في زمن الحرب… عيد بلا أضحية ولا فرح

أفق جديد

لم يكن أمام “آمنة الفكي”، ذات الاثنين وأربعين عامًا، إلا أن تنسج من السراب أملًا، وتقدمه لأطفالها على هيئة خروف أضحية. لم تكن تملك شيئًا، لكن عيد الأضحى يطرق الأبواب، والأطفال… ينتظرون.

عادت آمنة من رحلة نزوح طويلة، أنهكتها الأيام التي قضتها في المخيمات، وذاقت فيها طعم العجز، والسكنى القسرية بين جدران مدرسة في حلفا الجديدة.

والآن، ها هي تعود إلى قريتها الصغيرة بولاية الجزيرة، تحمل على كتفيها عبءَ أمٍ، ووجع وطن.

قالت بصوتٍ يشبه الهمس لـ”أفق جديد”، وقد اختارت لنفسها اسمًا مستعارًا لحماية ما تبقى من خصوصيتها: “عدنا بلا شيء… لا بيت، لا مال، فقط نحن وبعض الأمل الممزق”.

ثم صمتت، قبل أن تتابع وقد غصّ صوتها:

“أعلم أن الرفض الصريح أرحم من الوعد الكاذب… لكن ماذا أقول لهم؟ أسئلتهم لا تنتهي، وقلوبهم الصغيرة لا تعرف معنى العجز. هم فقط يريدون أن يفرحوا، أن يشعروا بأن العيد قادم… مثل كل الأطفال”.

يقول الباحث الاجتماعي، خضر الخواض في حديثه لـ”أفق جديد”: “يعتبر عيد الأضحى المبارك من أهم المراسم الدينية للمسلمين، ويأتي هذا العام في ظل استنزاف المقدرات المالية وازدياد حدة الفقر والبطالة وتفشي الأمراض الصحية”.

وأدى الصراع المسلح المستمر في السودان منذ منتصف أبريل 2023 إلى تدهور اقتصادي كبير، وتشير غالب المؤشرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم والفقر والبطالة، إلى تراجع في أداء الاقتصاد الكلي.

وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، انخفاض معدل التضخم في أبريل 2025 بنسبة 17.38% مقارنة بشهر مارس الماضي، إذ بلغ معدل التضخم 173.70% في شهر مارس الماضي.

وفي ظل الحرب يعيش السودان أزمة اقتصادية طاحنة، حيث انخفضت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، وتدهورت الخدمات الأساسية، وزادت تكلفة المعيشة بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات مع اقتراب عيد الأضحى.

ومع استمرار النزاع المسلح، يعاني الموظفون في القطاع العام والخاص من توقف الأعمال والمرتبات، في ظل ارتفاع تكاليف الحياة اليومية والتضخم الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد، مع شح الخدمات الأساسية وانهيار القطاع الصحي.

ويحاول غالبية المواطنين البدء في رحلة العودة للحياة العملية من الصفر لتعويض الخسائر المادية الكبيرة.

وغابت تجهيزات عيد الأضحى وحركة الأسواق في عدد من المناطق المتأثرة بالحرب بسبب انعدام السيولة واشتداد حدة الفقر والبطالة نتيجة لتوقف الأعمال.

يقول تاجر الماشية بسوق “الكريبة” بولاية الجزيرة، عبد الله الفاضل: إن “خراف الأضاحي متوفرة في السوق لكن أسعارها غالية بسبب تداعيات الحرب”.

وأوضح الفاضل في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الأسعار تتراوح ما بين (500 – 800) ألف جنيه، بالنسبة للخراف الكبيرة والمتوسطة، لكن القوة الشرائية ضعيفة.

وأشار إلى التراجع الحاد للقوة الشرائية للمواطنين بسبب النزوح والتشرد، وأن المواطن يعيش حاليًا أوضاعًا سيئة.

من جهته رأى تاجر الماشية بسوق “المدينة عرب”، في ولاية الجزيرة، خالد التهامي، أن خراف الأضحية متوفرة، لكن القوة الشرائية ضعيفة جدًا بسبب الحرب والنزوح.

وأشار التهامي في حديثه لـ”أفق جديد”، إلى أن القوة الشرائية ضعيفة بسبب ارتفاع معدل الفقر والبطالة.

وأضاف، “الناس عادت إلى منازلها المدمرة من رحلة نزوح طويلة، ولا تستطيع شراء الأضحية”.

بدوره يقول المواطن عيسى الشيخ: إن “بعض الناس يفكرون حاليًا في توفير الوجبات اليومية والعلاج وليس ذبح الأضحية”.

وأضاف الشيخ في حديثه لـ”أفق جديد”، “الحرب أفسدت الحياة والمناسبات العظيمة خاصة الأعياد، ونأمل أن تعود الحياة إلى طبيعتها”.

يقول الباحث الاجتماعي، خضر الخواض: “من واقع الحال في ظل الحرب المستمرة لأكثر من عامين توقف دولاب العمل وخروج كثير من المؤسسات الاقتصادية الحكومية والخاصة، وكذلك المهن الحرة توقف منسوبوها عن العمل، إضافة إلى ضعف عمليات النشاط الإنساني حيث يلاحظ سوء الحالة المعيشية للسودانيين بمختلف أنماط حالة وجودهم تتوحد المعاناة لدى البعض في مناطق الحرب والنازحين، كذلك الموجودين في بعض المناطق التي لم تصلها الحرب والمتأثرة بآثارها بالإضافة إلى السودانيين اللاجئين”.

وأضاف الخواض في حديثه لـ”أفق جديد”، “لعل أن بعض السودانيين تحولت مهنهم إلى مهن أخرى ذات دخل ضعيف لضيق فرص العمل، وبعضهم يعتمد على بعض الإعانات من منظمات خيرية أو من أقاربهم ومعارفهم المغتربين خارج السودان الذين تحملوا فوق طاقتهم، خصوصًا مع استمرار الحرب وتدهور الحالة الإنسانية والصحية”.

وتابع الخواض قائلًا: “تغيرت طباع السودانيين ما بعد الحرب من الكماليات إلى الأولويات. مضيفًا: يعود ارتفاع أسعار الماشية لعدة أسباب منها، أن مناطق الإنتاج والتربية تأثرت بالحرب وتوقفت أنشطة التسويق، وكل ذلك ينعكس سلبًا على تمكن كثير من السودانيين من شراء الأضاحي في الأماكن المختلفة التي تؤثر على الأوضاع النفسية للذين لم يتمكنون من ذلك”.

واشتكى عدد من التجار من عدم قدرتهم على مجاراة الأسعار غير المستقرة، مما اضطرهم أحيانًا إلى التوقف عن عمليات البيع بسبب التضخم.

ويُقاس معدل التضخم السنوي بالتغيير في المستوى العام للأسعار للشهر الحالي مقارنة بنظيره في العام الماضي، مما يعني قياس تغير الأسعار على مدار عام كامل.

وقال الجهاز المركزي، في بيان، إن “معدل التغيير للمستوى العام للأسعار ــ التضخم ــ في شهر أبريل 2025 ارتفع بنسبة 156.32 عن نظيره في العام السابق”.

ونوّه إلى أن “معدل التضخم لأسعار السلع الاستهلاكية والخدمية لمجموعة الأغذية والمشروبات زاد بنسبة 108.80% خلال شهر أبريل السابق مقارنة بنظيره في العام الماضي”.

ويعتمد جهاز الإحصاء في قياس التضخم على 663 سلعة تمثل نمط استهلاك المجتمع بفئاته الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية في الريف والحضر، ومقسمة إلى 12 مجموعة، في مقدمتها الأغذية والمشروبات، تليها التبغ ثم الملابس والأحذية، إضافة إلى السكن والكهرباء والوقود والصحة والنقل والاتصالات والتعليم وغيرها.

وينفق السودانيون 52.89% من دخلهم على السلع في مجموعة الأغذية والمشروبات، و14.17% في مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود، و8.34% في مجموعة النقل.

وأشار الجهاز المركزي إلى أن معدل التضخم في المناطق الحضرية خلال أبريل 2025 بلغ 147.52% منخفضًا من 165.13% سُجلت في الشهر الذي سبقه.

وأوضح أن المناطق الريفية وصل معدل التضخم فيها لشهر أبريل 163.73% مقارنة بـ 181.68% سُجلت في مارس الماضي.

ويشكو السودانيون، بسبب اندلاع الحرب من ارتفاع أسعار السلع بمعدلات لا يمكن مجاراتها، حيث يحتاج 30.4 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية ــ 64% من السكان.

ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، حربًا خلفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى