للمسرح محمد شريف علي، وقد كانت في الأصل تمثيلية قدمها التلفزيون القومي.

 

 

أما في مجال السرد،”قصص قصيرة وروايات”، فسنجد قصة “طقوس العودة” لبركة ساكن، التي أعدها وأخرجها للمسرح معمر القذافي محيي الدين وسماها (الرجل الذي هرب إلى هناك)، ونجد قصة “حملة عبد القيوم الانتقامية” لبشرى الفاضل التي أعدها ذو الفقار حسن عدلان، وسماها (البلدوزر)، ونجد قصة “القيد حرن” لعبدالله علي إبراهيم التي أعدها هو نفسه للمسرح وسماها (حار جاف مترامي الأطراف)، وأخرجها الشفيع إبراهيم الضو، ونجد قصة “الرجل النملة”، ليوسف إدريس التي أعدها للمسرح وبنفس عنوانها بروف سعد يوسف وقدمتها جماعة السديم المسرحية.

أما في الرواية، فسنجد رواية “ضو البيت – بندر شاه”، التي أعدها للمسرح وبنفس عنوانها الشاعر محمد محيي الدين وأخرجها قاسم أبو زيد، ونجد رواية “فرسان الرمال” لجورج أمادو التي أعدها وأخرجها للمسرح وبنفس عنوانها عبدالمنعم إبراهيم “منعم شوف”، ونجد رواية “الحب في زمن الكوليرا لماركيز التي أعدها أمين صديق وسماها (الرحلة الطويلة)، وأخرجها حاتم محمد علي، ونجد رواية “ايتوكا والبحيرة”، لعبدالباقي مختار التي أعدها وأخرجها وبنفس الاسم هجو مختار.

أما في مجال الشعر فسنجد قصائد كثيرة تحولت إلى عروض مسرحية نذكر منها “السيل” للقدال، وقد أعدها وأخرجها وبنفس الاسم مع جماعة السديم المسرحية عادل السعيد، و”مسدار أبو السرة لليانكى” للقدال، التي قدمتها جماعة مسرح شوف، وقصيدة “العودة إلى سنار”، لمحمد عبدالحي التي أعدها وأخرجها أبوبكر الشيخ وسماها (وجهنا)، وقصيدة “ساعة المجلس البلدى”؛ للشاعر قاسم أحمد التي أعدها خالد طه الدرديري وسماها (الساعة طابقت الحقيقة)؛ وأخرجها معمر القذافي.

في مجال الحكايات الشعبية والأساطير والتاريخ الشفاهي أو المكتوب التي مثلت مجتمعة مصدرًا مهمًا من مصادر النص المسرحي السوداني، فسنشير على سبيل المثال لا الحصر ودونما تفاصيل على مسرحيات، “مصرع تاجوج والمحلق” و”خراب سوبا” لخالد أبو الروس، و”نبتة حبيبتي” لهاشم صديق، و”حصان البياحة” ليوسف عيدابي، و”سلمان الزغرات” لعثمان جمال الدين وعلي مهدي، و”مأساة يرول” للخاتم عبدالله، و”تصريح لمزارع من جودة” لبروف عبدالله على إبراهيم، و “ثورة ٢٤” للمناضل العمالي والكاتب المسرحي عبدالله بشير.

أما في مجال الاشتغال على النصوص المسرحية نفسها لا بمعنى الإعداد والسودنة وإنما بمعنى إنتاج كتابة تنهض على الثيم الأساس للنص ولكنها تفارقه وتنتج نصاً آخر، هنا نستطيع أن نذكر مسرحيتي (المك نمر، وحكواتي نبتة)، للكاتب والمخرج عبد العظيم حمدنا الله، فالأولى احتفظت بنفس عنوان النص الأصلي لكاتبه الشاعر إبراهيم العبادي، بينما في الثانية تغير عنوان النص من (نبتة حبيبتي)، لكاتبه الشاعر هاشم صديق إلى (حكواتي نبتة)… نلفت النظر هنا إلى أن عبدالعظيم حمدنا الله، وفي تجربة تعد نادرة إن لم تكن معدومة في التجربة المسرحية السودانية، عمد إلى الاشتغال على نصين يعدان مركزيين في متن النص المسرحي السوداني، ووفِّق لحد كبير في إنتاج كتابة حولت مسار النصين إلى وجهات أخرى مما يعني أنه تعدى صيغة الإعداد إلى كتابة نص مغاير.. أيضًا نستطيع وفي السياق ذاته أن نذكر مسرحية (لير السوداني) للمخرج ربيع يوسف، التي مزج فيها وبما يشبه التلاقح بين مسرحية (الملك لير) لشكسبير ومسرحية (الحريق)، للعراقي قاسم محمد في محاولة لمقاربة واحدة من أعقد مشاكل السودانيين، وأعني هنا (تقسيم الوطن) كمهدد أساس للوحدة والعيش المشترك، وهو ما يعني كما أرى أن نص (لير السوداني)، تعدى الإعداد والسودنة إلى محاولة إنتاج نص مغاير وقائم بذاته.

 

وبرغم أنني لم استفض في ذكر النماذج في كل مجال إلا أنني أستطيع القول إن المسرح السوداني مثل غيره من مسارح العالم اشتغل على نصوص أدبية وفنية، وعلى أعمال درامية سبق عرضها عبر وسائط أخرى، وعلى حكايات وأساطير وتواريخ مكتوبة وشفاهية، وبسعته ومرونة تقنياته استطاع أن يحولها إلى عروض مسرحية شاهدها الناس وشهدوا بتفردها فمن منا لم تأسره مسرحية مأساة يرول، أو مسرحية وادي أم سدر، أو مسرحية ضو البيت.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى