من على الشرفة
طاهر المعتصم
أخطر ما يمر به السودان بعد تهديد وحدته، هو تناسل المليشيات، وفشل برامج الدمج والتسريح، بعد أن أذاقت مليشيا واحدة أطلقها المعزول (البشير)، أهل السودان كل مُر، وجعلت كثيرًا منهم ما بين نازح ولاجئ.
كان الفشل في تنفيذ اتفاقية جوبا، والجزء الخاص بعمليات دمج وتسريح المليشيات المتمردة سابقًا قبل توقيع الاتفاق، مليشيات بعضها ذات امتداد في ليبيا، لم ينجح أحد منهم في الدمج والتسريح إلا الحركة الشعبية شمال قيادة (عقار)، بينما بقيتها تتصارع في الحصول على مناصب المالية والمعادن والضمان الاجتماعي.
ومن رحمِ المستقبل، أعلن محمد سيد أحمد، الشروع في تدريب ٥٠ ألف مقاتل، في دولة إرتريا الجارة، أسوة ببعض المليشيات التي تلقت تدريبها هناك، ولا أحد يدري لماذا لا يتدربوا تحت إمرة الجيش السوداني.
يوم الجمعة الماضي صدر بيان عن ثلاث مليشيات وصفت تحالفها بالخطوة التاريخية، إذ أعلنت ما تطلق على نفسها قوات رماة الحدق عن تحالف جديد واستراتيجي مع قوات (درع السودان) بقيادة أبو عاقلة كيكل، وذلك عقب الاجتماع الذي انعقد يوم الجمعة بحضور قيادات الطرفين، وعدد من رموز الكيان النوبي، الغريب وصفهم هذا التحالف بأنه لا يمثل مجرد اتفاق، بل هو إعادة رسم لخارطة القوة والانضباط والتكامل الميداني، ويشمل إطلاق برامج تدريب نوعي في
الأسلحة الخفيفة والثقيلة، المسيّرات الحديثة.
وجه الغرابة في أن البيان المذيل باسم الناطق الرسمي لرماة الحدق، لم يرد فيه أي عبارة توضح إنهم تحت إمرة القوات المسلحة السودانية.
موظف سابق بالزكاة، انضم لمليشيا في شمال السودان، تجري محاكمته في قضية محولات كهربائية، مجموعات مسلحة تنشط في طريق المثلث الحدودي، يتم استخدامهم لكبح جماح بعض مجموعات مليشيات جوبا (المشتركة) في شمال السودان، على صعيد آخر صراع ما بين أفراد من قبيلة الكبابيش والهواوير.
كانت صناعة مليشيا (تمازج)، خلال مفاوضات الاتفاق مع الحركات المسلحة في (جوبا) عاصمة جنوب السودان، هي بداية تدشين المليشيات الجديدة للقرب من السلطة، يستطيع المراقب إحصاء عشرات التكوينات شبه العسكرية في الوقت الحالي.
غافل من ظن أن صناعة المليشيات وتناسلها، لا يؤدي إلى واقع أمراء حرب، وأن لا يتم اختراق خارجي واستخدام بعضهم مخلب قط. هل من المستطاع حسم مراكز القرار المتعددة، وهل في مقدرة صناع المليشيات وموقعي الاتفاقيات إنهاء حالة تكاثر المليشيات السودانية، وأن يكون هناك جيش وطني واحد محترف، يحتكر السلاح.