هل تصمد القوى المدنية؟
من على الشرفة
طاهر المعتصم
taherelmuatsim@gmail.com
أعلنت القوى المدنية السودانية المناصرة لثورة ديسمبر، في كل تجلياتها وصولاً إلى “صمود”، أنها لا تحتكر الحديث باسم المدنيين، في محاولات لم تنقطع لصنع أكبر كتلة مدنية. ورغم موقفها الرافض للحرب السودانية المدمرة، فقد حرصت على عدم المساواة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وحين انحازت بعض مكوناتها للأخيرة، أعلنت مفاصلتها معهم بإحسان.
هذه المفاصلة لم تكن انفعالية، بل واعية بمخاطر المشاريع العابرة للحدود الساعية لتقسيم السودان، وقد عززت التمسك بخيار السودان الواحد، المستقل في قراره، المتكئ على إرث دولة 1956، التي طالما هوجمت من مناصري الدعم السريع، المدعوم من الخارج كما هو معلوم.
لكن رغم ذلك، لم تتوقف محاولات التأثير من بعض الأطراف داخل التحالف المدني الجديد، في السعي نحو مكاسب تنظيمية أو أدوار قيادية، وهو أمر يتطلب الحذر والاتزان. ويبدو أن بعض الهياكل لا تزال عرضة لاجتهادات فردية في التموقع، وهو ما انعكس في بعض المطالب التنظيمية التي لم تلقَ قبولاً واسعًا داخل التحالف، وجرى تأجيل الحسم بشأنها إلى اجتماعات قادمة.
التحالف في صورته الراهنة يضم قوى سياسية ومهنيين ونقابات ولجان مقاومة ومكونات من المجتمع المدني، واتُفِق على قيادة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك له، مع تمثيل مرن ومتوازن لبقية الأطراف. ومع ذلك، لا تزال بعض القضايا التنظيمية محل نقاش، مما يتطلب وضع المصلحة الوطنية فوق أي حسابات ضيقة، لا سيما في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطن السوداني، الذي يدخل عامه الثالث في الحرب، متنقلاً بين اللجوء والنزوح والحصار، كما هو حال مدينة الفاشر، وسط مخاوف جدية من أن تطال المعاناة مدنًا أخرى مثل الأبيض.
في المقابل، فإن المتغيرات التي شهدتها بورتسودان بتسمية رئيس وزراء مدني جديد، على غرار ما حدث في نوفمبر 2021، تطرح تساؤلات ملحة حول أدوات القوى المدنية في التعامل مع الواقع، وأهمية صياغة رد سياسي موحد وواسع يجمع السودانيين على طاولة مستديرة.
خارجيًا، بدأ الانقسام الإقليمي في المواقف من حرب السودان يتضح أكثر، كما ظهر في مؤتمر لندن. ولعل بروز “رباعية جديدة” بقيادة نائب وزير الخارجية الأمريكي مؤشر على تحول ملحوظ في السياقين الدولي والإقليمي، ما يستدعي قراءة دقيقة لتطور الأحداث واستشراف القادم.
الأخطار المحدقة بالسودان تتزايد، والمؤامرات الرامية لتفتيته لا تزال نشطة، والمعاناة الشعبية تتسع رقعتها. أمام هذا المشهد، ينبغي على القوى المدنية أن تسابق الزمن للحفاظ على وحدة السودان وأمنه، وأن تتجاوز التنازع الداخلي وتضع وحدة الصف فوق أي اعتبارات ظرفية، وألا تنشغل كثيرًا بتوازنات هياكلها بقدر ما تنشغل بخلق جبهة وطنية مدنية واسعة قادرة على مجابهة التحديات، والالتقاء مع قوى ديسمبر وكل القوى الحية من أجل وطن يستحق الأفضل.