“الإنسان أولًا… لو أراد العالم”

 

تتصاعد النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط، وتتفاقم المأساة المنسية في السودان، فتتحوّل حياة الملايين هنا وهناك إلى جحيمٍ يومي. بين قصفٍ عشوائي، ونزوحٍ جماعي، ومجاعاتٍ مُدبّرة، تذوب حقوق الإنسان الأساسية في صراعات الجيوسياسية، بينما يقف المجتمع الدولي عاجزًا — أو ربما غير راغب — في وضع حدٍّ لهذه الكوارث.

منذ اندلاع الحرب في السودان قبل أكثر من عامين، تحوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة للفظائع؛ تنوّعت أشكالها بين المذابح والتشريد، وتعرّض مئات الآلاف من النساء للعنف الجنسي كسلاح حرب. وفي دارفور، تُرتكب مجازر ممنهجة على أساس عِرقي تُذكّر بأحلك أيام الإبادة الجماعية في مطلع الألفية.

لكن ما يؤلم أكثر هو تجاهل العالم، ففي حين تُهدر المليارات على حروب أخرى، يعاني 25 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي، بينهم أطفال يموتون جوعًا في المخيمات، حيث بات “الأمباز” هو الطعام الأساسي للنازحين، بينما ينهار النظام الصحي في الحواضر والأرياف، وتستمر الميليشيات في تجنيد الأطفال. وسط كل هذا، يظل السؤال قائمًا: لماذا لا يُعتبر السودان أولوية دولية؟

وعلى بُعد آلاف الكيلومترات، تواصل إسرائيل ارتكاب الجرائم في غزة تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، بينما تُحاصر المدنيين، وتستهدف المستشفيات، وتُدمّر البنية التحتية بشكلٍ ممنهج.

ولا شك أن التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران يزيد الطين بلّة، إذ يهدد بتوسيع رقعة الحرب إلى لبنان وسوريا واليمن، حيث يعيش ملايين المدنيين تحت رحمة صراعاتٍ بالوكالة. وكما هو الحال في السودان، تُستخدم الشعوب كوقودٍ لمصالح القوى الكبرى، وتُختزل حياتهم في أرقامٍ مجردة ضمن تقارير إخبارية عابرة.

المأساة المشتركة بين السودان وشعوبٍ أخرى تكمن في عجز النظام الدولي؛ فمجلس الأمن مشلول بحقّ النقض (الفيتو)، والمنظمات الإنسانية تعمل بموارد شحيحة، والدول الغنية تختار التدخل وفقًا لمصالحها، لا وفقًا لمبادئ العدالة. ووسط كل هذا الخراب، سيتذكّر التاريخ دومًا أن العالم كان يملك الأدوات لوقف الكارثة… لكنه اختار ألا يفعل.

Exit mobile version