“وثيقة نيروبي: خارطة طريق نسائية لوقف إطلاق النار في السودان”
نيروبي – أفق جديد
في خطوة وُصفت بأنها فارقة على طريق تعزيز دور المرأة في جهود بناء السلام بالسودان، أعلنت مؤسسة CMI – مارتي أهتيساري للسلام عن سلسلة من المبادرات العملية لدعم مشاركة النساء السودانيات في مفاوضات وقف إطلاق النار والعملية السياسية الجارية، وذلك في أعقاب النزاع الدامي الذي اندلع في السودان منذ أبريل/نيسان 2023.
ورغم الدور الحيوي الذي لعبته النساء السودانيات في دعم مجتمعاتهن، وتهدئة التوترات، ومناصرة جهود السلام، لا تزال أصواتهن مهمشة إلى حد كبير في المفاوضات الرسمية، وفي العملية السياسية الأوسع التي يُنتظر أن تحدد مستقبل السودان.
* تاريخ طويل من التهميش رغم الأدوار القيادية
لطالما كانت النساء السودانيات في صدارة المشهد المجتمعي والسياسي، سواء خلال الثورات الشعبية أو في جهود الإغاثة والعمل الإنساني، ومع ذلك، لا يزال حضورهن في محادثات وقف إطلاق النار والعمليات السياسية إما هامشيًا أو رمزيًا في أحسن الأحوال.
وفي هذا السياق، أكدت مؤسسة CMI أن تجاهل أصوات النساء في عمليات السلام يُقوّض مصداقية تلك العمليات، ويهدد استدامة الاتفاقات التي قد تُبرم.
تقول إلماري لونا، مسؤولة المشاريع في المؤسسة:
“غياب معايير اختيار واضحة وعادلة يجعل مشاركة النساء عرضة للتقويض، إما من خلال التمثيل الرمزي أو التلاعب السياسي، وهو أمر يهدد شرعية العملية بأكملها.”
* خطوات عملية ومنهجية مدروسة
منذ بداية العام 2025، أطلقت مؤسسة CMI سلسلة من الخطوات العملية لتعزيز مشاركة النساء، بدأت بإجراء استطلاع إلكتروني في مارس/آذار 2025، شاركت فيه 313 امرأة سودانية من مختلف أنحاء البلاد، وكذلك من الشتات السوداني.
استهدف الاستطلاع فهم رؤى النساء حول أسس التمثيل العادل، والأولويات التي ينبغي أن تُطرح على طاولة المفاوضات، والمعايير التي يجب أن تُعتمد لاختيار من يتحدث باسم النساء في تلك المحافل.
أعقب الاستطلاع سلسلة من المشاورات الإلكترونية مع منظمات نسائية، وأحزاب سياسية، وحركات مسلحة، للتحقق من نتائج الاستطلاع وتطويرها لتصبح أكثر شمولًا ودقة.
وجاءت الخطوة الأهم في شكل ورشة عمل موسعة استمرت يومين في العاصمة الكينية نيروبي يومي 2 و3 يونيو/حزيران 2025، جمعت قيادات نسائية بارزة، وممثلات عن تحالفات ومنظمات نسوية، إضافة إلى ممثلات عن الأحزاب والحركات السياسية السودانية.
أهداف ورشة نيروبي
هدفت الورشة إلى تحقيق عدد من الأهداف الجوهرية، أبرزها:
الاتفاق على معايير شفافة وعادلة لاختيار الممثلات.
وضع أجندة موحدة للنساء السودانيات في مسار وقف إطلاق النار والعملية السياسية.
تعزيز وحدة الصوت النسوي، رغم تباين الخلفيات السياسية والجغرافية والاجتماعية.
الاستفادة من تجارب دول أخرى خرجت من نزاعات مماثلة، لبناء نموذج فعال يضمن مشاركة المرأة في صناعة القرار.
مخرجات ملموسة ووثيقة تاريخية
أسفرت هذه العملية التشاركية عن إصدار وثيقة ختامية وصفت بأنها “خارطة طريق نسائية” لمشاركة المرأة السودانية في مسارات السلام. وشملت الوثيقة أربعة محاور رئيسية:
المبادئ العامة لمشاركة النساء:
وتؤكد على ضرورة أن تكون المشاركة قائمة على الشفافية، والمساءلة، والتمثيل الحقيقي للمجتمعات، لا على المحاصصات أو التعيينات السياسية الشكلية.
معايير اختيار الممثلات:
حددت الوثيقة معايير تشمل الخبرة المجتمعية أو السياسية، القدرة على التعبير عن قضايا النساء بفاعلية، الارتباط الوثيق بالمجتمع خاصة في مناطق النزاع، والالتزام بأجندة السلام.
إرشادات لاختيار المنظمات والشبكات المؤهلة للترشيح:
بحيث تكون تلك الكيانات ذات شرعية مجتمعية، وتعمل وفق أنظمة ديمقراطية، ولها سجل واضح في العمل النسوي أو المجتمعي.
أجندة نسائية موحدة:
والتي تضمنت مطالب واضحة تتعلق بالحماية، والمساءلة عن الانتهاكات، ووقف العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضمان تقديم الخدمات، إضافة إلى دمج منظور النوع في كافة بنود وقف إطلاق النار والعملية السياسية.
تقول سيلفيا طومسون، المديرة الأولى في CMI:
“هذه الوثيقة ليست فقط دليلاً إجرائيًا لاختيار الممثلات، بل هي أيضًا تعبير عن الحد الأدنى من التوافق بين النساء السودانيات على أجندة جامعة، رغم الاختلافات السياسية والمناطقية.”
* الخطوات المقبلة: من الورق إلى الواقع
أكدت مؤسسة CMI أن العمل لن يتوقف عند حدود ورشة نيروبي. فالخطوة القادمة تتضمن توسيع دائرة المشاورات، وعرض الوثيقة على الجهات الوسيطة والفاعلة في المسارات الوطنية والإقليمية والدولية.
كما يجري العمل على إنشاء آليات متابعة لضمان تنفيذ المبادئ والمعايير التي أُقرت، وضمان ألا تُستخدم مشاركة النساء كأداة تجميلية، بل أن تكون مشاركة حقيقية ذات تأثير مباشر في مسار السلام.
* لماذا المشاركة النسائية ضرورية؟
تشير تقارير الأمم المتحدة ودراسات عديدة إلى أن عمليات السلام التي تشارك فيها النساء بفعالية تكون أكثر استدامة بنسبة تصل إلى 35% مقارنة بتلك التي تُقصي النساء.
وتؤكد مؤسسة CMI أن “إقصاء النساء لا يعني فقط انتهاكًا لمبدأ العدالة والمساواة، بل أيضًا خطرًا مباشرًا على استدامة أي اتفاق سلام يُبرم، لأن نصف المجتمع ببساطة لا يجد صوته ممثلًا على الطاولة.”