جلود الأضاحي… ثروة قومية مهدرة زمن الحرب

 

وسيلة حسين

تنتشر على نحو كثيف، على قارعة طرقات المدن وأزقة القرى والميادين، وفي مكبات النفايات، جلود الأضاحي، ملقاة هناك وهنا، تنبعث منها الروائح الكريهة المتعفنة، وتحوم من فوقها أسراب الذباب، ونواقل الأمراض الوبائية المعدية، مما ينذر بمعضلة بيئية جديدة، وكوارث صحية متزايدة، وسط انتشار هائل لمرض الكوليرا الفتاك في أغلب المدن السودانية.

يخبر محسن عبد الرازق، صاحب مدبغة تقليدية أن مدبغته، التي ورثها عن أسلافه وحاول المحافظة عليها بشتى الطرق توقفت أكثر من مرة، بسبب سياسات الدولة الخاطئة في جمع وتوزيع الجلود، وتوظيفها لصالح الحرب، حد وصفه: “عطلت الحرب الجارية عمل المدابغ الحديثة التي كانت تعمل على جمع وتصنيع الجلود في السودان إلى منتجات جلدية، وشردت العاملين في المدابغ التقليدية والأهلية، التي كانت تقوم بدور حيوي في المحافظة على جلود الأضاحي وتطهيرها ودبغها بمواد محلية بسيطة في موسم العيد”. 

ويضيف في حديث إلى “أفق جديد”: “منذ كنا أطفالًا، نجمع جلود الأضاحي ونبيعها بمبالغ زهيدة في سوق الجلود، ومن ثم تذهب هذه الجلود بكميات ضخمة  للمدابغ التقليدية أو المدابغ الحديثة، لتصنيعها وطليها وتصديرها لتدر عملة صعبة”.

وبحسب عبد الرازق فإن الحرب تسببت في تعطيل نحو 20 مدبغة عتيقة، منها 9 مدابغ في مدينة الخرطوم بحري، و4 بالخرطوم، ومدبغتان في أم درمان، ومدبغة واحدة بكل من ود مدني وكوستي وكسلا ونيالا. “بالرغم من أنها مدابغ تفتقر إلى تقنيات حديثة، وتعاني إهمالًا مريعًا وتعمل قدر طاقتها، إلا أن الحرب ألجمتها تمامًا”. ويضيف: “غالبية المدابغ التقليدية توقفت، وهجرها أصحابها منذ زمن بعيد، وقل اهتمام الناس بجمع ودباغة الجلود”.

بدوره يخبر المواطن سعد الريح أنه ظل يحرص على المحافظة على جلد أضحيته، وأضحيات جيرانه المقربين، ودبغها بالملح والقرض منذ 5 أعوام خلت، والاستفادة منها بتحويلها لمنتجات جلدية بسيطة. “مؤسف أن ترى جلود الأضاحي وهي مهملة أشد الإهمال وغير صالحة بعد مرور أيام من سلخها. جهل المواطن أنها ثروة قومية، إستراتيجية وصناعية، إضافة لغياب الدور الحكومي في التثقيف بطريقة التعامل معها وحفظها والاهتمام بها”. يقول في حديثه مع “أفق جديد” ومن ثم يضيف: “خلال الخمس سنوات الأخيرة انتشرت هذه الظاهرة بكثافة في كل مكان، حيث لا يهتم أحد بجمع وتطهير جلود الأضاحي سوى قليل من الأفراد وبعض التجار، مقارنة مع الكميات المهدورة في المكبات التي تتسبب في ضرر صحي وتلوث بيئي واضحين”.

ويتساءل الريح عن دور شعبة الصناعة في اتحاد العمل، وأصحاب المدابغ، وناشطي البيئة، في مواجهة أهدار مورد مهم وحيوي كل عام: “غابت السلطات الصحية والبيئية عن دورها في رفد المواطن البسيط بنشرات تثقيفية تحوي الأضرار المترتبة عن الاهمال”.  ويضيف: “كان يمكن تدارك هدر جلود الأضاحي وتحويلها لثروة تدر ملايين الدولارات”.

ويحتل السودان المرتبة الخامسة في إنتاج الجلود ويمتلك – وفقًا للتقديرات – حوالى 110 ملايين رأس من المواشي، منها 44 مليون رأس من الأبقار، و33 مليون رأس من الضأن، و26 مليون رأس من الماعز، و5 ملايين رأس من الإبل، بما يمثل نحو 20% من الناتج القومي الإجمالي، ويوفر حوالي 25% من إيرادات النقد الأجنبي. ولم يعقد إحصاء رسمي للمواشي في البلاد منذ العام 1973. وتقتصر الصناعات الجلدية، فقط، على تصنيع الأحذية التقليدية والحقائب والأكسسوارات الجلدية.

Exit mobile version