تفنيد المغالطات وتأكيد الحقائق حول الحرب في السودان


عمار حامد العوض
يأتي مقال الدكتور بكري الجاك في توقيت بالغ الأهمية، حيث يسلط الضوء على مغالطتين جوهريتين تتكرران في الخطاب العام حول الحرب المدمرة في السودان وسبل إيقافها. يمثل هذا المقال صرخة عقلانية وسط ضجيج الحرب وأصوات من يحاولون تبسيط الأمور المعقدة أو إلقاء اللوم على الأطراف الخطأ. وذلك لأن ما يطرحه من تحليل نقدي للمغالطات السائدة يستحق التأييد والدعم، ليس فقط لدقته التحليلية، بل لأنه يضع الأصبع على الجرح الحقيقي في الخطاب السياسي السوداني المعاصر.
منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والسودان يعيش كابوساً حقيقياً لم يشهد له مثيلاً في تاريخه الحديث. هذه الحرب التي دخلت عامها الثالث، خلفت وراءها دماراً شاملاً وأزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث أصبحت أكبر أزمة نزوح في العالم مع نزوح 14.3 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان السودان. في ظل هذا الواقع المأساوي، تبرز أهمية التحليل الذي قدمه الدكتور بكري الجاك، الذي يكشف عن المغالطات التي تحول دون الوصول إلى فهم صحيح لطبيعة الأزمة وسبل حلها.

المغالطة الأولى: وصف الموقف الرافض للحرب بالحياد:
يصيب الدكتور بكري الجاك كبد الحقيقة عندما يؤكد أن الموقف الرافض للحرب ليس موقفاً محايداً، بل هو موقف واضح ومبدئي يقوم على فهم عميق لطبيعة الأزمة السودانية. هذا الموقف لا يقف على الحياد إزاء المعاناة الإنسانية، بل يرفض الحرب كوسيلة لحل الأزمات السياسية انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الحرب لا تحل المشاكل، بل تعقدها وتخلق مشاكل جديدة أكثر تعقيداً.
إن القوى المدنية الرافضة للحرب، وعلى رأسها التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، لم تتخذ موقفاً محايداً من الحرب، بل اتخذت موقفاً واضحاً ومحدداً يهدف إلى إنهاء الحرب، وتفادي سيناريو الحرب الأهلية الشاملة. هذا الموقف يقوم على أسس علمية ومنطقية واضحة، تتمثل في فهم أن الحروب الأهلية لا تنتج سوى الدمار والخراب، وأن الحلول السياسية هي الطريق الوحيد للخروج من الأزمات المعقدة.
الأدلة التاريخية والمعاصرة
التاريخ السوداني نفسه يقدم أدلة دامغة على صحة الموقف الرافض للحرب. فالحروب الأهلية التي شهدها السودان في الجنوب وفي دارفور لم تحل أي مشكلة، بل خلقت مشاكل جديدة وعمقت الانقسامات الاجتماعية والسياسية. الحرب الحالية تؤكد هذه الحقيقة بشكل مأساوي، حيث تشير التقارير إلى فقداننا (حسب المعلومات الموثقة حتى الآن) خمسة عشر ألف مواطن/ة سوداني ونحو ثلاثة وثلاثين ألف جريح مع ١٤.٣ مليون بين نازح ولاجئ، بالإضافة للخسائر الاقتصادية التي تقدر بـ 600 مليار دولار، مع تآكل الناتج القومي بأكثر من 50% هذه الأرقام المهولة تؤكد أن الحرب لا تحل المشاكل بل تدمر البلاد وتقضي على مقدرات الشعب.
من ناحية أخرى، فإن وصف القوى المدنية الرافضة للحرب بأنها “محايدة إزاء القتل والسحل والاغتصاب” هو، كما يقول الدكتور بكري الجاك، “محض تدليس”. هذه القوى لم تقف محايدة إزاء هذه الجرائم، بل أدانتها بشدة ودعت إلى محاسبة مرتكبيها. تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية تؤكد أن كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبا انتهاكات واسعة شملت القتل خارج القانون والعنف الجنسي والنهب وتدمير البنى التحتية. القوى المدنية لم تصمت عن هذه الانتهاكات، بل كانت من أوائل من أدانها ودعا إلى وقفها.

بكري الجاك

المنطق الاستراتيجي للموقف الرافض للحرب:
الموقف الرافض للحرب يقوم على منطق استراتيجي سليم يدرك أن الحروب الأهلية تخلق دوامات من العنف يصعب الخروج منها. هذا المنطق يستند إلى فهم عميق لطبيعة الصراعات المعاصرة، التي تتميز بتعقيدها وتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية فيها. الحرب في السودان ليست مجرد صراع بين طرفين، بل هي انعكاس لأزمة وطنية عميقة تتعلق بطبيعة الدولة ونظام الحكم وتوزيع السلطة والثروة.
إن القوى المدنية الرافضة للحرب تدرك أن حل هذه الأزمة المعقدة لا يمكن أن يأتي من خلال القوة العسكرية، بل من خلال عملية سياسية شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع. هذا الفهم ليس نابعاً من ضعف أو تردد، بل من قوة وثقة في قدرة الحلول السياسية على معالجة المشاكل المعقدة بطريقة مستدامة.

المغالطة الثانية: مطالبة القوى المدنية بالجلوس مع الإسلاميين – تفكيك المنطق المعيب وتعقيدات الخريطة السياسية
يسلط الدكتور بكري الجاك الضوء على مغالطة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى، وهي المطالبة المبسطة للقوى المدنية بالجلوس مع الإسلاميين لإيقاف الحرب. هذه المغالطة تنطلق من فهم مبسط ومشوه لطبيعة الصراع الحالي والقوى المؤثرة فيه. إن من يطرح هذا الحل السحري يتجاهل حقائق أساسية حول طبيعة التيار الإسلامي في السودان وموقفه من الحرب والسلام.
أولاً، كما يشير الدكتور بكري الجاك بحق، فإن الإسلاميين ليسوا كتلة صماء موحدة. التيار الإسلامي في السودان يضم تيارات وفصائل متعددة، بعضها يشارك في الحرب بشكل مباشر، وبعضها يدعمها من الخلف، وبعضها قد يكون له مواقف مختلفة. هذا التنوع يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التفاوض مع “الإسلاميين” كطرف واحد موحد.

ثانياً، وهذا هو الأهم، فإن التيار الذي يقاتل في الحرب الحالية لم يعلن بوضوح ماذا يريد تحديداً، ولم يبد أي موقف تفاوضي واضح بحد أعلى وحد أدنى. كيف يمكن للقوى المدنية أن تتفاوض مع طرف لا يعرف ماذا يريد، أو يرفض الإعلان عن مطالبه بوضوح؟ هذا الغموض المتعمد في المواقف يجعل أي محاولة للتفاوض مجرد مضيعة للوقت في أحسن الأحوال، أو فخاً سياسياً في أسوأها.
العداء المعلن لقوى التغيير:
النقطة الأكثر أهمية في تحليل الدكتور بكري الجاك تتعلق بطبيعة موقف دعاة الحرب من الإسلاميين تجاه قوى التغيير وثورة ديسمبر. هذا الموقف ليس مجرد خلاف سياسي عادي، بل هو عداء وجودي واضح ومعلن. منذ اندلاع ثورة ديسمبر في 2018، التي نجحت في الإطاحة بنظام عمر البشير بعد ثلاثين عاماً من الحكم الاستبدادي أظهر التيار الإسلامي عداءً واضحاً لكل ما تمثله هذه الثورة من قيم ومبادئ.
هذا العداء ليس مجرد موقف سياسي، بل هو موقف وجودي يرى في نجاح ثورة ديسمبر وقوى التغيير تهديداً مباشراً لوجوده ومصالحه. لذلك، فإن ما يريده هذا التيار من القوى المدنية ليس التفاوض أو الحوار، بل الاستسلام الكامل والاصطفاف معه في حربه لاستعادة السلطة. الخيار الوحيد المطروح أمام القوى المدنية، وفقاً لهذا المنطق، هو إما الانضمام إلى معسكر الحرب أو أن تُوصف بالخيانة والعمالة.
الممارسات العملية على الأرض تؤكد صحة هذا التحليل فقد شهدت الفترة الماضية حملات منظمة ضد القوى المدنية الرافضة للحرب، تضمنت منع الأوراق الثبوتية، وفتح بلاغات قضائية، بل وصلت إلى حد التهديد بالقتل في بعض الحالات. طلبت النيابة العامة من قادة القوى المدنية تسليم أنفسهم للسلطات بتهمة “تقويض الدستور وإثارة الحرب ضد الدولة”، وهي جرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام .
هذه الممارسات تكشف عن حقيقة الموقف: إن ما يُطلب من القوى المدنية ليس الحوار أو التفاوض، بل الاستسلام الكامل والتخلي عن مبادئها وأهدافها. إن من يطالب القوى المدنية بالجلوس مع الإسلاميين يتجاهل هذه الحقيقة الواضحة، أو يتعمد تجاهلها لأغراض سياسية.
هناك كذلك تناقض صارخ في موقف دعاة الحرب من الإسلاميين، وهو تناقض يكشف عن طبيعة أولوياتهم الحقيقية. فبينما يتخذون مواقف صفرية تجاه القوى المدنية التي تدعو للسلام ولا تحمل السلاح، نجدهم أقل عداءً تجاه من يحمل السلاح ويقاتل ضدهم. هذا التناقض يكشف عن أن العداء الحقيقي ليس موجهاً ضد من يحمل السلاح، بل ضد من يمثل مشروعاً سياسياً مختلفاً يهدد هيمنتهم على السلطة.
إن هذا التناقض يؤكد أن الحرب الحالية ليست مجرد صراع عسكري، بل هي جزء من صراع أوسع حول مستقبل السودان ونظام الحكم فيه. القوى المدنية في صمود تنادي بمشروع ديمقراطي يقوم على التعددية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان، بينما يمثل التيار الإسلامي مشروعاً استبدادياً يقوم على الهيمنة والإقصاء.

الواقع الجديد الذي خلقته الحرب وتغيير المعادلات السياسية:
يطرح الدكتور بكري الجاك نقطة بالغة الأهمية حول الواقع الجديد الذي خلقته حرب 15 أبريل. هذه الحرب لم تكن مجرد صراع عسكري عابر، بل كانت زلزالاً سياسياً واجتماعياً غيّر من طبيعة المعادلات في السودان بشكل جذري. إن من يعتقد أنه يمكن العودة إلى ما قبل 15 أبريل 2023 يعيش في وهم كبير، لأن هذا التاريخ يمثل نقطة تحول لا رجعة فيها في التاريخ السوداني المعاصر.
الحرب خلقت واقعاً اجتماعياً جديداً يتميز بمستوى غير مسبوق من الاستقطاب والانقسام. المجتمع السوداني، الذي كان يتميز تاريخياً بقدرته على التعايش رغم التنوع، أصبح منقسماً بشكل حاد على أسس عرقية وإثنية وسياسية. هذا الانقسام ليس مجرد خلاف في الآراء، بل هو شرخ عميق في النسيج الاجتماعي يحتاج إلى جهود جبارة لإصلاحه.
من الناحية الاقتصادية، دمرت الحرب البنية التحتية للبلاد بشكل شبه كامل. تدمير أكثر من 100 فرع مصرفي، وتوقف القطاعات الإنتاجية، وانهيار الخدمات الأساسية، كل هذا خلق واقعاً اقتصادياً جديداً يتطلب إعادة بناء شاملة. إن من يتحدث عن العودة إلى الوضع السابق يتجاهل حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد.
الأثر النفسي والاجتماعي
لا يمكن تجاهل الأثر النفسي والاجتماعي العميق للحرب على الشعب السوداني. نزوح ١٤.٣ مليون شخص، أي ثلث السكان، ليس مجرد رقم إحصائي، بل هو كارثة إنسانية حقيقية تركت آثاراً عميقة على ملايين الأسر. هؤلاء النازحون فقدوا ليس فقط منازلهم وممتلكاتهم، بل فقدوا أيضاً شعورهم بالأمان والاستقرار، وهو ما سيترك آثاراً نفسية طويلة المدى.
الحرب خلقت أيضاً جيلاً جديداً من الأطفال الذين نشأوا وسط العنف والدمار. هؤلاء الأطفال، الذين يقدر عددهم بالملايين، سيحملون ذكريات الحرب معهم طوال حياتهم، وهو ما سيؤثر على نظرتهم للعالم وعلى قدرتهم على بناء مجتمع سلمي في المستقبل. إن إعادة تأهيل هذا الجيل وعلاج آثار الصدمة النفسية التي تعرض لها سيكون تحدياً كبيراً يواجه السودان في المستقبل.
تعقيد الخريطة السياسية:
الحرب عقدت الخريطة السياسية السودانية بشكل كبير. ظهور تحالفات جديدة، وانقسام القوى السياسية التقليدية، وبروز فاعلين جدد، كل هذا خلق واقعاً سياسياً معقداً يختلف جذرياً عما كان عليه الوضع قبل الحرب. القوى المدنية نفسها انقسمت في مواقفها من الحرب، حيث أيد بعضها أحد الطرفين بينما حافظ البعض الآخر على موقفه الرافض للحرب .
هذا التعقيد في الخريطة السياسية يجعل من الصعب تطبيق الحلول التقليدية أو العودة إلى الترتيبات السياسية السابقة. إن أي حل سياسي مستقبلي يجب أن يأخذ في الاعتبار هذا الواقع الجديد المعقد، وأن يتعامل مع التحديات الجديدة التي فرضتها الحرب.

رد على دعاة الحلول المبسطة وهم الحل السحري:
يواجه الدكتور بكري الجاك بشجاعة أولئك الذين يروجون لحلول مبسطة ومضللة للأزمة السودانية. هؤلاء الذين يعتقدون أن إيقاف الحرب يمكن أن يتم ببساطة من خلال رضوخ القوى المدنية لأجندة تحالف المال والسلطة، يعيشون في وهم كبير. هذا الوهم خطير لأنه يصرف الانتباه عن الحلول الحقيقية ويضع اللوم على الطرف الخطأ.
إن القوى المدنية الرافضة للحرب لا تملك عصا سحرية لإيقاف الحرب. هذه القوى لا تملك السلاح، ولا تسيطر على الأرض، ولا تملك القدرة على إجبار أطراف الصراع على وقف القتال. ما تملكه هذه القوى هو الشرعية الأخلاقية والسياسية، والرؤية الواضحة لمستقبل السودان، والقدرة على تقديم بديل حقيقي للعنف والاستبداد.
خطورة إلقاء اللوم على الضحية:
إن إلقاء اللوم على القوى المدنية في استمرار الحرب هو نوع من إلقاء اللوم على الضحية. هذه القوى هي التي تدفع ثمن موقفها المبدئي من خلال التهديدات والملاحقات والاتهامات. هي التي تواجه حملات التشويه والتضليل. هي التي تُحرم من حقوقها الأساسية وتُمنع من ممارسة دورها السياسي الطبيعي.

إن من يطالب هذه القوى بالتنازل عن مبادئها والاستسلام لأجندة تحالف المال والسلطة، يطالبها في الواقع بالانتحار السياسي. هو يطالبها بأن تتخلى عن كل ما تؤمن به، وأن تصبح مجرد أداة في يد من يريدون إعادة إنتاج النظام الاستبدادي السابق. هذا ليس حلاً للأزمة، بل هو استسلام كامل لمن تسببوا في الأزمة من الأساس.
الأزمة السودانية معقدة ومتشابكة، وتحتاج إلى حلول معقدة ومتشابكة أيضاً. إن من يبحث عن حلول بسيطة لمشاكل معقدة إما أنه لا يفهم طبيعة المشكلة، أو أنه يتعمد تبسيطها لأغراض سياسية. الحرب في السودان ليست مجرد خلاف بين طرفين يمكن حله بجلسة تفاوض واحدة، بل هي انعكاس لأزمة وطنية عميقة تحتاج إلى معالجة شاملة.
هذه المعالجة الشاملة تتطلب إعادة النظر في طبيعة الدولة السودانية، وفي نظام الحكم، وفي توزيع السلطة والثروة، وفي العلاقة بين المركز والأطراف، وفي دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. إنها تتطلب أيضاً معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وليس مجرد معالجة أعراضه.
يختتم الدكتور بكري الجاك مقاله بدعوة مهمة وضرورية: عدم إعطاء الحرب مشروعية أخلاقية مهما تدثر الحديث عن وجود مثل هذه المشروعية. هذه الدعوة تصيب كبد الحقيقة، لأن إعطاء الحرب مشروعية أخلاقية هو أول خطوة في طريق تطبيعها وقبولها كوسيلة لحل الصراعات.
لا توجد حرب أخلاقية في السودان اليوم. ما يحدث هو صراع على السلطة والثروة، يدفع ثمنه الشعب السوداني البريء. إن محاولة إضفاء طابع أخلاقي على هذا الصراع، من خلال الحديث عن “الدفاع عن الوطن” أو “محاربة الإرهاب” أو “حماية الديمقراطية”، هي محاولة لتضليل الرأي العام وكسب تأييده لحرب لا مبرر أخلاقي لها.

الدعوة إلى “هزيمة الحرب” وليس مجرد إيقافها، هي دعوة عميقة ومهمة. هزيمة الحرب تعني رفض منطق العنف كوسيلة لحل الصراعات، ورفض ثقافة الحرب التي تحاول أن تترسخ في المجتمع السوداني. إنها تعني أيضاً رفض الاصطفاف خلف أطراف الحرب، وعدم إعطائها الشرعية الشعبية التي تحتاجها لاستمرار قتالها.
هزيمة الحرب تتطلب جهداً جماعياً من كل القوى المدنية والشعبية الرافضة للعنف. إنها تتطلب بناء جبهة واسعة للسلام تضم كل من يؤمن بأن المستقبل يجب أن يُبنى بالحوار والتفاوض وليس بالرصاص والقذائف. هذه الجبهة يجب أن تعمل على عدة مستويات: محلياً من خلال رفض ثقافة الحرب ونشر ثقافة السلام، وإقليمياً من خلال كسب تأييد الدول المجاورة للحل السلمي، ودولياً من خلال الضغط على المجتمع الدولي للتدخل الإيجابي لوقف الحرب.
كذلك فإن هزيمة الحرب لا تكفي وحدها، بل يجب أن تقترن ببناء البديل الديمقراطي. هذا البديل يجب أن يقدم رؤية واضحة ومقنعة لمستقبل السودان، رؤية تقوم على العدالة والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية. يجب أن يكون هذا البديل قادراً على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وعلى تقديم حلول عملية للمشاكل التي يواجهها الشعب السوداني.
بناء هذا البديل يتطلب عملاً دؤوباً على عدة مستويات. على المستوى الفكري، يجب تطوير رؤية شاملة للدولة السودانية المستقبلية تأخذ في الاعتبار التنوع الثقافي والعرقي والديني في البلاد. على المستوى السياسي، يجب بناء تحالفات واسعة تضم كل القوى الديمقراطية والمدنية. على المستوى الشعبي، يجب العمل على كسب تأييد الجماهير للمشروع الديمقراطي من خلال تقديم حلول عملية لمشاكلها اليومية.
أخيراً، يجب علينا العمل الجماعي من أجل السلام. هذا العمل يجب أن يشمل كل من يؤمن بأن مستقبل السودان يجب أن يُبنى على أسس سلمية وديمقراطية. يجب أن نعمل جميعاً، كل من موقعه، على هزيمة الحرب وثقافة العنف، وعلى بناء البديل الديمقراطي الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة والكرامة.
إن مقال الدكتور بكري الجاك ليس مجرد تحليل أكاديمي، بل هو دعوة للعمل. دعوة لكل من يؤمن بأن السودان يستحق مستقبلاً أفضل من الحرب والدمار. دعوة للوقوف مع الحق ضد الباطل، ومع السلام ضد الحرب، ومع الديمقراطية ضد الاستبداد. هذه دعوة نؤيدها بقوة، وندعو الجميع إلى تبنيها والعمل من أجل تحقيقها
——-
حاشية
هذا المقال تعقيباً على منشور الدكتور بكري الجاك بعنوان “‎ملاحظات عامة بشأن مغالطات تتكرر فى الخطاب العام عن الحرب وسبل إيقافها”، كتبه على صفحته بفيسبوك بتاريخ 5 يوليو 2025 . ويُنشر نظراً لأهمية موضوعه “الحرب في السودان”.

 

Exit mobile version