الذهب القاتل

مناجم الموت في السودان المنهار

 

في مشهد مأساوي يلخص واقع السودان المنكوب بالحرب والفقر، لقي 11 عاملًا حتفهم في انهيار منجم ذهب تقليدي بمنطقة “كرش الفيل” شمال شرقي البلاد. 

الحادث يسلّط الضوء على الخطر المتزايد في مناطق التعدين الأهلي، حيث يعمل آلاف السودانيين في ظروف بدائية وغياب كامل للرقابة والأمن، وسط سيطرة الميليشيات المسلحة.

في ظل الحرب، تحوّلت المناجم إلى مصدر رزق ملوث بالدم، إذ يُستغل الذهب لتمويل النزاعات بدلًا من إنقاذ المجتمعات. 

يعكس الحادث حلقة مفرغة من الفقر، والتهجير، والإهمال، وسط غياب الدولة وتقاعس المجتمع الدولي. يظل الفقراء في السودان يطاردون الأمل في باطن الأرض، حتى وإن ابتلعتهم كما حدث في هويد.

=‫======‬

حين ينهار الذهب تحت وطأة الحرب.. مأساة أخرى في السودان المنكوب

في السودان، حيث يختلط بريق الذهب بغبار الحرب ورائحة الموت، شهدت بئر داخل منجم “كرش الفيل” في منطقة هويد الصحراوية الواقعة شمال شرقي السودان حادثًا مأساويًا، أودى بحياة 11 عاملًا إثر انهيار منجم ذهب، في مشهد يلخص ببشاعة الواقع الذي تعيشه البلاد. هنا، لا يُقتل الناس فقط برصاص الحرب، بل أيضًا تحت أنقاض الطمع والإهمال وغياب الدولة.

مناجم الموت

منذ سنوات، تحولت مناطق التعدين الأهلي في السودان إلى ملاذ أخير للآلاف ممن أنهكتهم الحروب والفقر. تحت حرارة الشمس الحارقة، وفي حُفر عميقة بلا أسس هندسية، يحفر الرجال بأيديهم بحثًا عن حفنة من الذهب. لكن يوم السبت 28 يونيو 2025، لم يُسفر الحفر عن ذهب، بل عن فاجعة.

الانهيار الذي وقع في منطقة تعدين بولاية منكوبة أصلاً بفعل الحرب، لم يكن الأول، ولن يكون الأخير ما دامت الأسباب ذاتها قائمة. روايات شهود العيان تتحدث عن انهيار مفاجئ لطمي الأرض، جرف معه العمال الذين كانوا داخل الحفرة، دون أن تتوفر لهم أي وسيلة نجاة.

 ليست الطبيعة وحدها من قتلت هؤلاء العمال. فالحرب التي تمزق السودان منذ أكثر من عام تركت وراءها فراغًا أمنيًا كاملاً. لا وجود لقوانين، ولا للرقابة، ولا لأي جهة قادرة على فرض معايير السلامة.

الميليشيات المتصارعة تسيطر على مناطق واسعة من مواقع التعدين، حيث تُفرض الإتاوات على المعدنين مقابل الحماية المزعومة. ومع انسحاب مؤسسات الدولة، أصبحت الحياة في تلك المناطق قائمة على قانون الغاب.

في السودان، قُدِّر إنتاج الذهب بحوالي 50 إلى 100 طن سنويًا، لكنه ذهب لا يلمع بقدر ما يلطخه الدم. تقارير الأمم المتحدة حذّرت مرارًا من أن جزءًا كبيرًا من هذا الذهب يُستخدم لتمويل النزاعات المسلحة، بدلًا من أن يسهم في تنمية المجتمعات أو إنقاذها من الفقر.

الحادث الأخير يكشف بوضوح تلك الحلقة الجهنمية: حرب تدمر البنى التحتية، فقر يدفع الناس للعمل في التعدين الخطير، انهيارات قاتلة، مزيد من المآسي والدمار الاجتماعي.

من يتحمل المسؤولية؟

في الأوضاع الطبيعية، تُحمّل الحكومات مسؤولية تنظيم قطاع التعدين وضمان سلامة العمال. لكن في السودان، تتلاشى المسؤولية بين حكومة غائبة، وجماعات مسلحة، ومجتمع دولي يقف متفرجًا أمام مشاهد الانهيار البطيء لدولة بأكملها.

الناشطون الحقوقيون يرون أن التقاعس المحلي والدولي عن حماية الأرواح هو امتداد للتجاهل الأوسع لما يحدث في السودان منذ بداية الحرب. لا خطط للإنقاذ، لا دعم للضحايا، ولا حتى تعهدات بتحقيق العدالة لمن سقطوا تحت التراب.

المنجم الذي انهار هذا الأسبوع ليس سوى واحد من مئات المناجم التي تهدد حياة آلاف الأشخاص يوميًا. طالما استمرت الحرب، ستظل أرواح الفقراء في السودان تُسحق بين صخور الذهب وجدران الصراع المسلح.

المشهد أكثر قتامة مما يبدو: بلد يتآكله الجوع، والدمار، والتهجير، ومع ذلك يُواصل الآلاف الحفر في الأرض بأظافرهم بحثًا عن أمل، ربما يأتي، وربما ينتهي بهم الأمر تحت الأنقاض… كما حدث في منطقة هويد، شمال شرق السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى