ما حدث في مدينة الدبة مساء الخميس 3 يوليو 2025 ليس “اشتباكًا محدودًا” كما توهّمت لجنة الأمن، ولا مجرد “تفلت فردي” بين شباب من قبيلتين. ما حدث هو علامة من علامات انهيار الدولة، وجرس إنذار أخير بأن السودان، إن لم يُنتشل الآن، فهو يسقط سريعًا وبلا قاع نحو مصير “دولة العصابات”، حيث السلاح سيد الموقف، والجيش راعٍ للفوضى، والكيزان هم العقل المدبّر لكل هذا الخراب.
أربعة قتلى في ساعات. عددٌ كافٍ لإعلان الطوارئ في أي بلد طبيعي، لكن في السودان، الذي صارت فيه حياة الناس رخيصة، يكفي بيان بارد من لجنة أمن تسيطر عليها عقلية أمنية تسمّي المذبحة “تفلتًا”!.
بيان لجنة الأمن بمحلية الدبة، رغم محاولاته البائسة لتلطيف الفاجعة، يعترف اعترافًا خطيرًا: الاشتباك وقع داخل المدينة، والقوات النظامية تدخلت بعد سقوط القتلى، والطوق الأمني لم يُفرض إلا بعد الكارثة. منطق مقلوب، وسلطة غائبة، وأجهزة أمنية لا ترى إلا حين تشبع الأرض دمًا.
لكن فلنُسَمّ الأمور بأسمائها:
هذه الدماء ليست “عارضة”، بل هي نتيجة مباشرة لحرب عبثية فجّرتها المؤسسة العسكرية بتحريضٍ كيزانيّ مفضوح. هم من سلّحوا القبائل، وهم من وزّعوا الموت على قارعة الطريق، وهم من جرّوا الجيش من مهمته الوطنية إلى مستنقع السياسة والمكاسب الشخصية.
لقد صار السودان اليوم بلا جيش حقيقي، ولا شرطة حقيقية، ولا دولة بالمعنى الكامل للكلمة. الجنود ينهبون في نقاط التفتيش، المليشيات تجوب الطرقات، والسلاح صار سلعة شعبية. ما حدث في الدبة هو ما يحدث يوميًا في القرى والمزارع والأسواق، والفرق الوحيد أن البيان هناك لا يصدر.
أما الكيزان، عرّابو هذه الفوضى، فيرقبون المشهد بابتسامة خفية. يزدادون تغلغلاً في أجهزة الدولة، وفي مفاصل الجيش، وفي المنابر الإعلامية، ويروّجون لفكرة أن الحرب “ضرورة وطنية” وأن تفكك الدولة هو ثمن “التطهير”.
من أشعل الحرب، ومن سلّح المجتمع، ومن فخّخ المؤسسات، ومن غرس الأحقاد، هو نفسه الذي يسعى اليوم لتقسيم السودان إلى كنتونات، كل واحدة تديرها عصابة باسم قبيلة أو جهة أو ولاء أيديولوجي.
ولهذا نقولها بوضوح لا يقبل اللبس:
إنْ لم يُحاصر مشروع الإسلاميين الآن – فكريًا وسياسيًا وأمنيًا – فإن السودان لن يُهزم من الخارج، بل سيتمزق من الداخل بأيديهم.
سيُفتّت إلى دويلات، وتُقسم مدنه إلى معازل طائفية وقبلية ومسلّحة، وستنتهي فكرته كدولة موحّدة.
ويومها… لن ينفع عضُّ أصبع الندم.