“الوادي الأخضر”.. حين يتحول الاسم إلى نقيضه
وسط الخراب الكبير الذي خلّفته الحرب في السودان، لم تعد الأسماء تعني شيئًا، فـ”الوادي الأخضر” الواقع في محلية شرق النيل، لا يحمل اليوم من اسمه سوى الذكرى.
منطقة حديثة النشأة، تحولت إلى بؤرة عطش مزمن، تئن تحت وطأة الجفاف، وانعدام مصادر المياه، وتوقف الآبار الجوفية.
وبينما تمضي الحرب في عامها الثالث، تتفاقم مأساة آلاف السكان، الذين يخوضون معركة يومية من أجل جرعة ماء، في ظل غياب تام للحلول الجذرية، وارتفاع جنوني في أسعار المياه المنقولة من مسافات بعيدة.
ويصطف الناس في طوابير طويلة في انتظار تناكر المياه وعربات “الكارو”، التي تجرها الدواب للحصول على المياه التي تأتي من مناطق وقرى وبلدات بعيدة تعمل آبارها بالطاقة الشمسية.
يقول المواطن، أمين عبد الغني: إن منطقة “الوادي الأخضر” “هددها العطش طيلة أشهر الحرب، والحصول على المياه أصبح أزمة يومية لآلاف الناس”.
وأوضح عبد الغني في حديثه لـ”أفق جديد”، “المياه معدومة تمامًا، والآن نحن في فصل الصيف، ولا أمل في المستقبل القريب لحل المشكلة”.
من جهتها تقول نعمات عثمان: “مشكلة المياه كبيرة، ونقف طيلة ساعات النهار في انتظار تناكر المياه”.
وأضافت نعمات في حديثها لـ”أفق جديد”: “المنطقة أصلًا تعاني من العطش، لكن بسبب الحرب وتعطل مصادر المياه المشكلة أصبحت كبيرة وتزداد يومًا بعد يوم”.
من جهته يقول المواطن ابن عمر الطيب: “العطش مشكلة كبيرة، ونشتري برميل المياه بمبلغ 12 ألف جنيه يوميًا. والبرميل الواحد لا يكفي كل متطلبات المنزل”.
وأضاف الطيب في حديثه لـ”أفق جديد”، “التناكر تجلب المياه من مناطق بعيدة، لذلك الأسعار غالية”.
وتابع، “أزمة المياه اشتدت بشكل كبير بسبب توقف الآبار الجوفية التي نعتمد عليها. هذا التوقف أثر بشكل مباشر على حياة السكان اليومية، وأصبح الحصول على مياه الشرب أمرًا صعبًا”.
وزاد: “ننتظر تدخل الجهات الحكومية لمعالجة مشكلة المياه، خاصة وأن العودة الطوعية أصبحت أمرًا مألوفًا في المنطقة”.
وأكد أن انقطاع التيار الكهربائي المستمر تسبب في توقف المضخات التي تستخرج المياه من الآبار في جميع المناطق بمحلية شرق النيل، الأمر الذي تسبب في تعقيد المشكلة.
أما المواطنة حنان الطيب فقالت لـ”أفق جديد”: “انعدام المياه زاد من المعاناة اليومية، والآبار ما زالت معطلة لذلك نشتري المياه من التناكر رغم غلاء أسعارها”.
وأضافت: “المنطقة تواجه أزمة إنسانية حقيقية. ونحتاج إلى تدخل المنظمات لحل المشكلة خاصة وأن الأسر بدأت في العودة التدريجية بعد النزوح الطويل”.
وتابعت بالقول: “ظهرت حالات إصابة بالتهابات وأمراض الكلى بسبب ارتفاع نسبة الأملاح في المياه التي يوفرها أصحاب التناكر وعربات الكارو”.
وطالبت حنان حكومة ولاية الخرطوم بالتدخل السريع لحل مشكلة مياه الشرب لمناطق شرق النيل بصورة عامة.
غياب الحلول :
يقول عباس محجوب، وهو رئيس لجنة الخدمات بمنطقة “الوادي الأخضر”، إن المنطقة تفتقر إلى المياه الحلوة الصالحة للشرب، وكانت تشرب سابقًا من حوض منطقة “التلال” الجامعية.
وأضاف محجوب في حديثه لـ”أفق جديد”، “منطقة التلال الجامعية تضم بئرين الأول قوة محركه مائة حصان بما يعادل 746 كيلو واط، والبئر الثانية تعمل بمحرك قوته 50 حصان”.
وأوضح عباس أن عناصر قوات “الدعم السريع”، أثناء وجودها في المنطقة خلال الفترة الماضية، اقتلعت كوابل ومحولات والغطاسات الآبار الجوفية.
لافتًا إلى أن الحل يتمثل في تركيب منظمات طاقة شمسية، بتكلفة 18 ألف دولار للبئر الأولى، و18 مليار جنيه سوداني للبئر الثانية لإنهاء العطش في المنطقة بصورة نهائية.
ويقول معتز الطيب، وهو مسؤول بمحلية شرق النيل لـ”أفق جديد”: إن المحلية شرعت في إيجاد حلول سريعة لتوفير المياه لمنطقة الوادي الأخضر التي عانت طيلة الأشهر الماضية من العطش.
وأوضح الطيب أن المحلية تسعى لتشغيل الآبار الجوفية بمنظومات الطاقة الشمسية، إلى حين إكمال مشروع المياه من النيل الذي توقف بسبب اندلاع الحرب.
ومع استمرار أزمة المياه في منطقة شرق النيل، فإن غياب الحلول الدائمة لإنهاء المُعاناة اليومية يعني كارثة إنسانية طويلة المدى.
ومع تطاول أمد الحرب فإن الاحتياجات الإنسانية تتزايد يومًا بعد يوم، ونصف سكان البلاد بحاجة إلى المساعدة وهم لا يستطيعون الحصول على المأوى، أو مياه الشرب النظيفة، أو حتى الرعاية الصحية، كما أن الأمراض تنتشر بسرعة، بالإضافة إلى ندرة الموارد ومحدودية المساعدات الإنسانية الدولية.