الكنابي.. هامش يصرخ  في وجه الدولة

 

أفق جديد

قلق واستياء وتوتر بسبب الشروع في إزالة التجمعات السكنية التي تُعرف بـ”الكنابي” والسكن العشوائي بولاية الجزيرة، الأمر الذي يؤثر على التعايش السلمي.

في 19 يونيو الجاري أصدر مدير حماية الأراضي الحكومية بولاية الجزيرة قرارًا ينص على “البدء في إزالة التشوهات والسكن غير القانوني بالمناطق المستهدفة بجميع محليات ولاية الجزيرة”، وطالب “جميع المقيمين في المناطق المستهدفة بترتيب أوضاعهم وإزالة التعديات طواعية خلال 72 ساعة ابتداء من تاريخ الإعلان”.

“الكنابي” أكثر من مجرد سكن

محرر “أفق جديد” دخل إلى دهاليز عدد من “الكنابي” بولاية الجزيرة، للوقوف على ردود الأفعال بشأن قرار حماية جهاز الأراضي بالولاية الذي نص على البدء في إزالة السكن غير القانوني.

ويوجد في ولاية الجزيرة أكثر من ألفي كمبو “تجمعات عشوائية” يقطنها عدد كبير من المواطنين وتفتقر لأبسط الخدمات.

ويسهم العمال الزراعيون من سكان “الكنابي” بنسبة 75% في العملية الإنتاجية مقارنة بمساهمة المزارعين بمختلف فئاتهم التي تبلغ 25%، ويحصل العمال الزراعيون على 12% من العائد مقابل 88% للمزارعين.

مشاهدات من الداخل :

آدم هارون، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية، يسكن كمبو “مكي” بولاية الجزيرة، يقول لـ”أفق جديد”: “تهجير سكان الكنابي قرار ظالم. وتعايشنا مع الناس في سلام وأمان طيلة السنوات الماضية”.

وأضاف هارون في حديثه لـ”أفق جديد”: “لا نقبل التشريد وعلى الجهات الحكومية مراجعة قرارها وما يحدث استهداف عنصري على أساس العرق واللون”.

وتابع: “نسكن في عشوائيات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية، ونعاني من ضعف البنية التحتية وغياب التخطيط العمراني السليم”.

وأوضح هارون أن الكنابي تعاني أيضًا من نقص الوصول إلى مرافق الصرف الصحي، ومصادر المياه النظيفة، وخدمات جمع النفايات، والكهرباء.

من جهته يقول إسحاق عبد الله، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية يسكن كمبو “ود العجوز” بولاية الجزيرة: “ما يحدث إقصاء متعمد دون مراعاة لسكان الكنابي الذين يعملون في المشروع الزراعي لعشرات السنين”.

وأضاف عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”: “تهجير الكنابي قرار ظالم ويحتاج إلى مراجعة. ولن نلتزم الصمت وعلى السلطات الحكومية إيجاد بدائل مناسبة”.

من جهتها تقول حليمة إبراهيم “اسم مستعار”، تسكن كمبو “ود اللمين”: “تتعرض لأسوأ أنواع المعاملة دون مراعاة لحقوقنا الأساسية.”

 وأشارت حليمة في حديثها لـ”أفق جديد”: “يريدون ترحلينا من منازلنا وسلب أراضينا دون وجه حق”.

وأضافت: “الكنابي تعاني من انعدام المياه الصالحة للشرب والكهرباء والمؤسسات التعليمية في المراحل المختلفة والمرافق الصحية وغيرها”.

اتهامات متبادلة وتأجيج الكراهية

ويتهم ناشطون من أبناء ولاية الجزيرة سكان “الكنابي”، وهم مجموعات تقيم في تجمعات عشوائية على أطراف قنوات ري مشروع الجزيرة، بالمشاركة في الحملات الانتقامية وعمليات السلب والنهب والقتل التي نفذتها عناصر الدعم السريع ضد مواطني الولاية إبان سيطرتها على المنطقة في الفترة الماضية.

 بالنسبة إلى الأمين العام لمؤتمر مركزية الكنابي، جعفر محمدين، فإن تهجير سكان الكنابي ليست بالمسألة الجديدة، وهي تآمر قديم منذ فجر الاستقلال، ولكن الجديد في الأمر هي ما ارتكب من مجازر في حقها في ظل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وقال محمدين لـ”أفق جديد”: “هناك تهجير ممنهج لسكان الكنابي من قبل حكومة الأمر الواقع بقيادة عبد الفتاح البرهان بعد إبادة سكان الكنابي، والآن يريدون تهجير ما تبقى من السكان”.

وأضاف: “سكان الكنابي هم العمود الفقري في السودان عبر مشروع الجزيرة، والمشروعات المروية الأخرى مثل الرهد والسوكي وحلفا الجديدة وغيرها. تهجير سكان الكنابي يعني موت المشاريع الزراعية على رأسها مشروع الجزيرة”.

وتابع: “سكان الكنابي أصبحوا ملاكًا ويشكلون 15%من ملاك مشروع الجزيرة، ومحاولة تهجيرهم تعني الاستيلاء على مزارعهم التي اشتروها بحر مالهم”.

ومضى محمدين قائلًا: “بالتأكيد هناك  تأثير كبير جدًا على التعايش السلمي جراء نشر خطاب الكراهية تجاه المكونات الاجتماعية في وسط السودان”.

ورأى “مؤتمر الجزيرة”، (كيان أهلي) أن عملية إزالة السكن العشوائي والتعديات والمظاهر السلبية في مدينة ود مدني الكبرى كان يجب أن تتم وفقًا للأطر القانونية والدستورية الصارمة، مع التأكيد على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية المسبقة.

بالنسبة إلى الباحثة الاجتماعية، انعام إبراهيم، فإن إزالة السكن العشوائي له تأثيرات إيجابية وسلبية على التعايش السلمي.

وأضافت إنعام في حديثها لـ”أفق جديد”: “من الناحية الإيجابية، قد يؤدي إلى تحسين المظهر الحضري، وزيادة توافر الخدمات الأساسية، وتقليل الجريمة، ومن الناحية السلبية، قد يؤدي إلى تشريد السكان، وزيادة التوترات الاجتماعية، وفقدان الهوية الثقافية”.

مطالبات حقوقية

 شدّد بيان صادر عن مؤتمر الجزيرة اطلعت عليه “أفق جديد”، أن تشمل العملية توجيه الإنذارات وتوفير الحلول البديلة المناسبة للشرائح المتأثرة، وذلك بالقدر الذي يحمي حقوق المواطنين ويحفظ كرامتهم ويضمن عدم التعدي على حقوقهم.

وحسب البيان، فإن تلك الإجراءات تعكس حرصًا على إرساء العدالة والشفافية، وتُعد معيارًا عالميًا في التعامل مع ظاهرة العشوائيات، حيث تُراعى الأبعاد الإنسانية والاجتماعية جنبًا إلى جنب مع الأهداف التنموية.

وأضاف البيان: “المبادرة يجب أن تتجاوز كونها مجرد إجراءٍ إداري، لتُصبح جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع للتنمية الحضرية المتكاملة، وهي ممارسة حضرية وهندسية أساسية تتبناها جميع المدن الحديثة والدول المتقدمة حول العالم لضمان النمو المستدام وتحسين جودة الحياة”.

ودعت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية إلى رصد الانتهاكات والتدخل العاجل لحماية سكان “الكنابي” في ولاية الجزيرة.

كما وجهت دعوة للإعلام الوطني والإقليمي والدولي لتسليط الضوء على ما يحدث في “الكنابي” من ترويع وانتهاكات .

وأكدت التمسك بحقوق سكان “الكنابي” في الأرض والسكن والخدمات والكرامة الإنسانية، ورفضهم لأي محاولات لتغيير تركيبتها السكانية أو طمس هويتهم.

 

وتواجه المناطق العشوائية (الكنابي) تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة، والفقر هو السمة الأساسية لهذه المناطق، ويعاني سكانها من التهميش والاستبعاد الاجتماعي، مما يحد من فرص التنمية والتطور.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى