“بين الدمار والذكريات… عدسة سودانية توثق حربًا منسية”

أفق جديد
في خضم الدمار الذي خلّفته الحرب المستمرة في السودان منذ اندلاعها في أبريل 2023، وجد مصعب أبو شامة نفسه يتحول من هاوٍ للتصوير إلى مصور حرب يوثّق تفاصيل الحياة تحت القصف والدمار. رحلة بدأها بحب توثيق اللحظات، لكنها تحولت مع الحرب إلى شهادة حية على معاناة شعبه.
في حوار خاص مع مجلة ماي مودرن ميت، شارك أبو شامة تجربته الفريدة، وأسباب استمراره في التصوير رغم الألم، ورؤيته لدور الفن في مواجهة النسيان.

* متى بدأت رحلتك مع التصوير الفوتوغرافي؟
بدأ الأمر كهواية بسيطة. لطالما أحببت فكرة الاحتفاظ باللحظات وتسجيلها بصريًا. مع الوقت، أصبح التصوير وسيلة لفهم العالم من حولي، وأداة أعبر بها عن مشاعر يصعب وصفها بالكلمات.

* لماذا شعرت أن من المهم أن توثق ما يحدث في السودان؟

لأننا إذا لم نفعل ذلك بأنفسنا، فمن سيفعل؟ لا أريد أن تُختصر قصتنا في عناوين الأخبار الباردة أو تحليلات سياسية. الأمر أكبر من ذلك. إنه يتعلق بالناس، بالحياة اليومية، بالألم والأمل. شعرت بمسؤولية شخصية لأن أترك أثرًا يروي للعالم من نحن، وما الذي يحدث لنا.


* حدثنا عن فكرة دمج صور ما قبل الحرب وما بعدها؟ كيف بدأت؟
عندما عدت إلى حيي بعد عام من النزوح، صُدمت. المكان مألوف لكنه غريب في الوقت ذاته. الشوارع التي كانت مليئة بالحياة أصبحت أنقاضًا. بدأت بشكل تلقائي أبحث في أرشيف صوري القديمة، وأقارنها بما أراه الآن. وجدت أن دمج الصور صار طريقة لرفض الاستسلام للنسيان، وطريقة للتشبث بالذكريات التي لم تعد موجودة على أرض الواقع.


* هل هناك صورة بعينها تختصر هذه المشاعر؟
نعم، صورة لطفلين كانا يلعبان في شارع هادئ، دمجتها مع صورة حديثة لنفس الشارع، لكنه اليوم مملوء بالحطام والصمت. هذا التباين أصابني في العمق. لم يكن مجرد تسجيل للخسارة المادية، بل لخسارة شعور الأمان، والطفولة، والانتماء.

* هل ساعدك التصوير على تجاوز هذه التجربة؟
إلى حدٍ كبير، نعم. التصوير أصبح طريقتي لفهم ما حدث. في ظل الحرب، يشعر الإنسان أحيانًا بالشلل أو بالخدر. لكن رفع الكاميرا والتقاط الصور منحني قدرة على استيعاب المأساة وتحويلها إلى فعل، إلى ذاكرة، إلى شكل من أشكال المقاومة. لم يُشفِني تمامًا، لكنه أنقذني من الانهيار.


* تصويرك فتح نافذة أمام العالم لرؤية ما يحدث في السودان. كيف تشعر حيال ذلك؟
هناك شعور بالامتنان لأن قصتنا تُروى من خلال عدستي، لكن أيضًا هناك إحباط. التغطية الإعلامية العالمية غالبًا ما تتجاهل الصراعات الأفريقية. أشعر أن أصواتنا تُعامل أحيانًا وكأنها هامشية أو غير مستعجلة. أتمنى أن يكون عملي مساهمة بسيطة في كسر هذا التهميش.


* ما الرسالة التي تأمل أن تصل من خلال أعمالك؟
أن يفهم الناس أن الحرب ليست أرقامًا في نشرات الأخبار. الحرب هي وجوه وأسماء وذكريات. هي بيوت وأصوات وضحكات توقفت فجأة. أتمنى أن يرى من يشاهد صوري السودان كجزء من الإنسانية المشتركة، لا كمكان بعيد وغريب.


* بالنسبة لمن يشاهدون من الخارج، كيف يمكنهم المساهمة في دعم السودان؟
أولاً، لا تسمّوا ما يحدث “حربًا أهلية”، لأن هذا الوصف يُخفي الحقيقة، ويُبقي الأبواب مفتوحة لاستمرار الدمار. استمعوا لأصوات السودانيين. شاركوا قصصهم. ادعموا المنظمات التي تعمل مباشرة مع المجتمعات المتضررة. والأهم، لا تسمحوا بأن يُطوى السودان في زاوية النسيان. الاهتمام وحده يمكن أن يحدث فرقًا.


* ما الذي تخطط له في المستقبل؟
أنا أواصل دراستي في برنامج ماجستير الفنون الجميلة في كلية الفنون البصرية في نيويورك. أعمل حاليًا على توسيع مشروع “تدوين” ليشمل الفيديو والصوت والأعمال التركيبية، وأحلم بإصدار كتاب فوتوغرافي يحكي هذه القصة من خلال عيوننا نحن، لا من خلال عدسات بعيدة. أؤمن أن للفن قدرة على إبقاء القصص حية، مهما طال الزمن.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى