لعبة النفوذ الإقليمي

شهاب ابراهيم الطيب سعيد

الحرب في السودان اليوم لا يمكن فصلها عن لعبة النفوذ الإقليمي، حيث يشكّل التحالف بين النظام الإيراني والإسلاميين في السودان أحد أخطر التحولات الجيوسياسية في المنطقة. هذا التحالف لا يهدد فقط استقرار السودان، بل يعيد رسم موازين القوى في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

منذ اندلاع الحرب بين الجيش والمجموعات الإسلامية السيطرة عليه وقوات الدعم السريع، عادت إيران إلى المشهد من بوابة الدعم العسكري، عبر طائرات شحن محملة بالأسلحة والمسيرات الإيرانية الاي وصلت إلى بورتسودان، برفقة خبراء من الحرس الثوري. هذا الدعم لم يكن عشوائياً، بل جاء نتيجة تحالف أيديولوجي قديم مع الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، الذين يسعون لإعادة إنتاج نموذج “الدولة الأمنية المؤدلجة” على غرار إيران.

الخطير في هذا التحالف أنه يُحول السودان إلى ساحة صراع بالوكالة، حيث تستخدمه طهران كموطئ قدم متقدم في الصراع حول البحر الأحمر، وفي مواجهة إسرائيل وحلفائها كظهير اخر لجماعة انصار الله الحوثيين في تهديد المصالح الامريكية والاغربية والاسرائلية في البحر الاحمر. في المقابل، يرى الإسلاميون في إيران حليفاً استراتيجياً يمكنه موازنة الضغوط الدولية، وتوفير أدوات قمع متقدمة ضد القوى المدنية والديمقراطية في الداخل.

لكن هذا التمدد الإيراني يهدد بعزلة دولية جديدة للسودان، ويعيد البلاد إلى مربع الاستبداد والعنف، كما حدث في عهد البشير. فبدلاً من معالجة الأزمة الإنسانية والسياسية، يُستخدم خطاب التضليل حول مؤامرة “العدو الخارجي” لتبرير حربهم ضد القوي المدنية وعودتهم للسلطة، بينما تُفتح البلاد أمام نفوذ خارجي متزايد كما هو واضح من خلال اتهام الإمارات بالرغم من التدخل الارتري وتدريب مليشيات في شرق السودان ووضعها تحت إمرة الاجهزة الامنية الارترية وكذلك رهن الإرادة الوطنية للنظام الايراني وتحقيق أهدافه الإقليمية.

ما يبدو تحالفاً تكتيكيًا بين العسكر والإسلاميين وإيران، هو في جوهره مشروع لتقويض الدولة الوطنية، وتحويل السودان إلى ورقة ضغط في صراعات إقليمية لا ناقة له فيها ولا جمل. والمطلوب اليوم ليس فقط وقف إطلاق النار، بل تفكيك هذا التحالف الأيديولوجي-العسكري الذي يُغذي الحرب ويهدد مستقبل السودان والمنطقة بأسرها.

 

24 يونيو 2025

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى