رمطان لعمامرة… المبعوث الذي استمع بـ”أذن واحدة”

أديس أبابا – أفق جديد

وسط حرب مدمّرة تعصف بالسودان، وتعدد المبادرات المحلية والدولية، يبرز اسم رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، كأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الآونة الاخيرة.

فبدلًا من لعب دور الوسيط المحايد، تتزايد الاتهامات ضد لعمامرة  بالانحياز الصريح لصالح السلطة الانقلابية في بورتسودان، فيما اعتُبر انتكاسة لمسار الوساطة الأممية، وتحولًا خطيرًا عن مهام البعثة المفترض بها الوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

 تبنٍ أعمى لحكومة بلا شرعية

تحدثت مصادر دبلوماسية لـ”أفق جديد” بشأن تحركات المبعوث الأممي في الأزمة السودانية، وقالت: “إن لعمامرة يعمل على تسويق خطة السلطة الانقلابية بقيادة عبد الفتاح البرهان كخارطة طريق لإنهاء الحرب، متجاهلًا أن هذه الحكومة قد فُرضت بقوة السلاح، ومجمّدة عضويتها في الاتحاد الإفريقي”.

واستطردت المصادر، “وبدلاً من الانفتاح على القوى المدنية المقاومة للانقلاب، اتجه لعمامرة إلى تلميع صورة المجلس السيادي برئاسة عبد الفتاح البرهان، ما يمثل انحرافًا فادحًا عن مهمته كمبعوث أممي”.

 ضغوط خلف الكواليس

وكشفت معلومات حصلت عليها “أفق جديد” عن وصول فريق تابع للمبعوث الأممي إلى أديس أبابا، لإجراء لقاءات مع سفراء الدول الإفريقية، في محاولة لإقناعهم بإعادة السودان إلى الاتحاد الإفريقي.

واستند الوفد الأممي إلى مزاعم مفادها أن البرهان شكّل “حكومة مدنية” يرأسها  كامل إدريس، والتزم بإبعاد جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم.

لكن هذه التحركات، وفق مصادر دبلوماسية، قوبلت بتشكيك واسع، لكونها تكرارًا لمناورات سابقة، تستهدف كسر العزلة الدولية بوعود لا تغيّر جوهر السلطة الانقلابية.

بعثة فقدت البوصلة

تتزايد الدعوات في الأوساط السودانية لمراجعة مهمة لعمامرة أو حتى إقالته، وسط اتهامات بأنه تحوّل من وسيط إلى ناطق غير رسمي باسم حكومة الأمر الواقع.

 يقول محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق، لـ”أفق جديد”: “لم يحرز لعمامرة أي تقدم يُذكر(..)، بل بات جزءًا من أحد معسكرَي الحرب”.

ويتساءل: “هل يستطيع أن يجيب عن سؤال بسيط: مع من التقى من قوى الثورة؟ وماذا سمع منهم؟”.

 تفويض محدود أم أداء منحاز؟

 

 يعتبر يوسف عزت، المستشار السياسي السابق لقائد قوات الدعم السريع، أن لعمامرة ليس مبعوثًا أمميًا بتفويض من مجلس الأمن، بل مجرد مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ولا يملك صلاحيات تنفيذية.

وأردف: “هو أقرب لفاعل خير، ولا يملك أدوات الضغط أو التأثير”.

ويرى عزت أن تعاطي لعمامرة مع الأزمة السودانية اقتصر على إدارتها لا حلها، ولم يُقدّم أي مبادرة متكاملة، مكتفيًا بمحاولة فاشلة لجمع الطرفين في جنيف.

رؤية غير مكتملة وتواصل مبتور

يصف القيادي بقوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني، أداء لعمامرة بـ”الضعيف وغير المنضبط”، مؤكدًا أن المشاورات التي أجراها لم تُفضِ إلى نتائج واضحة.

ويشير مدني إلى إهمال القوى الديمقراطية والتركيز على السلطة القائمة، مما عزز الانطباع بالانحياز.

إلا أن القيادي في الحزب الاتحادي الأصل حاتم السر، يعتبر أنه يجب أن  يتم تقييم هادئ لأداء لعمامرة، مشيدًا بخبرته الدبلوماسية.

ويرفض السر تقييمات “الانحياز”، قائلاً: “القوى السياسية نفسها تتحمل جزءًا من مسؤولية التشظي والعجز عن تقديم بديل موحّد”.

 خارطة بلا طريق

تُمثّل “خارطة الطريق” التي طرحها البرهان لتشكيل حكومة انتقالية، إحدى أبرز نقاط الانقسام حول دور الأمم المتحدة في الأزمة السودانية.

يؤكد الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان في حديثه بأن خارطة الطريق هي عبارة عن “مشروع لتثبيت سلطة البرهان”.

بينما يرى القيادي بالقوى المدنية مدني عباس مدني، “أنها لا تحمل حلًا بل صفقة تجميلية للسلطة، تحاكي سابقاتها الفاشلة.

في المقابل، يقول حاتم السر إن” الخارطة تحمل بعدًا فنيًا لفض الاشتباك العسكري، ويجب أن تتبعها عملية سياسية حقيقية بقيادة رئيس الوزراء كامل إدريس”.

فيما يقول المستشار السابق لقائد الدعم السريع  يوسف عزت: “إن خارطة الطريق هي مجرّد نسخة مكررة من حوار الوثبة، ولا تملك أي شرعية”.

 فشل في التنسيق وغياب للمبادرة

يشير محمد الفكي سليمان إلى غياب التنسيق، قائلاً: “لم يتواصل لعمامرة مع القوى المدنية مطلقًا”.

ويذكر مدني عباس أن مشاورات البعثة لم تُنتج تصورًا موحدًا أو توحّد المنصات القائمة.

 بينما يؤكد شريف محمد عثمان أن لعمامرة “غاب عن كل شيء”، تاركًا الساحة للصراعات الإقليمية والدولية.

بدوره يؤكد يوسف عزت أن غياب التنسيق مع الجامعة العربية والمنظمات الإفريقية يجعل دور لعمامرة “شبه معدوم”.

بينما يدافع القيادي الاتحادي حاتم السر عن وجود تنسيق للمبعوث الأممي رمطان لعمامرة، وأصفًا إياه “بالتنسيق عالي المستوى”.

 بعثة فقدت ثقة السودانيين

تُجمع إفادات القيادات المدنية على أن رمطان لعمامرة لم ينجح في أداء مهمته، لا سياسيًا ولا إنسانيًا، وتعدد سلبيات لعمامرة في الملف السوداني وهي” الانحياز لطرف، وضعف المبادرة، وغياب التنسيق”.

وكل هذه الانتقادات أنتجت دعوات صريحة لإقالته من المنصب، واستبداله بمبعوث أكثر مهنية وحيادية.

في السودان اليوم، حيث الجوع والدمار يطغيان على أي حديث عن السلام، تبقى بعثة الأمم المتحدة مطالبة بإجابات.

هل تستمر الأمم المتحدة في دعم بعثة فقدت حيادها، أم تفتح الطريق أمام وسيط جديد لا يسمع بإذن واحدة؟

 

Exit mobile version