حظر ترامب..
كرت أحمر للرياضة السودانية!
نيويورك – أفق جديد
بينما تستعد الولايات المتحدة لاستضافة اثنين من أكبر الأحداث الرياضية في العالم – كأس العالم لكرة القدم 2026 ودورة الألعاب الأولمبية 2028 في لوس أنجلوس – يواجه السودانيون وغيرهم من شعوب 11 دولة أخرى تحديًا كبيرًا يتمثل في حظر السفر الأمريكي الجديد الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب.
الحظر، الذي يدخل ضمن سياسة أوسع لمكافحة الهجرة غير الشرعية ومواجهة ما تقول الإدارة الأمريكية إنها “تهديدات أمنية”، يشمل حظرًا كاملًا على دخول مواطني السودان إلى الأراضي الأمريكية، إلى جانب دول مثل إيران واليمن وسوريا وأفغانستان. ويأتي هذا القرار في لحظة حرجة للرياضيين والمشجعين السودانيين، الذين لطالما رأوا في الرياضة وسيلة لتحقيق الذات ومجالًا للتمثيل الدولي.
بابٌ يُغلق؟
خلال العقود الماضية، شهد السودان مشاركة متواضعة ولكنها متواصلة في الساحة الرياضية العالمية، رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد، وزادت تعقيدًا بعد اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023.
وبينما تحاول الرياضة السودانية النهوض مجددًا رغم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والملاعب، يأتي الحظر الأمريكي ليشكل عقبة إضافية في طريق الرياضيين الذين كانوا يأملون في المشاركة في المنافسات الدولية، سواء ضمن فرق وطنية أو عبر فرقهم المحترفة في الخارج.
في الواقع، يُشكل الحظر الجديد تهديدًا مباشرًا لأحلام العديد من الشباب السوداني. فحتى لو نجح السودان في التأهل إلى كأس العالم 2026 – وهو تحدٍ كبير بالنظر إلى الوضع الحالي حيث يحتل منتخب صقور الجديان المركز الثالث بعد الكونغو الديمقراطية والسنغال – فإن اللاعبين سيواجهون حواجز لوجستية وسياسية في سبيل دخول الأراضي الأمريكية. أما المشجعون، فتم حرمانهم بالكامل من فرصة السفر لدعم منتخبهم، ولكن بحسب ما أعلنته الإدارة الأمريكية، فإن هناك استثناءات في حظر السفر تشمل الرياضيين المشاركين في الأحداث “الكبرى”، مثل كأس العالم والألعاب الأولمبية. ويتضمن الاستثناء الرياضيين أنفسهم، وأعضاء الطواقم الفنية والطبية، وأفراد أسرهم المباشرين.
غير أن الصياغة الغامضة لهذا الاستثناء، وغياب أي تحديد واضح لما يُقصد بـ”الحدث الرياضي الكبير”، تُثير الكثير من الشكوك. على سبيل المثال، هل يشمل ذلك اللاعبين المشاركين في بطولات الدوري الأمريكي لكرة القدم؟ هل ينطبق على الرياضيين الذين يسافرون للولايات المتحدة للمشاركة في معسكرات تدريبية أو بطولات تأهيلية قبل الحدث الرئيسي؟ الإجابات غير واضحة، ما يضع الرياضيين السودانيين في حالة من عدم اليقين.
ويعيش عددٌ كبير من الرياضيين السودانيين في الخارج، بعضهم في الولايات المتحدة، وآخرون في أوروبا والخليج. بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في أمريكا، فإنهم يواجهون الآن تهديدًا مزدوجًا: من جهة، إمكانية منعهم من السفر خارج البلاد للمشاركة في المنافسات الدولية خشية عدم السماح لهم بالعودة؛ ومن جهة أخرى، صعوبة تجديد الإقامات أو التأشيرات أو جلب أفراد عائلاتهم لزيارتهم.
أما الرياضيون الذين يعيشون في الخارج ويرغبون في المشاركة في دورات أو معسكرات تُنظّم داخل أمريكا، فإن الحظر يعني ببساطة أنهم غير مرحب بهم – إلا إذا اعتبرت مشاركتهم “ضرورة كبرى”.
في هذا السياق، يبقى وضع رياضيي الشتات السوداني غامضًا، خاصة أولئك الذين وُلدوا أو نشأوا في الولايات المتحدة لكنهم ما زالوا يحتفظون بجنسية سودانية أو جواز سفر سوداني. هؤلاء يواجهون احتمال الإقصاء، ليس بسبب مستواهم الرياضي، بل بسبب هويتهم الوطنية.
بعيدًا عن اللاعبين، فإن الحظر يُقصي الجماهير السودانية تمامًا من الحضور في المدرجات، حتى لو تأهلت فرقهم إلى البطولات الكبرى. هذا الواقع يحمل بُعدًا نفسيًا لا يمكن تجاهله.
مشجعو المنتخب السوداني – سواء من داخل السودان أو من الشتات – كانوا يأملون في أن تكون كأس العالم 2026 فرصة لإحياء الشعور القومي وإظهار صورة إيجابية عن بلد عانى من الحرب المستمرة منذ أبريل 2023. لكن الحظر الأمريكي يضعف من هذا الحلم، ويحرم السودان من التفاعل الجماهيري والدعم المعنوي الذي يحتاجه بشدة.
وفي ظل الحرب المستمرة داخل السودان، كانت الرياضة بمثابة نافذة أمل للكثير من الشباب. الملاعب توقفت، والأندية أُغلقت أو دُمرت، واللاعبون فقدوا مصادر رزقهم. وبينما وجد البعض فرصة للهجرة أو اللعب في الخارج، يأتي القرار الأمريكي ليغلق أمامهم نافذة كانت تُعتبر من آخر النوافذ المتبقية.
تُجسد هذه الأزمة التداخل المعقد بين السياسة والرياضة. وبينما تؤكد اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على أهمية إبقاء الرياضة بعيدة عن السياسات العقابية، يبدو أن حظر السفر الأمريكي الجديد يضعف هذا المبدأ.
فهل تستطيع الرياضة أن تظل منصة شاملة وعادلة في وجه السياسات الإقصائية؟ وفي حالة السودان، تبدو الإجابة أكثر قتامة من أي وقت مضى.