أفق جديد
مع دخول حرب السودان عامها الثالث، تعيش مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور مأساة مروعة، وانتهاكات شملت القتل والحرق والتهجير القسري والحصار الطويل، وفي ظل الأوضاع الحالية فإن كارثة إنسانية تلوح في الأفق وتنذر بالمزيد من المعاناة الإنسانية.
وأبلغ شهود عيان “أفق جديد”، أن سعر جوال السكر في مدينة الفاشر بلغ 2 مليون جنيه، وجوال الدقيق، 2 مليون جنيه، وكيلو العدس 200 ألف، والبصلة الواحدة 8 آلاف جنيه.
متحدثًا لـ”أفق جديد”، يسرد أحد مواطني الفاشر، ويقيم حاليًا في مدينة ود مدني، أن شقيقته التي لا تزال عالقة الفاشر أبلغته بسوء الأوضاع جراء الجوع والمرض.
وأضاف قائلًا: “شقيقتي وأطفالها يضطرون للاحتماء داخل حُفر أرضية بالمنزل بسبب القصف العشوائي والدانات”.
وتابع، “أهلي داخل الفاشر يعانون بشدة، والوضع معقد للغاية في ظل الحصار المفروض على المدينة”.
وقالت القوات المشتركة إن “مليشيا الدعم السريع” أحرقت ما لا يقل عن 40 قرية في محليات الفاشر، بولاية شمال دارفور غربي السودان مما تسبب في نزوح جماعي ومقتل عدد كبير من المواطنين.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم المشتركة، أحمد حسين مصطفى، أن “مليشيات الدعم السريع وحلفاؤها بعد هزائمهم النكراء على أسوار مدينة الفاشر، بلغت حتى الآن 205 هزيمة، ومقتل معظم قياداتهم الميدانية، وأيضًا القضاء على قواتهم الصلبة، فشلوا على الأرض تمامًا والآن لجأوا إلى وسائل وخطط بديلة وهي ضرب الحواضن الاجتماعية في عملية انتقامية واضحة”.
وأضاف، “جمعت المليشيا كل قوتها وشنت هجومًا على معسكر زمزم للنازحين وارتكبت فيه جرائم وانتهاكات خطيرة جدًا، وأيضًا أحرقت المليشيا ما لا يقل عن 40 قرية في محليات الفاشر، دار السلام، وكلمندو، بولاية شمال دارفور مما تسبب في نزوح جماعي ومقتل عدد كبير من المواطنين”.
وتابع، “والآن يتعرض معسكرا نيفاشا وأبو شوك بمدينة الفاشر، اللذان يأويان أكثر من 400 ألف نازح، إلى تدوين مدفعي مكثف صباحًا ومساءً، وهناك عشرات القتلى والجرحى بشكل يومي وكل هذه الانتهاكات بإشراف ورعاية المجرم عبد الرحيم دقلو”.
ومضى المتحدث قائلًا: “أما محاولة تفريغ المواطنين من مدينة الفاشر وإخراجهم إلى مناطق آمنة هي تغطية لمواصلة عملية الإبادة الجماعية، وهي مسرحية عبثية من إنتاج القتلة لأن هناك عمليات قتل واسعة تعرض لها الناجون من محرقة مخيم زمزم وهم متجهون إلى منطقة (طويلة)، وأيضًا هناك عمليات اغتصاب واختطاف تتعرض لها الناجيات من معسكر زمزم في طريقهن إلى طويلة”.
ووفق تنسيقية لجان مقاومة الفاشر (نشطاء)، فإن أسعار السلع الغذائية تقصم الظهر وتنهك الفقراء، وأن الأسعار سجلت أرقامًا تفوق التصور وتؤكد استحالة عيش المواطن البسيط.
وحسب التنسيقة فإن سعر جوال الدخن بلغ 880 ألف جنيه، وجوال الذرة 770 ألف جنيه، عبوة الزيت 560 ألف جنيه، العدسية 35 ألف جنيه، ورطل الويكة 70 ألف جنيه، ورطل الصلصة 15 ألف جنيه.
وأضاف البيان، “هذه ليست مجرد أرقام بل صكوك حكم بالإعدام البطيء لأسر لا تملك ما تسد به رمق أطفالها، والمواطن البسيط في الفاشر يقف بين نار الجوع القاتل أو مغامرة الخروج في شوارع تهددها الاشتباكات والخطر”.
وذكرت التنسيقية في بيان تلقته “أفق جديد”، أن “الواقع الصحي ليس أقل مأساوية، فالمستشفيات شبه مغلقة، وتعاني من نقص فادح في الأدوية والمستلزمات، والأطباء يعملون في ظروف مستحيلة وسط شح المياه والكهرباء وانقطاع الإمدادات الطبية، وحالات سوء التغذية تتزايد بشكل يومي خاصة بين الأطفال في ظل غياب أي تدخل فعّال من الجهات الرسمية أو المنظمات الإنسانية”.
وتابع البيان قائلًا: “وسط كل هذا يصمت العالم أو يكتفي ببيانات القلق بينما يموت الأبرياء ويتركون لمصيرهم وكأن الفاشر خارج خارطة الاهتمام الدولي، والسكان يناشدون ويستغيثون ويكتبون لكن من يقرأ ومن يسمع؟ فما يحدث في الفاشر اليوم ليس مجرد أزمة بل كارثة إنسانية مكتملة الأركان، تنذر بمزيد من المعاناة إذا استمر الصمت الدولي وتجاهل نداءات الاستغاثة”.
مؤخرًا، حذّر ناشطون من انهيار وشيك للوضع المعيشي في مدينة الفاشر بعد نفاد أغلب السلع الضرورية من الأسواق المتبقية، مما يهدد بوفاة آلاف العالقين جوعًا.
وضاعف الحصار الذي تفرضه قوات “الدعم السريع” على العاصمة التاريخية لإقليم دارفور منذ أبريل 2024 من معاناة سكان المدينة، حيث تسبب في انعدام الغذاء والدواء بصورة كبيرة، وسط مخاوف جدية من تفشي المجاعة والأمراض الفتاكة.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثًا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003، بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعًا مسلحًا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
ومنذ أبريل/ نيسان 2023، يشهد السودان حربًا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.