عبدالمنعم الجاك
مايو 2025
مقدمة
تدخل حرب السودان في ابريل 2025 عامها الثالث في ظل ضعف او تضاؤل أي أفق لإنهائها، عبر الحل السياسي او الانتصار العسكري، او التدخل الدبلوماسي الخارجي. فقد تسببت الحرب المندلعة في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أكبر وأسوأ كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر، بتمظهراتها المدمرة على حياة ملايين السودانيين، في سلامتهم الجسدية وأمانهم ومسكنهم وصحتهم ومعيشتهم ومعاشهم، وفي تمزيقها للنسيج الاجتماعي وتدميرها للبنى التحتية، بل وفي تهديدها لوجود كيان الدولة السودانية بتصاعد احتمالات التشظيّ.
ويشهد السياق السوداني تحولات عميقة وسريعة، اتسمت بتصاعد العنف العسكري، وتغيرات الخارطة السياسية المدنية، وتفاقم الأزمة الإنسانية، بما فيها التحديات والقيود التي تحول دون وصول العون الإنساني. وتعيد هذه التحولات الكبيرة تشكيل بيئة العمل خاصة للفاعلين في المجتمع المدني والعمل الإنساني. عليه، تعسى هذه الورقة الى تقديم وفهم المشهد السوداني المتغير دراماتيكيا بعد مرور عامين على اندلاع حرب السودان، وتأثيراتها على الفاعلين في الفضاء العام المدني والعمل الإنساني بصورة خاصة.
عبر الاستعراض والتحليل، تتطرق الورقة الى تقديم لمحة عامة عن الوضع الإنساني، وضع وبنية المجتمع المدني، التغيرات العسكرية- الأمنية في مسرح الصراع، تطورات المشهد السياسي، التحديات والعقبات والقيود التي تقف امام العمل الإنساني والمجتمع المدني، هذا إضافة لتقديم خطوط عامة للتوصيات والاستجابات الممكن تقديمها على ضوء التحولات الجارية، بما فيها استكشاف إطلاق مبادرات ومساعٍ جديدة، تستجيب وتحمي العمل المدني والإنساني.
التوصيات الرئيسية
يجب أن تعكس استراتيجيات الاستجابة الإنسانية واقع التشظي الجغرافي والسياسي، خاصة في ظل وجود أربع مناطق تخضع لسيطرة أطراف متباينة في الصراع، وأن يتم اعتماد مناهج متمايزة ولامركزية وفقاً للواقع تندرج تحت منظور شامل.للتعامل مع الأزمة الإنسانية، ويمكن لهذا المنهج القائم على المناطق أن يستفيد من القدرات المتميزة والمتنوعة للمجتمع المدني المحلي والجهات الفاعلة في المجال الإنساني لتعزيز قدرتها على الاستمرار والصمود.
يجب أن تتعامل الجهود الدبلوماسية بصورة أكثر عملية مع التطورات السياسية والعسكرية، بما في ذلك التعامل مع تحديات قضيتيّ السيادة والشرعية، وبما يسهل عمل الهيئات والفاعليين الإنسانيين في المناطق الواقعة خارج سيطرة القوات المسلحة السودانية. ومن الممكن الاستفادة واستخلاص الدروس من العمل المقارن في تجارب اليمن وسوريا ومن تجربة عملية شريان الحياة في السودان. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي النظر في تأسيس مجلس مشترك للوكالات الإنسانية الرسمية العاملة في المناطق التي تسيطر عليها أطراف الصراع المختلفة، وإنشاء قنوات اتصال ذات طابع مدني— وليست عسكرية أو أمنية — بين أطراف النزاع والمجتمع المدني لتسهيل التنسيق ودعم عمليات الإغاثة. ومن المهم ايضاً التشديد على أن تضمن أطراف الصراع حياد العمل الإنساني واستقلاليته، ويتضمن ذلك الامتناع عن عسكرة المساعدات الإنسانية، وعدم مراقبة وملاحقة المتطوعين والمنظمات والموظفين، وخفض القيود والأوامر البيروقراطية المفروضة عليهم.
بحث إمكانية فرض عقوبات ذكية للتعامل مع اتهامات استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح في الحرب، إضافة إلى الدعوة إلى إصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعكس الأزمة الإنسانية في ظل التطورات العسكرية والأمنية والسياسية الحالية، وينبغي أن يشمل ذلك أحكاماً تتعلق بتيسير سبل الوصول إلى المساعدات، وأمنها، ومراقبة توزيعها، وحماية جميع العاملين في المجال الإنساني.
المشاركة في تنظيم مؤتمر دولي حول الأزمة الإنسانية مع المجتمع المدني السوداني، يجمع قادة من المجموعات القاعدية، ومنظمات المساعدة المتبادلة، والمجتمع المدني المستقل، والتحالفات السياسية، مع الوكالات والهيئات الدولية. ويجب أن يكون المؤتمر شاملاً وبقيادة وملكية جماعية في تناوله لمعالجات الأزمة الإنسانية. وينبغي للجهات الدولية الفاعلة أن تعترف وتدعم الخبرات المحلية المتنوعة وبما يضمن اتباع منهج شامل في العمل الإنساني.
لمحة عن الوضع الإنساني وحماية المدنيين
أكدت العديد من التقارير الدولية والمحلية أن حرب السودان تسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة، وتعد بكل المقاييس من أسوأ الأزمات في التاريخ المعاصر؛ حيث يقدر عدد الفارين من منازلهم بسبب الحرب بأكثر من 13 مليون شخص. وقد لجأ أكثر من أربعة منهم إلى دول الجوار. ويكابد المدنيون السودانيون تدهوراً حاداً في الأمن الغذائي، إذ انزلقت العديد من المناطق الى مرحلة المجاعة الكاملة، بما فيها سوء التغذية المزمن الذي أصاب الملايين من الأطفال والنساء المرضعات. كما تسببت الحرب في تدمير الخدمات الأساسية والبنى التحتية، خاصةً نظام الرعاية الصحية والذي أدى الى إنشار أوبئة الكوليرا وحمى الضنك والملاريا، كما أدت الحرب إلى انهيار النظام التعليمي بما أدى إلى انقطاع نحو 17 مليون طفل من العملية التعليمية، من إجمالي 19 مليون طفل في سن التعليم تم حرمانهم منه.
كما أكدت التقارير على استخدام أطراف الحرب للغوث الإنساني كسلاح ضمن الاستراتيجيات الحربية، بوضع العراقيل والعقبات أمام إيصاله، والهجمات المتعمدة على البنىّ التحتية والخدمات الخاصة بإنتاج الغذاء، وبالتالي التجويع المتعمد للمدنيين، بمن فيهم الأطفال.
وبالنظر الى وضع حماية المدنيين بعد عامين من الحرب، تطل صورة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في السودان؛ حيث تستمر انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان من قبل جميع أطراف النزاع بمستويات مقلقة. وتشمل الانتهاكات والجرائم المرتبطة بالحرب على الهجمات المتعمدة والعشوائية ضد المدنيين بما فيها قصف المناطق السكنية ومخيمات النزوح وسقوط القتلى من المدنيين جراء ذلك، والإعدامات الميدانية الانتقامية خاصة في المناطق التي يتم فيها إعادة السيطرة العسكرية من قبل الطرف الآخر، والاستهداف المنهجي على أساس الهوية، والوحشية في عمليات التعذيب والتصفيات الجسدية، واستخدام العنف الجنسي والاغتصاب الجماعي كوسيلة للترويع والارهاب، والاختطاف والاحتجاز القسري واستخدام المدنيين كدروع بشرية، والتجنيد القسري للأطفال والزج بهم في المعارك العسكرية والنهب والتدمير الممنهج للممتلكات والمنازل والمؤسسات الخدمية من كهرباء ومياه ومرافق صحية وتعليمية، واحتلال المنازل من قبل الجنود، والتهجير القسري والنزوح الجماعي للملايين.
وإذا ما نظرنا للوضع الإنساني وحماية المدنيين، نجدها، وبالرغم من تعدد وتنوع الجهود لحلها، دولياً ومحلياً، تظل محدودة وضعيفة النتائج. وتتعدد أسباب الفشل لتشمل التعنت وافتقار الإرادة السياسية لأطراف الحرب بالسماح بإغاثة المدنيين وحمايتهم، وعدم الاتفاق على ممرات آمنة لإيصال العون، واستخدام أطراف الحرب للأوضاع الإنسانية كسلاح في اقتتالهم، وضعف وسائل ضغوط المجتمع الدولي على أطراف الحرب فيما يتعلق بحماية المدنيين والعملية الإنسانية وافتقارها للجرأة، وعدم إيفاء المانحين بالتزامات تمويل الاحتياجات الإنسانية، ووضع أعباء كبيرة وغير واقعية على مقدمي الخدمات المحليين من المتطوعين ومنظماتهم القاعدية مثل غرف الطواري وتكايا الطرق الصوفية والمطابخ المركزية، إضافة الى عدم الجدية في إشراك القوى المدنية والسياسية المؤثرة في عمليات تطوير الاستراتيجيات والخطط الخاصة بأنشطة العمليات الإنسانية.
السودان قبل حرب 15 أبريل
أطاحت ثورة ديسمبر 2018، بالنظام الإسلامي الحاكم لحزب المؤتمر الوطني، والذي ظل يحكم البلاد لأكثر من ثلاثة
عقود. وقد تم الاحتفال بالثورة السودانية عالمياً باعتبارها دليلاً على مقدرات حركة مدنية سلمية، بقيادة الشباب والنساء والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، من الإطاحة بدكتاتورية متجذرة.
وكانت الحقبة التي سبقت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 قد اتسمت بأنها مزيج من الأمل والتحديات وعدم اليقين بشأن مستقبل البلاد بعد الثورة؛ حيث كان السودان على مفترق طرق، مع وجود فرص حقيقية لتحقيق سلام شامل وتحول ديمقراطي، لكن تزامنت معها مهددات الانقسامات السياسية، واستمرار النزاعات المسلحة في أطراف البلاد، بالإضافة للتحديات الاقتصادية.
لقد أسقط السودانيون في ثورة ديسمبر نظام الحكم التسلطي الديكتاتوري للحركة الإسلامية ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، والذي استمر في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود. وكانت الثورة انتصاراً للحرية والسلام والعدالة، حيث احتفل بها العالم وبعودة السودان للأسرة الدولية كعامل بناء واستقرار، بعد تاريخ طويل من تهديد للسلم والأمن الدولي والإقليمي. كما قدمت ثورة ديسمبر نموذجاً جيداً حول كيف يمكن لحركة مدنية سلمية، قوامها الشباب والنساء والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، من أن تهزم نظاماً تسلطياً وقمعياً ظل حاكماً بسلطة الحديد والنار لعقود طويلة.
وبالرغم من التفاؤل الذي أحاط بفترة الحكم الانتقالي، فقد حالت التعقيدات والتحديات دون اكتمال ذلك المسار؛ حيث ظلت الفترة الانتقالية في حالة صراعات مستمرة بين المكونين المدني – ممثلاً في قوى الحرية والتغير – والعسكري – ممثلاً في القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع – حول قضايا السلطة والثروة والإصلاح المؤسسي. وظل نفوذ الدولة العميقة لحزب المؤتمر الوطني المنحل قائماً بوضوح في العديد من المؤسسات الحكومية، مما أدى إلى عرقلة جهود الإصلاح، وتعطيل تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم النظام السابق، ومقاومة إصلاح القطاع الأمني. كما شملت التحديات أيضاً إثارة الصراعات الإثنية، والأزمات الاقتصادية، والديون الخارجية، وارتفاع معدلات التضخم، والفساد الهيكلي للنظام القديم.
وعلى الرغم من هذه العقبات العديدة التي وضعها المكون العسكري بشقيه (القوات المسلحة والدعم السريع) ومتبقى الدولة العميقة، تمكنت الحكومة الانتقالية المدنية من تحقيق نجاحات معقولة، بما في ذلك إعادة وضع السودان على الخارطة الدولية برفع اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وفي إحراز تقدم إيجابي في تخفيف الديون وتحقيق الاستقرار الاقتصاد نسبياً، وفي فتح مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان، وبدء الإصلاحات المؤسسية بتفكيك النظام القديم وعمليات الإصلاح المؤسسي. هذه النجاحات المحدودة دعت المكون العسكري بشقيه للانقلاب على المكون المدني في 25 أكتوبر 2021، ومن ثم إجهاض برامج الإصلاح التي ابتدرتها السلطة المدنية الانتقالية.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري، واجهت كل من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع صعوبات كبيرة في الحكم بسبب الاحتجاجات والرفض الشعبي الواسع له. وسرعان ما ضربت الخلافات المؤسستين العسكرتين، وهو الخلاف الذي لعب حزب المؤتمر الوطني المحلول الدور الرئيسي في تعميقه بينهما. وفي المقابل، حاولت القوى المدنية التوسط ولعب أدوار تحول دون انفجار الخلافات بين الجيش والدعم السريع وتحولها الى صراع مسلح؛ حيث أطلقت العملية السياسية للاتفاق الإطاري، والتي كان من ضمن مساعيها إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية، واستعادة النظام الدستوري والحكم المدني. ولكن هذه الجهود باءت بالفشل ولم تنجح في نزع فتيل الحرب، حيث تصاعدت التوترات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، إلى ان تحولت إلى حرب شاملة بينهما في 15 أبريل 2023.
تطورات المسرح العسكري والأمني
اتسم المسرح العسكري- الأمني خلال حرب السودان بتحولات دراماتيكية كبيرة، سواءً في مساراتها، أو في المقارنة بينها وبين حروب السودان الأخرى. فعلى خلاف الحروب السابقة في السودان، التي ظل معظمها يشتعل ويستمر لعقود في أطراف البلاد وفي الأرياف البعيدة من المركز، جاء اندلاع حرب 15 أبريل 2023 في قلب عاصمة البلاد الخرطوم، بسيطرة قوات الدعم السريع على مركز السلطة والمال والرموز السيادية التاريخية، وانسحاب المركز السياسي والسيادي التاريخي نحو تخوم شرق البلاد الى مدينة بورتسودان.
وبعد الاستيلاء السريع والمفاجئ لقوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم، وظفت مقدراتها العسكرية من كثافة النيران والأعداد الكبيرة من القوات، في الانتشار والاستيلاء على مساحات واسعة في وسط وغرب وجنوب السودان؛ حيث استولت على معظم مناطق دارفور، باستثناء بعض الجيوب ومدينة الفاشر المحاصرة في شمال دارفور، وعلى مناطق واسعة في ولايات كردفان الكبرى الثلاثة، وولاية الجزيرة، وعلى أجزاء معتبرة من ولاية سنار والنيل الأبيض. وفي المقابل ظلت القوات المسلحة تحافظ على سيطرتها على ولايات شرق السودان الثلاثة ( القضارف، كسلا، والبحر الأحمر)، وولايتيّ نهر النيل والشمالية، فضلا عن بعض الجيوب في المناطق التي احتلتها قوات الدعم السريع.
وتعود الغلبة العددية الكبيرة لقوات الدعم السريع لنجاح قيادتها في التعبئة والتجنيد الواسع وسط الحواضن الاجتماعية والجهوية في غرب البلاد، خاصة بعد استهدافها لقيادات الإدارات الأهلية هنالك، وإعلان انحياز قيادات معظمها لجانب الدعم السريع. هذا إضافة الى حشد أعداد من القوات من بين القبائل المشتركة بين غرب السودان ودول جواره.
وبعد عام ونصف، وبداية العام 2025، بدأت القوات المسلحة السودانية في استعادة مقدراتها الحربية ومعالجة قصورها السابق وبدأت في شن هجمات مضادة. حيث استعادت في البداية ولاية سنار، ثم ولاية الجزيرة في وسط البلاد، ثم استعادت جميع مناطق العاصمة بولاية الخرطوم، بما فيها الرموز السيادية مثل القصر الجمهوري والقيادة العامة للقوات المسلحة ومقار الوزارات الاتحادية.
والملاحظ في معظم التقدمات التي حققها بها الجيش السوداني واستعادته للعديد من المدن والأراضي أنها لم تتم عبر مواجهات عسكرية كبيرة وواضحة بين الطرفين، حيث راجت تكهنات بأن اتفاقات غير مباشرة قد تمت بينهما نتج عنها الانسحابات وإعادة تموضع قوات الطرفين في مواقعها الحالية. ويرجح هذه التكهنات الخروج الآمن، نسبياً، لقوات الدعم السريع دون مهاجمة الطيران الحربي للقوات المسلحة وعبورها نحو الضفة الغربية للنيل الأبيض، خارج مركز العاصمة الخرطوم.
وباستعادة القوات المسلحة للعاصمة، يمكن وصف مسرح العمليات العسكرية بتقاسم طرفيها الرئيسيين والفصائل المصطفة مع أي منها لجغرافية السودان بنسب تكاد تكون متساوية. فبينما تعيد القوات المسلحة السيطرة على مواقع عديدة في الوسط والضفة الشرقية للنيل الأبيض وضفتيّ النيل الأزرق مع التحرك العسكري المحدود والحذر نحو غرب البلاد، نجد ان الدعم السريع يحاول ان يكمل فرض سيطرته على كامل ولايات كردفان الثلاث ودارفور الكبرى، وان يتقدم في ولاية النيل الازرق، بالإضافة الى المناطقة المتاخمة للضفة الغربية للنيل الأبيض.
ومن الملاحظ أيضاً، ان القوات المسلحة قد تمكنت بعد صدمة هزائمها الأولى من ملء فراغ عددية القوات المقاتلة، وذلك عبر فتح معسكرات الاستنفار والتجنيد العسكري للمواطنين. ويظهر في قيادة حملات التعبئة هذه كوادر الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المحلول، بما فيها قيادتهم للمقاومة الشعبية والمشاركة في المعارك العسكرية بصورة مباشرة عبر تشكيلاتهم العسكرية المختلفة. كما ساهمت بصورة ملحوظة في التقدم العسكري للقوات المسلحة مشاركة القوة المشتركة لعدد من الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا، مثل حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. كما تشمل القوات المتحالفة مع القوات المسلحة عشرات المليشيات القبلية من النيل الأزرق وشرق السودان، بإضافة لقوات درع السودان، والتي حاربت خلال العام الأول من الحرب إلى جانب قوات الدعم السريع، وغيرت ولائها مؤخراً إلى القتال إلى جانب القوات المسلحة.
ومنذ انطلاقة الرصاصة الأولى لحرب 15 أبريل في الخرطوم، يجري اتهام المجموعات الإسلامية بالتسبب في اندلاعها وتأجيجها وإطالة أمدها، وعرقلة جميع المبادرات الساعية لدفع الطرفين إلى اتفاق يوقف العدائيات ومن ثم يحقق السلام. أيضاً، تشير التقارير إلى ان القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ظلتا تتلقان مساعدات عسكرية خارجية مستمرة، في ظل تنافس القوى الإقليمية على النفوذ والمصالح في السودان، خاصة مع توفر الموارد الطبيعية والموقع الجيوسياسي الإستراتيجي للسودان. حيث تشير المزاعم إلى قيام جمهورية مصر بتقديم الدعم العسكري للقوات المسلحة (على سبيل المثال الدعم الجوي)، في حين تقدم الإمارات العربية المتحدة مساعدات عسكرية مستمرة لقوات الدعم السريع. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الكميات الكبيرة والنوعية من المعدات العسكرية من إيران وتركيا في التقدم العسكري الذي أحرزته القوات المسلحة في ساحة المعركة في الآونة الأخيرة.
مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، يتسيد مسرحها العسكري-الأمني التعبئة والتحشيد المناطقي والإثني، ويعلو خطاب الكراهية والخطاب العنصري على ما سواه، ويتعمق الاستقطاب. حيث نجد أن الجيش السوداني يطلق عليها مسمى حرب الكرامة، وفي المقابل يسعى الدعم السريع على تسميتها بحرب تحطيم الدولة القديمة (دولة 56). وحول سرديتيّ الحرب يتم التجيش والتحشيد وتستمر حملات التصعيد العسكري. وقد أدت إطالة أمد الحرب، والثنائية والاستقطاب العسكري، الجهوي والإقليمي الحاد، بالفعل الى انخراط ودعم مجموعات ومنظمات مدنية عديدة لطرفيّ الحرب، متأثرين بسردياتها ووسائل تعبئتها.
كما ضيّق هذا الاستقطاب كذلك من فرص تطوير المنظومة العسكرية والأمنية بصورة مهنية وموحدة في سودان ما بعد الحرب، خاصة وسط دعاوى تكوين منظومة عسكرية وأمنية جديدة، في مواجهة استمرار المنظومة الحالية، وهي القضية التي ظلت ملازمة لجميع حروب السودان السابقة.
تطورات الخارطة السياسية
ينطبق على وصف الخارطة السياسية، بعد عامين على حرب السودان، بأنه كلما ارتفعت أصوات البنادق والمعارك العسكرية، انخفضت أصوات القوى والعمل المدني والسياسي. فقبل اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 ظل صوت القوى والتنظيمات السياسية المدنية هو الأعلى في سعيها الدؤوب لنزع فتيلها وتخفيض حدة التوترات المتصاعدة حينها بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع؛ حيث كان العملية السياسية للاتفاق الإطاري احدى أهم المبادرات الرامية إلى منع نشوب الحرب ووضع البلاد في مسار الإصلاح الأمني والعسكري، واستعادة النظام الدستوري والحكم المدني.
لقد سعت قوى الحرية والتغيير حينها، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، والعديد من التنظيمات المدنية، إلى إدانة ورفض الحرب عند بدايتها بتبني موقف الحياد الإيجابي ومحاولة دعم الوصول لوقف عدائيات سريع يحول دون تمددها وانتشارها. وبالفعل منذ الأسابيع والاشهر الأولى تم تكوين الجبهة المدنية لوقف الحرب، ثم جاء تكوين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وهو التحالف الذي سعى مؤسسيه – وغالبيتهم من تحالف الحرية والتغيير – إلى تكوين أكبر جبهة مدنية مناهضة للحرب.
وفي المقابل، اعتزلت مجموعة من التنظيمات المشاركة ضمن تحالف تقدم واختطت طريقها المنفرد في رفض الحرب، ومنها تيار الكتلة الديمقراطية بقيادة حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وتيار اليسار ممثلاً في التحالف الجذري، والحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال وحركة تحرير السودان. وتمثل هذه الاختلافات بين القوى السياسية، رغم اتفاقها على الهدف الإستراتيجي، امتداداً للانقسامات والتشظي الذي ظل سمتها البارزة طيلة الفترة الانتقالية السابقة للحرب.
باستطالة أمد الحرب وتصاعد حدتها وحملات الاستقطابية، ظل تحالف تقدم يتعرض لهجوم وانتقاد مستمر من قبل المجموعات المصطفة مع القوات المسلحة من مناصريّ حملة حرب الكرامة. حيث ظل تحالف تقدم يواجه الاتهام المستمر بأنه يمثل الظهير السياسي لقوات الدعم السريع. وهو ما ظل ينفيه في وثائقه ومواقفه المستمرة، مؤكداً رفضه لكلا طرفيّ الصراع، وافتقارهما للشرعية. وفي المقابل لذلك، تحولت مجموعة من القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح، على رأسها تحالف الكتلة الديمقراطية من موقف الحياد الذي تبنته في بداية الحرب، لتعلن موقفها الداعم والمصطف مع القوات المسلحة.
لقد أدى استمرار الحرب وتصاعد حملاتها الاستقطابية – السياسية والجهوية والاثنية – إلى المزيد من الانقسام والتشظي وسط القوى المدنية-السياسية، بل حتى داخل التنظيم السياسي الواحد، حيث انقسمت العديد من الأحزاب بضغوط الاصطفاف مع هذه الطرف أو ذاك. ولم يسلم تحالف تقدم من هذه الانقسامات الداخلية، لاسيما بشأن إستراتيجية نزع الشرعية من طرفيّ الصراع، بين من يدعم تكوين حكومة موازية لسلطة بورتسودان، ومن يرى في تلك الخطوة انحيازاً لقوات الدعم السريع، بل وتصعيداً لخطر الانقسام الجغرافي بقيام حكومتين متوازيتين في شرق البلاد وغربها.
حيث انقسم بالفعل تحالف تقدم الى معسكر برئاسة رئيس الوزراء خلال الفترة الانتقالية ومجموعة من الاحزاب، تحت اسم التحالف المدني الديموقراطي لقوى الثورة (صمود)، بينما عمل المعسكر الآخر بقيادة مجموعة مهمة من مكونات الجبهة الثورية وعدد من التنظيمات على تطوير تحالفها مع قوات الدعم السريع. ويمكن الآن توصيف المشهد السياسي بصورة عامة إلى ثلاثة معسكرات رئيسية:
المعسكر الأول يشمل التنظيمات السياسية والمدنية المصطفة مع القوات المسلحة، مثل تحالف الكتلة الديمقراطية، وقوى الحراك الوطني، وقوى التراضي الوطني، ومجموعة من الأحزاب الصغيرة ومنظمات المجتمع المدني والإدارات الأهلية. ويتبنى هذه المعسكر مجموعة من الوثائق التأسيسية، منها الوثيقة الدستورية المعدلة التي حكمت الفترة الانتقالية سابقاً، ووثيقة الطريق إلى السلام والاستقرار، والتي حظيت بدعم والقبول من قيادة القوات المسلحة.
المعسكر الثاني المصطف مع قوات الدعم السريع فيضم تنظيمات من الجبهة الثورية والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ورئيس حزب الامة القومي وعدد من التنظيمات السياسية والقيادات الأهلية والمدنية؛ حيث طورت هذه المجموعات وثائقها الممثلة في الميثاق السياسي لتحالف تأسيس ومسودة الدستور الانتقالي لجمهورية السودان.
بين هذين المعسكرين الداعمين للحرب، توجد تنظيمات غير موحدة تشكل في مجملها الجبهة المدنية المناهضة للحرب، ممثلة في تحالف صمود، والتحالف الجذري لقوى اليسار بقيادة الحزب الشيوعي السوداني، وحركة تحرير السودان، وحزب البعث، وعدد من التنظيمات السياسية والمدنية المستقلة.
وتواجه مجهودات بناء الجبهة المدنية الواسعة المناهضة للحرب تحديات كبيرة ومتعددة، في مقدمتها كيفية إدارة ومعالجة اختلافات أطرافها السياسية، وتطوير وتعزيز شرعيتها كممثل للسودانيين ولضحايا الحرب، وإمكانية تأثير مكوناتها على جهود العون الإنساني، ومواجهة حملات التشويه والتظليل الإعلامية المكثفة الموجهة ضدها، والضغط والتأثير على أطراف الصراع لوقف العدائيات، والعمل على تصميم عملية سلام وعملية سياسية شاملة تنهي الحرب وتعيد إرساء النظام الدستوري.
مشهد المجتمع المدني
منذ استقلال السودان في 1956، لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً محورياً في عمليات التغيير، والتنوير، وتقديم الخدمات، والإصلاح السياسي والاقتصادي والتطوير الاجتماعي والثقافي. وتضم هذه المنظمات، على سبيل المثال لا الحصر، أندية الخريجين والعمال، الجمعيات الثقافية والأدبية، الأندية الرياضية، والروابط الإقليمية والمهنية، ونقابات العمال والمزارعين، والشباب والطلاب، والمجموعات النسائية، والجمعيات المحلية والقاعدية، فضلاً عن التنظيمات والأحزاب السياسية. وقد كان دور منظمات المجتمع المدني أساسياً في التأثير على السياسات المتعلّقة بالديمقراطية، وصناعة وبناء السلام، والعمل الإنساني، والتنمية. وقد تجلّت هذا الأدوار في قمتها بمشاركة وقيادة المجتمع المدني الفاعلة في نضالات السودانيين من أجل الاستقلال، وفي قيادة الانتفاضات الشعبية في أكتوبر 1964، وفي 1985، وفي ثورة ديسمبر 2018، وهي النضالات التي نجحت في إسقاط ثلاثة أنظمة عسكرية دكتاتورية عبر الإضرابات العامة والعصيان المدني السلمي، وساهمت لحقب متفاوتة في استعادة التحول الديمقراطي وإسكات البنادق ببناء السلام.
مثلما أحدث اندلاع حرب السودان في 15 أبريل 2023 زلزالاً كبيراً في المجتمع والدولة السودانية، فقد تسببت الحرب كذلك في تحولات جذرية حول طبيعة وادوار ومستقبل المجتمع المدني السوداني. ويمكن القول بأنه باتساع رقعة الحرب في السودان، كما هو حادث الآن، تتشظى وتتقلص مساحات العمل المدني السلمي.
حيث نجد ان تطورات الحرب في السودان والانقسامات الجغرافية والجهوية التي أحدثتها، قد أوجدت كذلك انقسامات الى أربع مناطق متميزة يعمل فيها المجتمع المدني، وتختلف أنماط وقواعد وطرق عمله تحت أياً منها. وتشمل هذه السياقات، المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة السودانية، المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، والمناطق تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، والمناطق التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان.
وعلى الرغم من هذه الانقسامات المناطقية، يمكن الحديث عن خمس فئات رئيسية للمجتمع المدني، تتداخل أدوارها ومجالات ومناطق عملها وتحدياتها التشغيلية، حيث تشمل:
المجموعة الأولى تتكون من المنظمات غير الحكومية الحديثة، التي يتطلب عملها التسجيل الرسمي والحصول على اذونات العمل من الهيئات التنظيمية الحكومية، مثل مفوضية العون الإنساني. وعادة ما تشمل مجالات عملها قضايا التنمية المجتمعية، والثقافة، والحقوق السياسية والمدنية، والبيئة، والتنمية، وتقديم الخدمات. وقد واجهت هذه الفئة صعوبات عديدة بعد اندلاع حرب 15 أبريل، حيث اضطر معظمها الى النزوح والتهجير داخل وخارج السودان، أو تعليق عملها، كما اضطر بعضاً منها إلى تغيير مجالات العمل ليشمل توفير الاحتياجات الإنسانية.
المجموعة الثانية تضم منظمات المجتمع المدني التي عملت تاريخياً في مناطق الصراع في دارفور، والنيل الأزرق، وجبال النوبة. حيث تركز هذه المنظمات مجهوداتها على تقديم الخدمات والغوث الإنساني وبناء السلام والأنشطة المجتمعية مع المجتمعات المحلية والنازحين داخلياً، وقد مكنتها خبراتها الطويلة في مناطق الصراع على التكيف والصمود على الرغم من التأثير المدمر للحروب.
المجموعة الثالثة تتمثل في المنظمات القاعدية والأهلية المحلية القائمة على الأسس الدينية أو الإثنية أو المناطقية، وتستهدف مجالات عملها خدمة و تلبية الاحتياجات الأساسية لمجتمعاتها، وهي ذات طبيعة قاعدية لا تتجاوز معارفها وطرق عملها مجتمعاتها المحلية.
المجموعة الرابعة تشمل منظمات الاستجابة لحالات الطواري والتي نشأت بعد حرب 15 أبريل، وتعمل بصورة رئيسية في تسهيل المساعدات الإنسانية وتوفير بعض التدابير لحماية المدنيين. ومن أمثلتها غرف الطوارئ، المطابخ المجتمعية، المجموعات الدينية وتكايا الطرق الصوفية، ولجان الأحياء، وغيرها من مجموعات محلية قاعدية طورت من خبراتها السابقة أو نشأت حديثاً للاستجابة للأزمة الإنسانية الطارئة. كما تضم هذه الفئة مجموعة من المنظمات التي تأسست بعد الحرب في مناطق وأقاليم لم تكن تشهد وجود ملموس للمجتمع المدني الحديث، مثل ولايات نهر النيل والشمالية، وجاء تكوينها بعد موجات النزوح من وسط السودان الى هذه المناطق.
الفئة الخامسة من تكوينات المجتمع المدني تشمل المنظمات في المنافي، وهي مجموعات قديمة ظلت موجودة قبل الحرب، تتفاوت قضايا اهتمامها وفق احتياجات الأوضاع في السودان – من المناصرة حول انتهاكات حقوق الإنسان، إلى قضايا التنمية، إلى التطوير والتبشير الثقافي وسط مجتمعات المهاجرين. وبعد حرب 15 أبريل طورت مجموعات المنافي من أدوارها في المساهمة ودعم العمل الإنساني بصورة كبيرة من خلال جمع التبرعات والتنسيق مع الهيئات والمنظمات الدولية. ومع ذلك تطالها بعض الانتقادات بسعي بعضها للعب أدوار قيادية إنابة عن المنظمات المحلية، أو قيامها بمهام تنفيذية ميدانية.
وتنتشر الفئات الخمس في المناطق الجغرافية الأربع المشار لها، كما تشترك في محافظتها وتطويرها للقيم الأساسية للمجتمع المدني، مثل المشاركة، والشفافية، والتمثيل، والاستقلالية، والطوعية، فضلا عن مبادئ العمل الإنساني الأربع- الإنسانية، الحياد، عدم التحيز والاستقلالية. ومع ذلك، فإن تداعيات حرب 15 أبريل شكّلت تحديات جسيمة للمحافظة على هذه القيم وحمايتها. فعلى سبيل المثال، تعرّضت منظمات المجتمع المدني في مناطق الصراع لضربات قاسية أثّرت على قدرتها على التمثيل الميداني والحضور المجتمعي، وفي الوقت نفسه أظهرت المجموعات القاعدية ومجموعات الاستجابة للطوارئ قدرات عالية من التكيّف والصمود أمام ظروف الحرب الكارثية، رغم القيود الكبيرة التي تواجه عملها.
وعلاوة على ذلك، تشكل قضايا مثل الالتزام بمبادئ العمل الإنساني مثل المساءلة والحياد والاستقلالية تحديات معقدة للعديد من المنظمات المحلية، سواء في علاقاتها مع أطراف الصراع أو في تفاعلاتها مع الهيئات والمنظمات الدولية العاملة في السودان. وتشمل هذه القضايا التعدد، وفي بعض الحالات التناقض، بين مستويات المحاسبية للمجموعات المحلية ( تجاه المانحين وسلطات الامر الواقع والمجتمعات المستفيدة) حيث تشمل في بعض الحالات دول ونظم قانونية وإدارية مختلفة. وهو ما ينطبق كذلك على القيود التي تحد من مقدرات المجموعات المحلية في المرونة والتكيف وأساليب الصمود المختلفة التي تعتمدها في عملها العابر لخطوط النار ولجغرافيات الصراع، خاصة فيما يتعلق بأدوارها في التفاوض المستمر ونسج العلاقات وبناء الثقة مع أطراف الصراع لتسهيل عملها على الأرض ولتخفيف المخاطر الأمنية التي تواجهها يومياً.
وفي ظل تراجع دور الدولة ومحاولات عسكرة مجمل الفضاء المدني، تدور حوارات ونقاشات مستمرة حول الأدوار الممكنة حالياً والمستقبلية للمجتمع المدني في ظل استمرار وتتمدد الحرب بآثارها المتعددة. وتشمل هذه الحوارات كيفية التعامل مع مستويات الانقسامات المتعددة التي يمر بها السودان، وإعادة تحديد وترتيب أولويات المجتمع المدني، خاصة فيما يتعلق بالمناصرة ودعم جهود تقديم المساعدات الإنسانية.
يواجه، عموماً، المجتمع المدني في السودان، في ظلال حرب 15 أبريل، مجموعة واسعة من التحديات والمخاطر، تشمل – دون أن تقتصر على – انعدام الأمن والعنف المستمر، الاستهداف الممنهج وسلامة وأمن الفاعلين فيه، إشكالات التمثيل والشمول، الاستقلالية والحياد، البنية التنظيمية الداخلية للمنظمات، تعقيدات الاتصال وتدفق المعلومات، المبادئ والقيم الحاكمة، والعلاقات مع الشركاء الدوليين. هذا إضافة للقيود المتزايدة باتساع وتعقد الحرب، من تشرذم واستقطاب وانقسامات جهوية وجغرافية وإثنية طالت المجتمع المدني، وتأثيراتها الناتجة مثل الاصطفاف والتسييس والعسكرة وفقاً للجغرافية والبيئة التي تعمل فيها المنظمات.
وعلى الرغم من المخاطر والتحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع المدني بعد الحرب، فقد تمكنت العديد من المنظمات من خلق أدوار وأدوات جديدة، مستمدة من معارفها المحلية وخبراتها التاريخية، أتاحت لها مقدرة نسبية على الصمود والاستمرارية، بما فيها محاولات التكيف والتعامل مع سلسلة التحديات والعقبات المنهجية التي تضعها أطراف الحرب امام عمل منظمات المجتمع المدني.
التحديات و عقبات العمل الإنساني والمجتمع المدني
ظلت منظمات المجتمع المدني السوداني المستقلة تعمل على مدى عقود تحت ظل تحديات وقيود وعقبات مستمرة من قبل مؤسسات الدولة السودانية، وبصورة خاصة خلال سيطرة نظام حكم حزب المؤتمر الوطني منذ 1989. حيث عانت حريات التجمع السلمي وتكوين الروابط والجمعيات من انتهاكات منهجية، لا تختلف كثيراً عن التجاوزات التي طالت مجالات الحريات وحقوق الإنسان.
وجاءت حرب 15 أبريل 2023 فاتحة المجال لحقبة جديدة من فرض القيود والعقبات على عمل منظمات المجتمع المدني، بما فيها المنظمات القاعدية والمحلية التي نشأت أو اكتسبت أدواراً جديدة في تقديم الخدمات والعون الإنساني بعد الحرب. ويمثل تسيس وعسكرة العمل الإنساني ونشاط المجتمع المدني السمة البارزة في حقبة الحرب، يتم خلالها استخدام وسائل وطرق متعددة من القيود ووضع العقبات للحد من استقلالية وفاعلية عمل المنظمات.
وتختلف مساحات العمل والقيود على العمل الإنساني والمجتمع المدني وفقا للسياق الجغرافي والعسكري-الأمني الذي تتحكم فيه أطراف الحرب؛ حيث تقوم واجهات مدنية بتنظيم وتنسيق عمل المجتمع المدني وفقاً للمنطقة الجغرافية وسيطرة أطراف الصراع. حيث نجد مفوضية العمل الإنساني تقود عمل المنظمات في مناطق سيطرة القوات المسلحة، والوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية في مناطق سيطرة الدعم السريع، ووكالة الإغاثة وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة الحركة الشعبية شمال، والهيئة العامة للعمل الإنساني والمنظمات في مناطق سيطرة حركة تحرير السودان.
وبالرغم من وجود هذه المؤسسات المدنية – الحكومية و شبة حكومية – لتنظيم وتنسق عمل المجتمع المدني، إلا أن التسيس والعسكرة تمثل السمة الرئيسية المحركة لعملها اليومي بعد حرب 15 أبريل، وبصورة خاصة في مناطق سيطرة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
ويمكن، استناداً على هذه الخلفية، تلخيص التحديات والعقبات والقيود التي تواجه العمل الإنساني والمجتمع المدني بعد حرب 15 أبريل في القضايا التالية:
اتساع دائرة الحرب وآثارها لتشمل معظم أقاليم السودان، مما أدى إلى انعدام الأمن وانتشار العنف، وانهيار للبنية التحتية وغياب للخدمات، فضلا عن المخاطر الأمنية اليومية التي يتعرض لها العاملين في المجتمع المدني والإنساني من تهديد للحياة والإصابات والاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري وتقييد الحركة.
تعدد مناطق السيطرة والنفوذ العسكري- الأمني، وتفتت السلطة المركزية وغياب حكومة موحدة لها القدرة على تنظيم وتنسيق العمل الإنساني وانشطة المجتمع المدني، بما فيها تعدد الكيانات الموازية لسلطة الدولة.
تقلص الفضاء المدني الى أدنى درجاته، واضطرار غالبية منظمات المجتمع المدني القومية وذات الخبرة والتجارب الطويلة للنزوح داخلياً وخارجياً بسبب الحرب ومترتباتها.
بالرغم من الأدوار العظيمة للمؤسسات القاعدية في تقديم الخدمات الإنسانية، مثل غرف الطواري ومطابخ المركزية وتكايا الطرق الصوفية والروابط الجهوية والإثنية، إلا أن اتساع دوائر الحرب والانقسامات المجتمعية والجغرافية وحجم الأزمة الإنسانية، يضعها أمام سلسة من التحديات الكبيرة تتجاوز مقدراتها وخبراتها.
صعوبات التنسيق والعمل المشترك بين المنظمات المحلية القاعدية على المستويات الراسية – اتحادياً أو إقليمياً أو ولائياً – بسبب اختلاف بنياتها وخلفياتها وخبراتها، فضلاً عن الانقسامات الجغرافية والجهوية التي تسببت فيها الحرب.
ضعف القدرات الإدارية والتنظيمية الداخلية للعديد من تنظيمات المجتمع المدني، خاصة القدرات الفنية المرتبطة بإجراء المسوحات والتقديرات وكتابة المشروعات والتقارير، وطرق ووسائل التواصل والعمل مع الهيئات الدولية والمانحة.
التعقيدات الأمنية المرتبطة بالحصول على المعلومات والبيانات الصحيحة، وتعقيدات عمليات الاتصال وتبادل وتدفق المعلومات، والإعلام والنشر، والأخبار الكاذبة والمضللة، بما فيها تحديات انقطاع التيار الكهربائي وشبكات الاتصالات والإنترنت.
التحديات والعقبات المرتبطة بسياسات وإجراءات مفوضية العون الإنساني في تنظيم عمل المنظمات المحلية والدولية، بما فيه البيروقراطية المفرطة. حيث تتسم عمليات تسجيل المنظمات وتجديد تراخيصها وحركة منسوبيها والتصاريح المسبقة بدرجة عالية من التعقيد والتعطيل، وفرض رسوم عالية على المنظمات، ومحاولات السيطرة على عمليات التوظيف ومناطق العمل وتقييد الحركة. كما يشمل فرض قيود العمل البيروقراطية، بدرجة اقل، الوكالات الرسمية للعمل الإنساني خارج مناطق سيطرة الجيش.
التحكم والسيطرة الأمنية-العسكرية على العمل الإنساني بإنشاء اللجنة المشتركة العليا للطوارئ الإنسانية، برئاسة أحد قادة الجيش وعضو لمجلس السيادة، والعضوية الطاغية لممثليّ الأجهزة الأمنية، والهيمنة على ادوار مفوضية العمل الإنساني الإتحادية والولائية، بفرض عناصر أمنية في كافة أنشطتها.
تنافس أطراف الصراع في ادعاء الشرعية وممارسة السيادة للحصول على المساعدات الإنسانية وتأمين إيصالها وتوزيعها. ويشمل ذلك الصراع على منافذ السيطرة مثل سيطرة القوات المسلحة على الإغاثة القادمة عبر مطار وميناء بورتسودان، والمعبر مع جمهورية مصر، وسيطرة الدعم السريع على عدد من المطارات والمعابر الحدودية مع نحو اربع دول. فضلا عن سيطرة القوات المشتركة الموالية للقوات المسلحة على العديد من مناطق التماس العسكرية.
تسيس العمل الإنساني بإنشاء واجهات مدنية من التنظيمات والتشكيلات العسكرية المشاركة في الحرب للعمل في المجتمع المدني والمجال الإنساني، بمنحها تصاديق من مفوضية العمل الإنساني، استناداً إلى ولاءات سياسية أو إثنية أو علاقات مع أطراف النزاع، وتسهيل حركتها واتصالاتها مع هيئات العون الخارجي.
بسبب طول أمد الحرب، وهيمنة خطاباتها – حرب الكرامة والسيادة مقابل حرب إزالة التهميش وتفكيك الدولة القديمة- اصطفت مجموعة محدودة من المنظمات المدنية مع أطراف الصراع، بالتماهي غير المباشر مع خطاباتها، وبتوظيف قدراتها وإمكاناتها المهنية في دعم هذا الطرف أو ذاك.
التلاعب بالمساعدات الإنسانية، خاصة القادمة من الدول العربية والتي يتم تسليمها للسلطات الرسمية، وتوجيهها لدعم المجهود الحربي وفقا لمناطق السيطرة. حيث توجد العديد من الشواهد والصور المنشورة على إنشار المساعدات في المناطق العسكرية وعند الجنود عليها شعارات الهيئات والدول المانحة.
نهب وبيع المساعدات الإنسانية في الأسواق، خاصة في الولايات والمدن الآمنة نسبياً في شرق وشمال السودان. حيث ظهرت كميات كبيرة من مواد الإغاثة عليها علامات الجهات المانحة بعدة مناطق مثل أسواق بورتسودان، كسلا، الدويم، سوق صابرين بأم درمان، القضارف، فضلاً عن حوادث نهب الإغاثات بطريق كوستي بالنيل الأبيض والأبيض بشمال كردفان.
توظيف المساعدات الإنسانية في الدعاية السياسية وإيهام الرأي العام بحرص الأطراف المتحاربة على أوضاع النازحين ومحاولة كسب تأييد المواطنين بتوزيع مواد العون الإنساني. حيث ظهر ذلك بصورة أوسع في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في مناطق الجزيرة والخرطوم.
على الرقم من تنظيم عدد من المؤتمرات الدولية لحشد الدعم الإنساني ومساعدة ضحايا حرب 15 أبريل، إلا أن الاستجابة والإيفاء بما يتم الالتزام به يتقاصر عن حجم الاحتياجات وتصنيف الأزمة الإنسانية في السودان بانها الأسواء في العالم المعاصر.
غياب الحلول والمقترحات غير التقليدية والبراغماتية في التعامل مع الأزمة الإنسانية من قبل المجتمع الدولي، والتركيز بصورة أكبر على دعم الحلول المحلية بتحميل المجموعات القاعدية أكبر من مقدراتها وخبراتها، بما فيها تعريضها لمخاطر العنف.
توصيات للتعامل مع تحولات الصراع وتحديات العمل المدني والإنساني
سعى التوصيات المقدمة أدناه إلى الاستجابة لأبرز التحولات والتغيرات التي طرأت على مشهد الحرب في السودان وهي تدخل عامها الثالث. وقد تم تبويبها لتوصيات موجه لفئات بعينها، مستهدفةً التغيير في السياسات واتخاذ القرارات، والمستوى العملياتي البرامجي. ومع ذلك، من المهم التعامل مع كلا الفئتين من التوصيات كحزمة واحدة متكاملة.
أولاً: توصيات لتعزيز أدوار المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية القاعدية
اعتماد منهج عمل أفقي مناطقي، يعترف ويراعي الانقسامات الجغرافية والإثنية التي أحدثتها الحرب والتطورات العسكرية، ويعتمد على مقدرات وتجارب الفاعلين المحليين.
تطوير مناهج مصممة لأمان وحماية المتطوعين السودانيين والعاملين في المنظمات المحلية، بما في ذلك حملات المناصرة للضغط على الفصائل المتحاربة لحماية العاملين في المجال الإنساني والمجتمع المدني، والتدريب على المخاطر السلامة، فضلاً عن مبادرات الدعم المالي والنفسي، إضافة إلى تعزيز قنوات الاتصال الآمنة بين المجموعات القاعدية وتحسين مهارات التفاوض وبناء الثقة وإدارة العلاقات مع الأطراف المتحاربة، لا سيما من خلال تطوير استراتيجيات اتصال قابلة للتكيف وتتماشى مع الظروف العسكرية والأمنية المتغيرة.
ضمان توفر الأدوات والمقدرات التقنية اللازمة للتصدي للمعلومات الضارة والمضللة للمنظمات المحلية، ومعالجة تحديات الاتصال، بما في ذلك معالجة المشكلات الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي وتعطل شبكات الاتصالات والإنترنت.
تقديم الدعم لتعزيز تبادل المعارف بين المنظمات الوطنية ذات الخبرة والمجموعات المحلية القاعدية، خاصة في مجالات الصمود والاستمرارية، وتوفير تبادل المعارف والمهارات (حسب الحاجة، على سبيل المثال، في مجالات الإدارة المالية، وتطوير المشاريع، وإعداد التقارير والمحاسبة امام المجتمعات المتضررة)، فضلاً عن دعم المنظمات المدنية الوطنية المستقلة ذات الخبرة لإعادة تموضعها داخل السودان من خلال توفير منح طارئة تسهل عودتها واستئناف أنشطتها من داخل السودان.
استكشاف بدائل للموارد المالية، مثل السودانيين المقيمين بالخارج، ويمكن أن يشمل ذلك تسليط الضوء بشكل أوضح على المساهمات الحالية للمنظمات في المنافي في دعم المجتمع المدني المحلي ومجموعات المساعدة في مجال تعبئة الموارد، والمناصرة، والإعلام، وزيادة الوعي الخارجي.
ثانياً: توصيات لأطراف النزاع
الوصول لاتفاق على وقف العدائيات للأغراض الإنسانية، لضمان وصول المساعدات دون عوائق وإلى جميع المناطق والسكان المتضررين من الحرب ، والالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي.
إنشاء مجلس مشترك لهيئات التنسيق الإنساني من مختلف مناطق سيطرة أطراف النزاع من أجل التنسيق
وتبادل المعلومات والمناصرة حول القضايا الإنسانية، على أن يضم هذا المجلس مشاركة المنظمات القاعدية ومنتظمات من المجتمع المدني المستقل.
احترام وحماية استقلال الفاعلين في العمل الإنساني والمجتمع المدني وضمان عدم استهدافهم أو ترهيبهم أو إيذائهم وحماية حقوقهم.
إنشاء قنوات اتصال مدنية — ليست عسكرية أو أمنية — بين أطراف الصراع والمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني لبناء الثقة والتفاهم، ولتسهيل التنسيق اليومي ودعم عمليات الإغاثة .
ضمان حياد واستقلالية العمل الإنساني والجهات الفاعلة الإنسانية/المجتمع المدني من قبل جميع أطراف النزاع. ويشمل ذلك الامتناع عن تسييس أو عسكرة العمل المدني والمساعدات الإنسانية، ورفع المراقبة الأمنية والاضطهاد عن المنظمات وموظفيها، وإزالة القيود البيروقراطية والأوامر العسكرية أو الإدارية التي تعطل عملها.
ثالثاً: توصيات للمجتمع الدولي
يجب أن تعكس استراتيجيات الاستجابة الإنسانية الواقع الحالي المنقسم جغرافياً وسياسياً، حيث توجد أربعة مناطق تحت سيطرة أطراف متحاربة متعددة، مما يستلزم تقديم المساعدة الإنسانية لملايين الأشخاص في مناطق غير مترابطة .ويتضمن ذلك العمل مع ودعم المنظمات الإنسانية المحلية والدولية في تبنيها لمنهجية عمل أفقية- لامركزي تتعامل مع وضعية الانقسامات القائمة.
يجب أن تتعامل الجهود الدبلوماسية بشكل اكثر براغماتي مع التطورات السياسية والعسكرية، بما في ذلك التعامل مع تحديات السيادة والشرعية، وبما يسهل ويسمح وصول الإغاثة الإنسانية والجهات الفاعلة، خاصة الى المناطق خارج سيطرة القوات المسلحة السودانية. ولعل أحد الطرق للمضي قدماً في هذا المنهج عبر استخلاص الدروس من الإستراتيجيات السابقة في التعامل مع العمليات الإنسانية العابرة لخطوط النار والحدود )على سبيل المثال، تجارب اليمن وسوريا وعملية شريان الحياة في السودان، خلال الحرب بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية).
التعرف على الخبرات المحلية المتنوعة والاستفادة منها. حيث يضم السودان مشهداً غنياً ومتنوعاً للمجتمع المدني، لكن تظل قضايا التمثيل والشرعية موضع خلاف مع تزايد الاستقطاب المستمر. فعلى الهيئات الدولية الفاعلة اتخاذ المزيد من الخطوات للتعامل مع الأصوات المتنوعة داخل المجتمع المدني والاستماع إليها وضمان اتباع نهج شامل في التعامل. ومن الطرق العملية للمضي قدماً في هذا الاتجاه عبر إجراء مشاورات مستمرة وواسعة النطاق مع الجهات المحلية الفاعلة.
زيادة الجهود الجماعية لتحسين المحاسبة أمام المجتمعات، حيث تعد آلية التغذية الراجعة المشتركة بين الوكالات الإنسانية، والتي طورتها مجموعة العمل المعنية بالمساءلة أمام السكان المتضررين خطوة جيدة يمكن البناء عليها، وبما يمكن من ضمان الحصول على اعلى قيمة مقابل الأموال الموجهة للمساعدات في ظل تراجع الموارد المالية عالمياً.
تطوير مناهج عمل جديدة بين الوكالات الدولية والمنظمات السودانية من خلال إدماج قدرات المجتمع المدني في المرونة والتكيف والقدرة على الصمود ضمن عمليات تصميم الاستراتيجيات الإنسانية وخطط العمل .ويشمل ذلك الارتقاء في العلاقة بين الطرفين – الدولي والمحلي – من شركاء منفذين الى شركاء متكافئين.
إنشاء قنوات اتصال وتبادل معلومات مستمرة بين الوكالات الإنسانية الدولية والمنظمات السياسية والمدنية السودانية،. بما فيها بذل الجهود للاستفادة من رؤاها وأدوارها وتأثيرهم في دعم عملية الاستجابة الإنسانية.
بالتعاون مع المجتمع المدني السوداني، تنظيم مؤتمر دولي حول الأزمة الإنسانية في السودان – لا يقتصر على الجوانب الفنية والمالية — يجمع قادة المنظمات القاعدية المحلية والمجتمع المدني المستقل والتنظيمات السياسية مع الوكالات الإنسانية والهيئات الدولية لتقييم الاستجابة الإنسانية ولوضع جدول أعمال مشترك.
إعطاء الأولوية لإنشاء هيكل تنسيق مدني- عسكري تابع للأمم المتحدة، بحيث يضمن هذا الهيكل التنسيق المتمسك بالمبادئ الإنسانية، واستخدام الموارد بكفاءة، وتعظيم التعاون بين الجهات الفاعلة المدنية والعسكرية.
الاستفادة من ”مبادئ التشغيل المشتركة“ التي أقرها الفريق الإنساني القطري والعمل على إنشاء نظم مراقبة مبتكرة للمساعدات الإنسانية من أجل تتبع توزيعها ومتابعته، ومنع تحويلها لأغراض عسكرية، وتجنب تهريبها أو تسربها أو بيعها في الأسواق.
التفكير في فرض عقوبات ذكية للتعامل مع ادعاءات تسييس وعسكرة العمل الإنساني ونشاط المجتمع المدني، بما في ذلك فرض العقوبات في حال التأكد من استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح في الحرب بين اطراف الصراع.
حث المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته المالية، لضمان التمويل الكافي للاستجابة الإنسانية في السودان.
الدعوة إلى إصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمعالجة التداعيات الإنسانية الاخيرة للتطورات العسكرية والأمنية والسياسية. ويجب أن يشمل ذلك أحكاماً تتعلق بإيصال المساعدات، وأمنها، ومراقبة توزيعها، وحماية العاملين في المجال الإنساني المحليين والدوليين.
***
شكر وتقدير
قام بإعداد هذه الورقة عبد المنعم الجاك، الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية والاجتماعية، والمختص في قضايا المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بالسودان والقرن الافريقي والشرق الأوسط.
استندت الورقة على المصادر المفتوحة للمعلومات والبيانات المتاحة في الفضاء العام. حيث اعتمدت بصورة رئيسية على مجموعة من الابحاث والتقارير التي تم نشرها خلال الأشهر الأخيرة، إضافة إلى البيانات والتصريحات والمنشورات الإعلامية الموثوقة الصادرة عن أطراف الحرب في السودان وعن التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.
كما اعتمدت الورقة على مجموعة مختارة من المقابلات المباشرة مع عدد من الخبراء والفاعلين السودانيين في مجالات العمل الإنساني والمجتمع المدني، بما في ذلك مراجعة وتعليق عدد منهم على مسودة الورقة. حيث شملت قائمة المختصين ممن تم الرجوع اليهم في اعداد الورقة كل من:
الدكتور اديب يوسف، مدير منظمة من الناس للناس والمختص في قضايا فض النزاعات وعمليات السلام.
الدكتورة بشائر احمد، مؤسسة منظمة شبكة والمختصة في القضايا الإنسانية ومنظمات المهاجرين والمنافي.
الاستاذ مدني عباس مدني، مدير منظمة نداء للتنمية والباحث في علم الاجتماع والتنمية.
الدكتور صلاح الأمين، الخبير في العمل الإنساني والموظف الدولي السابق في الصليب الأحمر الدولي.
الأستاذ محمد الشابك، الخبير في العمل الإنساني والموظف الأممي بالأمم المتحدة بالصومال.
الدكتور عمر أحمد صالح، مسؤول الجناح الإنساني للتحالف المدني الديمقراطي- صمود.
الأستاذة عائشة حمد، المختصة في قضايا النوع ومديرة البرامج بالهيئة المدنية للعون الإنساني.
الأستاذ نميري عيسى، الهيئة العامة للعمل الإنساني والمنظمات.
***
قائمة بالمصادر والمراجع:
أباسكال، دانيال. من يمول ويسلح الميليشيات الإسلامية في السودان؟ أطاليا. 13 مايو 2025.
https://www.atalayar.com/en/articulo/politics/who-is-financing-and-arming-islamist-militias-in-sudan/20250513085536214716.html
عبد الجليل، موسى أ. وكمير، الواثق. المبادرات المدنية السودانية لإنهاء الحرب. المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA). 11 ديسمبر 2023.
https://www.idea.int/sites/default/files/2023-12/sudanese-civilian-initiatives-for-ending-the-war.pdf
عبد الشافع، كسكوندي. عامان من الحرب في السودان: من الثورة إلى الدمار والمعركة من أجل النهوض من جديد. العدالة والأمن. 14 أبريل 2025.
Two Years of War in Sudan: From Revolution to Ruin and the Fight to Rise Again
علي، حيدر إبراهيم. المجتمع المدني والمجتمع التاريخي في السودان. مركز الدراسات السودانية، 2001.
الجزيرة نت. الطريق إلى السلام والاستقرار: تفاصيل الوثيقة الجديدة التي تقترح بقاء البرهان في السلطة لأربع سنوات إضافية. 10 فبراير 2025.
https://www.aljazeera.net/politics/2025/2/10/
عسل، منزول أ. الانتفاضة الشعبية في السودان ونهاية الإسلاموية. معهد كريستيان ميكلسون (CMI)، النرويج. 2019.
صحيفة الصيحة. الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال: ميثاق التحالف التأسيسي يعكس رؤية السودان الجديد. 25 فبراير 2025.
SPLM-N: The Founding Alliance Charter reflects the vision of a New Sudan
بلال، عبد الرحيم. القضية الاجتماعية والمجتمع المدني في السودان. دار جامعة الخرطوم للنشر، 2004.
بوزويل، آلان. مؤتمر لندن وجمود جهود السلام في السودان. مجموعة الأزمات الدولية. 18 أبريل 2025.
https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/london-conference-puts-paralysed-sudan-peace-efforts-display
مجموعة الأزمات الدولية. بعد عامين، الحرب في السودان تتوسع. 7 أبريل 2025.
https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/sudan/two-years-sudans-war-spreading
ماكسويل، دانيال، سانتشي، مارتينا، وجوردون، رايتشل. مراجعة الدروس الرئيسية من عملية شريان الحياة في السودان. جامعة تافتس. أغسطس 2014.
المهدي، عبد الرحمن، عبد الحميد أ.، ومحمود، لجين. المجتمع المدني والصراع في السودان: أدوار متغيرة وتحديات وأولويات. المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA). 27 ديسمبر 2024.
https://www.idea.int/sites/default/files/2024-12/civil-society-and-conflict-in-sudan-shiting-roles-challenges-and-priorities.pdf
البطحاني، عطا. إشكالية الانتقال السياسي في السودان: مقاربة تحليلية. المركز الإقليمي للتدريب وتنمية المجتمع المدني، سبتمبر 2019.
الجِزولي، كمال. منظمات المجتمع المدني والفضاء الأخلاقي للتغيير في السودان (باللغة العربية). الجزيرة نت، ديسمبر 2013.
HERE-Geneva. التيه في السودنة؟ ما معنى النهج الإنساني القائم على المبادئ في الاستجابة لأزمة السودان. أبريل 2025.
https://here-geneva.org/wp-content/uploads/2025/05/Principled-H-programming-in-Sudan_HERE-Geneva_2025-1.pdf
مدني، عباس م. المجتمع المدني السوداني: أدوار متعددة وتحديات مستمرة. 10 سبتمبر 2024.
https://www.annd.org/en/publications/details/sudanese-civil-society-multiple-roles-and-ongoing-challenges-madani-abbas-madani
مات ناشد. بعد الانقسام، هل يمكن لتحالف مناهض الحرب في السودان إعادة ابتكار نفسه؟ 20 فبراير 2025.
https://www.aljazeera.com/news/2025/2/20/after-splinter-can-sudans-anti-war-coalition-reinvent-itself
ريلف ويب. الحكومة السودانية تشن حملة ضد منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء البلاد. 22 يناير 2024.
https://reliefweb.int/report/sudan/sudan-govt-cracks-down-civil-society-groups-entire-country
سعد، محمد. الحرب في السودان لم تنته بعد – تصاعد الجماعات المدنية المسلحة. ذا كونفرسيشن. 11 أبريل 2025.
https://theconversation.com/sudans-war-isnt-nearly-over-armed-civilian-groups-are-rising-254100
منظمة شبكة. حماية المستجيبين الأوائل: التحديات والتوصيات. 8 أغسطس 2024.
سليم، هيوغو. ليس من الضروري أن تكون محايدًا لتكون إنسانيًا جيدًا. ذا نيو هيومنتاريان. 27 أغسطس 2020.
https://www.thenewhumanitarian.org/opinion/2020/08/27/humanitarian-principles-neutrality
منتدى المنظمات الوطنية السودانية. نهب المنظمات غير الحكومية خلال الحرب في السودان: تقرير تقييم الأثر. أكتوبر 2023 (2023a).
سودان بوست. حمدوك يقود تحالفاً مدنياً جديداً بعد انقسام “تقدم”. 11 فبراير 2025.
سودان تريبيون. الإعلان الدستوري المعدل يمدد الفترة الانتقالية في السودان. 23 فبراير 2025.
https://sudantribune.com/article297812/
سودان تريبيون. غرف طوارئ الخرطوم ترفض تسييس العمل في النزاع. 17 مايو 2025.
https://sudantribune.com/article301018/
سودان وور مونيتور. الجسر الجوي الإيراني للجيش السوداني. 17 أكتوبر 2024.
https://sudanwarmonitor.com/p/evidence-iran-weapons-deliveries
سودان وور مونيتور. شريان الحياة: كيف تغذي المساعدات الإنسانية الدولية الحرب في السودان (باللغة العربية). 6 مارس 2025.
https://sudanwarmonitor.com/p/70b
مجموعة المناصرة من أجل السلام في السودان (AGPS). تعزيز عملية شاملة ومتعددة الأطراف للسودان. 14 أبريل 2025.